وصمة داعش تلاحق 400 ألف عراقي بينهم 45000 طفل بلا وثائق

بغداد/ وائل نعمة

قد يبقى 400 الف انسان في العراق ملاحقًا طول عمره بوصمة “عوائل داعش”، اذا لم تجد السلطات حلا لإعادة اندماج تلك الفئة مع المجتمع. وحتى الآن لا توجد أي مؤشرات على وجود خطط لكيفية التعامل مع تلك الجماعات التي تضم نحو 50 الف طفل- على الاقل- بدون وثائق رسمية.

وتعيش عوائل التنظيم في ثلاث مجموعات؛ الأولى في مخيمات معزولة قريبة من المدن المحررة أو قريبة من الحدود، والمجموعة الثانية تعيش ضمن تجمعات سكانية تنظّمها أعراف عشائرية، والثالثة قررت عدم مغادرة مناطقها الأصلية لكنها تواجه تهديدات مستمرة وعمليات انتقامية من السكان.

أقسام عوائل التنظيم

وبحسب معنيين بملف حقوق الانسان، فان الاسر المعروفة بـ”عوائل داعش”، تصنف بحسب القوات الامنية التي تشرف على المناطق المحررة الى 4 أصناف: 1 ــ عوائل لديها عضو واحد او اكثر في التنظيم، وتبرأت منه وأبلغت القوات الامنية عنه.

2 ــ عوائل لديها عضو واحد او أكثر في التنظيم، وتبرأت منه لكنها لم تتخذ أي إجراء ضده.

3 ــ عوائل لديها عضو واحد او اكثر في التنظيم، مؤيدة لـ”داعش” دون ان تنتمي إلى التنظيم.

4 ــ عوائل لديها عضو واحد او اكثر في التنظيم، لكنها مؤيدة ومنتمية الى داعش.

ويصل عدد أفراد تلك العوائل الى 350 الف شخص، بحسب مسؤولة سابقة عن ملف تلك العوائل في حكومة عادل عبد المهدي السابقة، حيث حدد درجة قرابة الفرد الواحد المنتمي للتنظيم الى الدرجة الرابعة.

ويضاف الى تلك الأعداد، أكثر من 30 ألف آخرين متواجدين في مخيم الهول في الأراضي السورية بالقرب من الحدود العراقية، بحسب وزارة الهجرة.

وينتمي افراد تلك العوائل الى: نينوى، الانبار، الحويجة، صلاح الدين، وجرف الصخر.

واختلفت طريقة تعامل الحكومات المحلية والجماعات العشائرية وحتى السكان في المحافظات التي كانت تحت سيطرة داعش مع عوائل التنظيم الذين قرروا البقاء أو المغادرة طوعاً أو قسراً.

ففي الأنبار والحويجة، جرى اتفاق حكومي ومجتمعي على منع عودة ذوي التنظيم إلى تلك المناطق، فيما انقسم رأي العشائر والسلطات المحلية في صلاح الدين والموصل بين إبعادهم لعدة سنوات واستقبالهم تحت شروط.

وكانت بعض العوائل قد قررت مغادرة مناطقها الأصلية فور دخول القوات العسكرية أثناء عمليات التحرير خشية التعرض إلى الاعتقال او أعمال ثأرية.

بالمقابل هرب بعض القياديين في التنظيم عوائلهم إلى دول الجوار، والبعض الآخر تتحفظ عليهم الحكومة العراقية خاصة ذوي القيادات الأجنبية.

صراعات سياسية

وتقول بشرى العبيدي، رئيسة لجنة حكومية سابقة لإعداد خطة للتعامل مع عوائل التنظيم، ان “الاعداد التي قدمتها لنا القوات الامنية عن عوائل داعش، كانت بحدود 350 الف، لكننا حاولنا تقليص العدد عبر جعل المنتمين الى التنظيم الى الدرجة الثانية”.

العبيدي، وهي عضو سابق في مفوضية حقوق الانسان، اكدت لـ(المدى): “قدمنا 17 توصية لحكومة عبد المهدي من أجل التعامل مع عوائل التنظيم، لكن الأخير ألغى اللجنة بعد ذلك”.

