واشنطن تعود إلى تكتيك قديم وتعاقب فصائل مسلحة رداً على هجماتها

بغداد/ تميم الحسن

مازالت اغلب الفصائل المسلحة في العراق تحت الانذار (ج)- كما تشير في المصطلحات العسكرية- منذ قصف السفارة الأميركية في بغداد منتصف الاسبوع الحالي، على الرغم من ان واشنطن اختارت ان تواجههم في سوريا.

واستهدفت طائرات مسيرة اميركية، فجر الجمعة، مباني قرب الحدود العراقية –السورية، قالت واشنطن انها تابعة لـ”مليشيات” منها “كتائب حزب الله”.

وعادت الولايات المتحدة الى اسلوب “معاقبة” بعض الفصائل المقربة من ايران، الذي كانت قد لجأت اليه بين عامي 2017 الى منتصف 2018، قبل ان يتسرب خبر نقل صواريخ “بالستية” من طهران الى بغداد، لتتحول عمليات القصف الى الداخل.

وبحسب مصادر (المدى) في القائم القريبة من الحدود الغربية، فان “اصوات انفجارات سمعت بعد ساعتين من منتصف ليلة الخميس على الجمعة على الجانب السوري في وقت كانت اغلب الفصائل في الانبار قد غيرت موقعها من ايام”.

وزادت فصائل مسلحة من استعداداتها بعد 24 ساعة من استهداف السفارة الاميركية في بغداد يوم الاثنين الماضي، خوفا من رد فعل واشنطن على تلك الهجمات وقصف معسكرها قبل نحو اسبوع في اربيل بعدة صواريخ.

ويقول المصدر في الانبار ان “اقصى حالات الانذار دخلت فيها بعض الفصائل القريبة من الحدود مع سوريا”، بينما توقع المصدر ان تتم مهاجمة قاعدة عين الاسد، غربي الانبار، ردا على هجمات سوريا.

وكانت بعض الفصائل ضمن اجراءاتها الاحترازية قد نشرت صواريخ قريبة من القاعدة التي تضم قوات اميركية.

ووجه الرئيس الأمريكي جو بايدن الخميس الماضي، بشن ضربات جوية في شرقي سوريا استهدفت منشآت تابعة لجماعات مدعومة من إيران حسبما ذكرت وزارة الدفاع الاميركية، في رد محكوم على هجمات صاروخية على أهداف أميركية بالعراق.

وجاء الهجوم بعد يومين من اتصال هو الاول من نوعه مع رئيس وزراء عربي يجريه بايدن منذ تسلمه السلطة في كانون الثاني الماضي، حيث ناقش مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الهجمات الصاروخية التي استهدفت خلال الأسبوع الجاري سفارة الولايات المتحدة في بغداد، وأكدا ضرورة “محاسبة المسؤولين” عنها.

وأشار البيت الأبيض في بيان يوم الثلاثاء، إلى أن “الرئيس (بايدن) أكد دعم الولايات المتحدة لسيادة العراق واستقلاله وأشاد بقيادة رئيس الوزراء”.

وأوضح البيت الأبيض أن بايدن والكاظمي “ناقشا الهجمات الصاروخية الأخيرة ضد أفراد القوات العراقية وقوات التحالف واتفقا على ضرورة محاسبة المسؤولين عن مثل هذه الهجمات بالكامل”.

وأضاف البيان أنهما “ناقشا أيضا أهمية دفع الحوار الستراتيجي قدما وتوسيع التعاون الثنائي في قضايا كبرى أخرى”. وتعهد الكاظمي في اكثر من مرة بمحاسبة الفاعلين. وقال الثلاثاء في جلسة لمجلس الوزراء ان “أرض العراق لن تكون ساحة لتصفية الحسابات… أجهزتنا الأمنية ستصل إلى الجناة وسيتم عرضهم أمام الرأي العام”.

ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها حتى الآن عن هجوم السفارة الاخير، فيما حذّرت الولايات المتحدة، إيران من أنّها ستحمّلها “المسؤولية” عن أفعال أتباعها في العراق، لكنّها أكدت في الوقت نفسه أنّها لن تسعى لتصعيد النزاع حتى “لا يصبّ في مصلحة إيران”.

وقالت حسابات تابعة لفصائل مسلحة في العراق، ان خسائر القصف الامريكي على بلدة البو كمال الحدودية مع العراق، بلغت قتيلا واحدا وهو راهي سلام، الذي يعتقد بانه تابع الى كتائب حزب الله.

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، قد قال امس، بان الهجوم الامريكي دمر ثلاث شاحنات ذخيرة قادمة من العراق إلى نقطة حدودية غير شرعية جنوبي مدينة البوكمال السورية.

واضاف المرصد السوري في تصريحات صحفية، إنه “رصد بعد منتصف ليل الخميس الجمعة استهدافاً جوياً جديداً طال الميليشيات الموالية لإيران في منطقة غربي الفرات، حيث قام طيران حربي تابع للقوات الأمريكية باستهداف شحنة أسلحة للميلشيات الموالية لإيران من الجنسية العراقية لحظة دخولها إلى سوريا قادمة من العراق عبر معبر غير شرعي جنوب مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي”.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة (فرانس برس): “هناك عدد كبير من القتلى. قُتل ما لا يقل عن 17 مقاتلاً وفقاً لتقدير أولي جميعهم من أعضاء الحشد الشعبي”.

وتنفي بغداد وجود “حشد شعبي” خارج الحدود العراقية، فيما تطلق بعض الفصائل على تلك الجماعات بـ”المقاومة”.

وفي 2015، كانت القوات التي نقلت عبر الخطوط الجوية العراقية الى سوريا –بحسب تسريبات- قد وصلت الى نحو 4 آلاف مقاتل، اغلبهم تابعون لكتائب حزب الله، سيد الشهداء، والنجباء، وهم اكبر الفصائل داخل الحشد الشعبي في العراق.

ووصف المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي في بيان، امس، عملية القصف هذه بـ”الدفاعية”، موضحاً أن الضربات دمرت “بنى تحتية عديدة تقع في نقطة حدودية تستخدمها ميليشيات مدعومة من إيران وخصوصاً كتائب حزب الله”.

وقال كيربي إن “الضربات سُمح بها رداً على الهجمات الأخيرة على الطاقم الأمريكي وقوات التحالف في العراق والتهديدات المستمرة ضد هؤلاء”.

وهذه المرة الثانية التي تعترف فيها واشنطن بقصف الفصائل في العراق، بعد ضرب كتائب حزب الله في القائم نهاية 2019، والتي تسببت بعد ذلك بتظاهرات كبيرة لموالين لتلك الجماعات وانتهت باقتحام السفارة الامريكية في بغداد.

وكان متوقعا –بحسب سياسيين- ان يؤجل الرئيس الامريكي الجديد مواجهة تلك الفصائل في داخل العراق، حيث تعد واشنطن لخريطة طريق لمعاقبة الجماعات المسلحة بالتعاون مع قوات “الناتو” التي تستعد لزيادة قواتها الى 8 اضعاف في العراق.

وكانت طائرات، يتوقع انها امريكية، قد قصفت في 2017 ومنتصف 2018 مواقع لفصيل سيد الشهداء، وكتائب حزب الله قرب منفذي البو كمال والوليد الرابطين بين العراق وسوريا.

لكن في النصف الثاني من 2018، تأكد – بحسب تقارير غربية- خزن الفصائل لصواريخ بالستية ايرانية داخل معسكرات في بغداد وصلاح الدين، وبدأت حينها هجمات مستمرة داخل العراق ضد تلك المعسكرات، ووصل عدد الهجمات الى نحو 20 هجوما.

وتوقعت مصادر سياسية ان القصف الامريكي الاخير، هو “تحذيري”، قبل ان تتحول المواجهة الى الداخل، فيما جنبت واشنطن بتلك الهجمة، العراق أي تصعيد لتلك الفصائل في الداخل.

المصدر