من المسؤول عن تقلص الحصة التموينيَّة ؟

زهير كاظم عبود

شكلت مفردة الحصة التموينيَّة للمواطن العراقي عوناً لمواجهة الأوضاع الاقتصادية الحرجة التي تمرُّ بها البلاد والعباد، واعتمدت الغالبية من طبقات العراقيين الفقيرة في تدبير أمورها المعيشيَّة على مفردات هذه الحصة التي كانت متنوعة ومنصفة وتستر الحال.

ونتذكر جميعاً أنَّ أصل هذه الحصة التي لجأت إليها الحكومات المتعاقبة بسبب فرض العقوبات الدوليَّة على العراق بعد احتلاله لدولة الكويت في آب 1991، إذ قررت الأمم المتحدة فرض حصارٍ قاسٍ وشاملٍ على الشعب العراقي لم يؤثر قطعاً في السلطة الحاكمة حينها، وبناءً على هذا الحصار تعرض الشعب العراقي الى حالة من شح وانعدام الغذاء والدواء، بالنظر لتوقف أو عرقلة عمليات بيع النفط العراقي، وهو المصدر الأساس للميزانيَّة العراقية، وإيراداته تشكل المصدر الأول في عمليات استيراد المواد الغذائيَّة والأدويَّة والسلع وحركة الاقتصاد والسوق، ما أثر في واقع الحياة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة للعراقيين وخصوصاً شريحة الفقراء، ونتيجة لمعاناة الناس بادرت اللجان المختصة في المنظمة الدوليَّة الى طرح مشروع تصدير النفط العراقي بإشراف الأمم المتحدة مقابل استيراد السلع الغذائيَّة والأدوية المسموح بها وذلك في العام 1995.

بقي هذا البرنامج يمد المواطن العراقي بالمواد الغذائية الأساسيَّة وبأسعار رمزيَّة فرضتها الحكومة، كانت معيناً للمواطن العراقي وخصوصا ذوي الدخل المحدود والفقراء، واستمرت عملية توزيع المواد الغذائية بين المواطنين بموجب نظام البطاقة التموينية، وبعد نهاية النظام الدكتاتوري في نيسان 2003 أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أنَّ الحصة التموينية التي كانت مُتبعة أيام النظام السابق نتيجة العقوبات الاقتصادية سوف يُعاد العمل بها بعد انقطاع لما يزيد على الشهرين بسبب الحرب، وبعد العام 2003 تراجع نظام الحصة التموينيَّة تدريجياً، فخسر المواطن مفردات عديدة غابت عن التموينية، فصلاً عن حالة عدم الانتظام وعدم الانسيابيَّة في مواعيد التوزيع، رافق ذلك إلزام المواطن بتسلم سلعٍ غذائيَّة رديئة أو تالفة، وأحيانا غير صالحة للاستهلاك، واقترنت الحصة التموينية بالارتباك وعدم وجود تبريرات لحجبها فترات غير قصيرة.

ومع ظهور حالات الفساد، ازدادت أعداد الفقراء والمحرومين في المجتمع العراقي، كما ازدادت أعداد العاطلين عن العمل، وتوسعت عمليات استيراد المواد الغذائية والدواء، إلا أنَّ ما يصل الى المواطن يكاد يكون ضئيلاً لا يسد رمق الأسر الفقيرة ولا تضمها رزمة الحصة التموينية، ومع التوسع في عمليات تصدير النفط بعد أنْ رفعت الأمم المتحدة أحكام العقوبات المفروضة على العراق، وازدياد صادرات النفط مع ارتفاع أسعاره في تلك الفترة، لم يلمس المواطن تبريراً مقنعاً لإيقاف توزيع تلك الحصة التموينية أو التلكؤ بمفردات ووقت التوزيع، ووصل الأمر أن تطرح الحكومة مشروعاً تبدل فيه نظام الحصة التموينيَّة بنظام التعويضات النقدي للمواطن كبديلٍ عن القيمة النقديَّة لشراء الطعام، مع ما يجتاح السوق من ارتفاع بأسعار المواد الغذائيَّة

الضروريَّة.

