منتظر الخرسان
لم يبد ابو علي رغبته بالعودة الى مدينته الموصل التي نزح منها منذ عام 2014 رغم تحريرها من قبضة تنظيم داعش بعد ان استقر به الحال مع عائلته في دار متواضعة بمدينة الفجر التابعة إداريا لمحافظة ذي قار.
وهو يقف أمام دائرة الهجرة والمهجرين في ذي قار التي وصل إليها في وقت مبكر من الصباح بعد ان قطع أكثر من 120 كيلو مترا من شمال المحافظة نحو مركزها كي يستلم صندوقا صغيرا يضم مجموعة من البقوليات والزيت ويضعه على الرصيف القريب من الشارع العام بانتظار رفقة له ليتم نقلهم مع هذا الصندوق نحو سكنهم.
يقف متكئا الى الحائط الخارجي لدائرة الهجرة وهو في حالة متعبة وثوب انهكت نسيجه الأيام يرتديه ويستذكر مسيرة نزوحه المروعة من بلدته تلعفر مرورا بسنجار التي استقر بها مع عائلته وآلاف النازحين لشهر قبل ان يغادرها بعد تهديدات داعش لاقتحامها ليتجه نحو اربيل وينتهي بهم الحال بعد 35 يوما الى مدينة الناصرية.
زوجته التي تحرجت من ذكر اسمها واكبت الظروف القاسية وتحملت معاناة الجوع والعطش والخوف تتكلم باختصار شديد عن أحداث النزوح فهي تريد نسيان تلك اللحظات التي مرت بها لشدتها لتعرج على احتضان الأهالي في الناصرية لهم ليأووهم في منازلهم ويطعموهم، وان اندماج العوائل الناصرية معهم محاولة للتأكيد على روحية البلد الواحد مهما بعدت الموصل عن الناصرية.
ابو علي يؤكد جازما انه غير راغب بالعودة في ظل الظروف الحالية التي تعيشها مناطقهم حتى بعد تحريرها لهشاشة الوضع الأمني بحسب ما يصله من الأخبار فلديه تواصل مع أصدقاء عادوا الى مساكنهم الا انها مهدمة بالكامل نتيجة معارك التحرير وحاجتهم الى أموال كثيرة لإعادتها وانعدام فرص العمل، ويشير الى ان بعض الذي عاد انتقل بعد مدة قصيرة الى كردستان لصعوبة العيش.
يستدرك في حديثه انه لا يمانع من العودة لكنه ليس في غضون السنتين المقبلتين فالوضع في الموصل يحتاج الى ضبط امني اكثر وحركة عمرانية أوسع.
ويكمل كلامه بانه لم يبد اي محاولة للعودة على نحو الزيارة التفقدية بعد اتصالاته المستمرة مع اصدقاء له.
ان الحياة الزاهدة التي يعيشها الآن وتبدل عمله عن السابق أهون عليه من فقد اي فرد من عائلته اذ كان يعمل في مدينته تلعفر بائعا للأغنام ويكسب منها المال الكثير اما الان فهو عامل باجر يومي في البناء وعند غيابه عن العمل سوف ينقص من مصروفهم اليومي رغم المعونات التي يقدمها الأهالي لهم الا انه يود الاعتماد على نفسه فالفترة قد تطول أكثر حسب قوله.
صادق كريم وهو جار ابي علي اذ رافقه الى الناصرية لعمل محدد يقول لنا “ان ابا علي لا يشعر بالغربة فهو بين أهله وأخوته سواء كان من الموصل او اي محافظة عراقية، نعم العراقية هي الرابطة الأساس بيننا وهذا ما عملنا عليه منذ بداية وجودهم داخل المنطقة فلا دين ولا مذهب ولا مناطقية تفرق بيننا ان الظروف الآمنة في المحافظات الجنوبية بيئة جيدة للبقاء وممارسة حياتهم الطبيعية سيما وان اولاده حاليا هم في المدارس”.
وعملت منظمات المجتمع المدني مدعومة من قبل منظمة اليونسيف الدولية على دعم النازحين نفسيا كي يندمجو مع المجتمع المحلي.
مسؤول منظمة التواصل والاخاء الإنسانية الشريك المحلي لليونسيف علي الناشي أشار الى مخيمات صغيرة تم إنشاؤها خلال فترة النزوح خاصة لدعم الأطفال وذويهم نفسيا نتيجة الأزمة التي تعرضوا لها والعمل على دمجهم بالمجتمع المحلي.
انعدام رغبة ابو علي في العودة ليس لوحده بل هناك 887 عائلة نازحة في ذي قار التي لا ترغب بالعودة حتى الان بحسب بيانات أطلعتنا عليها دائرة الهجرة والمهجرين التي عزت أسباب عدم العودة الى هشاشة الوضع الأمني في المناطق المحررة وعدم توفر الخدمات الأساسية وتضرر وانهيار منازلهم وفقدان فرص العمل وتباطؤ الحركة الاقتصادية.
فيما كشف مصدر امني في شرطة ذي قار بان لديهم بيانات متكاملة ومتابعة لهم لحمايتهم والحفاظ على امن مدينة الناصرية.
ابو علي يرى انه بالإمكان الانتقال من سكنه الحالي الى مدينة أخرى للبحث عن عمل أوسع في مدن الجنوب او الوسط الا انه غير مقتنع بالعودة الى مدينته الام سيما وان عملية النزوح التي تعرض لها هي الثانية اذ سبقتها حالة نزوح عام 2005 بسبب العمليات الإرهابية لتنظيم القاعدة اذ نزح مع المئات من العوائل آنذاك الى القرى المحيطة ولم تشهد تلك الفترة اي تسليط إعلامي حسب قوله لحين ما نفذت الاجهزة الامنية عملية موسعة استعيدت فيها تلعفر “فالعودة في ظل الظروف الحالية مستحيلة” بهذه العبارة ختم حديثه ليتوجه نحو مركبة توقفت عند الشارع لتقله الى سكناه مع نازحين اخر برفقة الصندوق الصغير من الحصة الغذائية.