ويعود الغاء اللجنة الفرعية، وهي ضمن لجنة اكبر داخل امانة مجلس الوزراء تحت اسم “لجنة التعايش والامن المجتمعي” الى صراعات سياسية، بحسب قول العبيدي.

وتضيف العبيدي ان “التوصيات مازالت موجودة حتى الان لدى مجلس الوزراء، لكنها غير مفعلة، وهي تضم خطوات مثل الحصول على تفاصيل اعداد الاطفال، وانشاء مخيمات عزل لحين تأهيل العوائل وتأهيل مناطقهم تمهيدًا لاعادة دمجهم مع المجتمع”.

وبعد تقليص اعداد المنتمين الى داعش عبر تخفيض درجة القرابة الى الثانية، ترجح العبيدي، ان “الاعداد لن تقل كثيرا وقد تصل الى 200 الف شخص”.

ولم تتمكن لجنة العبيدي من معرفة تفاصيل أكثر عن وضع عوائل التنظيم، بسبب الغاء اللجنة، الا انها قالت انها اوصت بان “تقوم لجان من الداخلية والمخابرات بزيارة تلك العوائل لترويج معاملات الأطفال الذين ولدوا في تلك الفترة وليس لديهم أوراق رسمية”.

وتتفق العبيدي، مع بعض المنظمات الدولية التي قدرت أعداد الأطفال الذين ليس لديهم اوراق رسمية، بأكثر من 45 ألف طفل.

وقالت تلك المنظمات من ضمنها مجلس اللاجئين النرويجي (NRC) في تقرير سابق، انه اذا لم يتم الاعتراف بهؤلاء الأطفال بشكل رسمي، فإن عشرات الآلاف من القاصرين – الذين يعيش واحد من كل خمسة منهم في المخيمات العراقية- سيُحرَمون من العناية الطبية أو دخول المدارس أو تسلم الحصص التموينية الغذائية.

وتشير العبيدي الى ان اللجنة اوصت بترويج معاملات تلك العوائل داخل المخيمات بسبب “الاهانات والشتائم التي يتعرضون لها اثناء الذهاب الى المحاكم، بالاضافة الى ان محامي تلك العوائل يتعرضون الى تهديدات ايضًا”.

ويسمح القانون العراقي بتسجيل الطفل اذا كان احد والديه يحمل الجنسية العراقية. وتضيف العبيدي:”القانون يسمح بتسجيل هؤلاء الاطفال باسم امهاتهم اذا كان آباؤهم غير معروفين او غير موجودين او لا يوجد وثائق للأب”.

وبحسب محامين معنيين بملف حقوق الانسان، أنه غير معروف حتى الان اذا تم تسجيل اي طفل، خصوصا وأن بعض الجماعات السكانية مثل الايزيديين يرفضون تسجيل الاطفال الذين ولدوا في تلك المرحلة بأسماء امهاتهم.

رفض شعبي

وتسود حالة من الرفض العام لتلك العوائل، حيث لاحق سكان في الشرقاط، جنوب الموصل في ايلول 2019، عددا من اهالي التنظيم بـ”الرمانات اليدوية”، حين حاولت السلطات إعادتهم الى المدينة. وقال عيسى الجبوري، وهو مسؤول محلي سابق في الشرقاط لـ(المدى)، ان الجميع يقدر ان بعض العوائل لديها “شهداء بسبب داعش، لكن هذه العوائل اذا بقيت معزولة ستكون خطيرة وأطفالهم سيتحولون الى قنابل موقوتة”.

وكان سكان الشرقاط، والذين يقدر عدد الذين يعيشون في مركز القضاء بنحو 250 ألف نسمة، قد نزحوا جميعهم في عام 2016 على إثر بدء العمليات العسكرية والتي استمرت 3 اشهر، تم فيها حصار المنطقة بشكل تام.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتم فيها مهاجمة العوائل النازحة التي ينتمي احد افرادها الى داعش، فبعد تحرير القضاء ظهرت وحيدة او “ام هنادي” وهو الاسم المعروف عنها في القضاء، في مقاطع فيديو، وهي تقود مسلحين يحملون عائلات مقاتلي داعش في شاحنات لطردهم خارج القضاء.

وقالت ام هنادي في تلك المقاطع ووراءها يقف مجموعة من المسلحين يحملون بنادق “شرف لي أن أطهر وأنظف الشرقاط (…) هذه عوائل الدواعش في السيارات نعاملهم بمثل ما عاملونا”.

