بقلم : شاكر فريد حسن
عرفنا الشاعر والمعرِّب أنطون شماس في السبعينات من القرن الماضي، من خلال القصائد والترجمات والكتابات الأدبية التي كان ينشرها في صحيفة ” الأنباء “، ومجلة ” الشرق ” التي كان يرأس تحريرها الأديب محمود عباسي ” أبو ابراهيم “، وكان هو سكرتير التحرير.
حينها كان في مقتبل العمر، شابًا نشيطًا نابضًا بالحيوية، غزير الكتابة والنتاج الشعري والأدبي، يكتب القصيدة الحديثة المتحررة من القيود والأوزان.
أنطون شماس من مواليد العام 1950 في قرية فسوطة بأعالي الجليل، تلقى تعليمه الثانوي في حيفا، والأكاديمي في الجامعة العبرية في القدس بموضوعي الأدب العربي والانجليزي، بالإضافة إلى تاريخ الفنون، ثم اشتغل منتجًا في قسم البرامج العربية في التلفزيون. بعد ذلك اشتغل في الترجمة ونشر المقالات الأسبوعية في صحيفة كول هعير التي كانت تصدر في القدس. وفي العام 1987 ترك شماس البلاد وسافر إلى أمريكا، وهناك عمل محاضرًا للأدب في جامعة ميشينغان، وفي العام 1997 عين محاضرًا بدرجة بروفيسور في دائرتي الأدب المقارن ودراسات الشرق الأوسط.
وأنطون شماس ثلاثي اللغة يتقن الكتابة باللغات الثلاث، العربية والعبرية والانجليزية، وعرف بين الأوساط الثقافية اليهودية والعالمية بروايته الشهيرة التي كتبها بالعبرية وحملت عنوان “عربسكوت” الصادرة العام 1986، وترجمت إلى لغات عديدة.
ويعد شماس من شعراء التجديد السورياليين، أصدر ديوانه الشعري الأول باللغة العربية بعنوان ” أسير يقظتي ونومي “، ثم نشر مجموعتين شعريتين بالعبرية.
وكان الأديب المرحوم بروفيسور فاروق مواسي تناول هذا الديوان ” أسير يقظتي ونومي ” في دراسة نشرت بكتابه النقدي ” عرض ونقد في الشعر المحلي ” الصادر العام 1976، فأشار إلى أن شماس يلج من خلال قصائده في عالم مثقل بتجارب مبهمة وحالات شعرية يمتزج فيها الوعي باللاوعي ويتعايش فيها المنطق واللامنطق. فاسم الديوان يشير إلى الحركة والوعي واللاوعي:
أحلم بيقظتي ونومي
أسير ليلي ونومي
لا أسير، أسير يقظتي ونومي.
ويرسم أنطون شماس النازف ألمًا، بفرشاة على جدران القدس، واعيًا لمأساته قائلًا:
قولوا لعازف القيثار على بوابة الخليل
كل المدينة سوف تنهار إذا توقف.
وتمثل قصائد أنطون شماس أنموذجًا للكتابة السوريالية المستقبلية، فهي نصوص موحية تستفز الذهن وتتحرك داخل غابة من الرموز والغموض الشعري، ولا تبحث عن المقروئية الجاهزة، بل أنها تحاول أن تخلق مقروئيتها من عوالمها الجمالية ومن شروطها الفنية المستحدثة. وتشترك أغلب قصائده حول مركزية الإنسان، أو خلف أنساق جديدة قوامها الخلق الإنساني الوجودي، وغارقة في الجو التغريبي.
ومن نصوصه التي كان قد نشرها في مجلة ” الشرق ” العام 1972 نقتطف هذه السطور من مقطوعته ” تخطيطات للموت “، حيث يقول:
افترقنا هكذا : قالت
سأقطع نصف الطريق اليك في حلمي، وتقطع انت نصفها الباقي.
اختبأت تحت وحدتي الباردة كمفتاح بيتها
الذي تخبئه تحت حجر في أول الدرج.
وقلت زغب الصنوبر (خشب التوابيت) للفخذين
قشعريرة الشهوة. تاتي العروس من الشمال بيضاء
كالأكفان. أموت في طرحة الصمغ.
تستيقظين في الليل على هسهسة الزهور التي تسافر
من الوسادة الة شعرك. تتسرب الى جسدك. تداعب
عريك من الداخل. تستيقظين. تفزع. تسرع
الى العنق. تتشابك الايدي في مظاهرة دائرية
ضد يقظتك. تتقلص الدائرة.(مو)
تستيقظين.
وقد قام شماس بترجمة أعمال إميل حبيبي الروائية من العربية للعبرية، وهي ” المتشائل، أخطية، وسرايا بنت الغول”. وهذه الروايات كما هي معروفة للدارسين غاية في الصعوبة، فأسلوب حبيبي واستخدامه ألفاظًا لغوية معقدة التراكيب، والمزج بين الواقع والخيال، تحتاج لمترجم متمرس يتمتع بقدرات لغوية هائلة، ولا يمكن لأي مترجم نقلها للعبرية.
فما كان من إميل حبيبي إلا التوجه إلى شماس والطلب منه ترجمة الروايات للعبرية لأنه يثق به وبقدراته في الترجمة، وفعلًا تمكن شماس من إنجاز الترجمة بصورة جميلة ولغة سلسة وأفكار متواصلة.
وغني عن القول في النهاية، أن كتابات أنطون شماس الشعرية والنثرية تشكل ظاهرة مهمة في المشهد الأدبي المحلي، في الحقلين اللغوي والثقافي، وبمغادرته البلاد خسرنا شاعرًا ومترجمًا له بصمته في الساحة الأدبية.