ومع طرح هذا المشروع الذي واجهه العراقيون بالرفض والغضب وعدم الاهتمام، بادرت الحكومة الى طرحه كمشروع قانون، بقي العراقيون ينتظرون قوانين وقرارات تعينهم وتنصفهم لمواجهة أعباء الحياة مع تفشي البطالة وتوقف المشاريع.

مثلما رافق كل هذه الأمور ارتفاعٌ تدريجيٌّ في أسعار المواد الغذائيَّة والأدويَّة، وتردي الخدمات بشكل عام، ومع توفر اغلب السلع الغذائية في السوق العراقية من قبل تجار القطاع الخاص، يشير ذلك الى عدم قدرة وزارة التجارة على التنافس مع التجار الذين بدؤوا يفرضون أسعارهم العالية على المواطن من دون رادعٍ أو رقيب.

فإذا كانت البطاقة التموينية ضماناً للفقراء من أبناء العراق فإنها بالتأكيد تحتاج الى نظام عملي وعلمي يضمن ديمومة واستمرار استيراد المواد الضروريَّة وإيصالها الى المواطن العراقي، وفق برنامج يضمن جودة نوعيتها وتنافسها مع السلع البديلة، مع التصدي لحالات الفساد وفق الصيغ القانونية الفاعلة والمشددة بوصفها تشكل جناية تستهدف الشعب في ظل أوضاع اقتصادية حرجة، والإفادة من تجربة الأمم المتحدة في الإشراف على البرنامج المذكور ونجاحه.

ومن الجدير بالذكر أنَّ مهمة توزيع الغذاء بين الفقراء والمحرومين من بين أولويات مهمة الحكومة، والتي لا يمكن التنصل عنها لأي سببٍ كان، كما أنَّ المساهمة في استقرار السوق وثبات أسعار السلع الغذائية مهمة وطنيَّة يتضمنها البرنامج الحكومي، وفي بلدٍ تصل ميزانيته وإيراداته الى مبالغ تشبه الخيال، لا يعقل أنْ يبحث أبناؤه عن موادَّ غذائية تعينهم على قساوة العيش وظروف الحياة، كما أنَّ نظاماً بديلاً لا يمكن أنْ يكون ثابتاً مع تغير أسعار السوق وارتفاع أسعار العملة الأجنبية مقابل الدينار.

إنَّ إعادة النظر في قضية توزيع المواد الغذائية للمواطن العراقي من قبل لجان مختصة أضحت مطلباً ملحاً، يستوجب أنْ تقوم الحكومة بدورها الفاعل والدستوري في العمل على أسس اقتصاديَّة حديثة بما يضمن كرامة المواطن ويشجع القطاع الخاص وتنميته.

الحصة التموينيَّة ضرورة تواجه به طبقة الفقراء غلاء وجشع تجار المواد الغذائية، ونظام البطاقة التموينية يوفر للمواطن حاجاته الأساسية بأسعار رمزية لا يمكن أنْ يعوضها البديل المالي، كما أنَّ نسبة الفقر قد زادت في المجتمع العراقي، فضلا عن ازدياد ملحوظ في نسبة البطالة.

علينا أنْ نفكر بصوتٍ عالٍ بأّنَّ تلك الحصة التموينية التي ساعدت أسراً كثيرة وطبقة واسعة من الفقراء في ضمان لقمة العيش، أسهمت في سد رمقهم وأشبعتهم بكرامة، وأنَّ توقفها بأي شكل من الأشكال لا يخدم العراق ومستقبله ولا يوفر ضمانة اجتماعية أو صحيَّة ولا مقومات العيش الاساسية التي أوجبها الدستور، ويتطلب الأمر سؤال مجلس النواب في معرفة أسباب تردي حصة العراقيين من الغذاء؟ وأن نتساءل لماذا صار حال البطاقة التموينيَّة الى ما صار إليه اليوم؟.

لا تستهينوا بمطالبات الفقراء لأنهم القاعدة العريضة التي تحتاج للدعم والمساندة، كونوا حريصين على تأمين قوتهم، وكونوا ايضا صادقين في تشخيص الخلل والوقوف ضد كل محاولات المماطلة أو التسويف في مجال البطاقة التموينية للناس.

المصدر