في لقاء مع “شبكة السي إن إن”، عام 2016، قالت إنها تعرضت لـ6 محاولات اغتيال، لكنها عازمة على مواصلة “طريقها الجهادي”. وورد اسمها في أحد تقارير (هيومن رايتس ووتش) كأحد المسؤولين عن التهجير في صلاح الدين. بالمقابل يقول مروان الجبارة الذي يقود شقيقه فصيلا مسلحا تابعا لهيئة الحشد الشعبي في شرق تكريت، ان “الحكومة لا تملك خطة لدمج عوائل التنظيم مع المجتمع، وهناك حلول فردية لهذه المشكلة”.

وحاولت الحكومة سابقا نقل نحو 200 فرد من أهالي داعش الى الشرقاط قادمين من مخيمات النزوح في جنوب الموصل، لكنها اضطرت بعد ذلك بسبب رفض السكان، الى تحويل قسم منهم الى تكريت، فيما الجزء الاكبر بقي يعيش في الصحراء في غرب الموصل حتى الآن.

وكان مجلس قضاء الموصل اصدر في 2018 إعمامًا يقول إن ما يسمى بـ”عوائل الدواعش” يجب أن ينقلوا إلى مخيمات لـ”إعادة تأهيلهم نفسيًا وفكريًا ودمجهم بالمجتمع بعد التأكد من استجابتهم للتأهيل”.

وفي 9 تموز، فتحت السلطات في نينوى أول مخيم لـ “إعادة التأهيل” في برطلة، على بعد 14 كيلومترًا شرق الموصل، وطالبت المنظمة الدولية، الحكومة العراقية بعدم معاقبة أسر بأكملها بسبب أفعال أقاربها.

وارتكب التنظيم خلال فترة سيطرته على الموصل، جرائم متعددة بحق السكان، إذ نفذ اعدامات ميدانية بحق الضباط والموظفين الحكومين، كما قتل عمدًا المئات من الأهالي أثناء عمليات النزوح في صيف 2017.

اما في الانبار وتحديدًا في جنوب الفلوجة، فان من تبقى من عوائل التنظيم في المخيمات هناك 4500 عائلة فقط، من أصل 40 ألف كانت موجودة في المخيم بين عوائل التنظيم وعوائل نازحة اعتيادية.

وتتهم هذه العوائل بحسب مسؤولين بانها اصبحت تدير “تجارة المخدرات”، فيما كانت العشائر في الرمادي، مركز محافظة الانبار، قد اتفقت قبل عامين من التحرير، على عدم استقبال ذوي التنظيم مرة أخرى في مدينتهم.

وفي 2015 قام مجلس عشائر في الانبار بوضع قوائم تضم مئات الأسماء عن شخصيات متورطة وداعمة للمسلحين في المحافظة.

وفي الحويجة يقول أحمد خورشيد، قيادي في حشد الحويجة، جنوب غرب كركوك لـ(المدى) ان “نحو 3 آلاف اسرة قد تم إجلاؤها من الحويجة، لأنهم من ذوي التنظيم”، مشيرا الى ان اغلب السكان يرفضون عودتهم.

ومنذ تحرير الحويجة، في تشرين الاول 2017، والهجمات المسلحة لم تنقطع، حيث يستغل المسلحون اتساع المنطقة ووجود المستنقعات للاختباء.

مخيم الهول

الى ذلك يقول كريم النوري، وكيل وزير الهجرة، ان الوزارة لديها نية لنقل “عوائل داعش في مخيم الهول في منطقة الحسكة السورية الى مخيم العملة في زمار، شمال الموصل”.

وقال وكيل الهجرة في تصريح للوكالة العراقية الرسمية، إن عدد العراقيين في الهول “يصل الى 31 الف، بينهم 12 امرأة، و6 آلاف رجل، و13 الف طفل”.

ويرفض سكان نينوى استقبال تلك العوائل. وقال شيروان الدوبرداني النائب عن المحافظة لـ(المدى) بان نواب نينوى قدموا منذ بداية 2020 “اعتراضا الى رئيس البرلمان وقيادة العمليات المشتركة، نيابة عن السكان، على استقبال تلك الأسر”.

المصدر