بغداد- واع ـ فاطمة رحمة
قرب نهر العشار كان يجلس وحيداً ،وفي يده لا تزال حقيبة رافقته منذ عقود من الزمن، حقيبة حملت أسرار وذكريات ما كان لأحد أن يعرفها حتى من كان يحملها ويتجول بين أزقة ومدن البصرة، ينظر إلى النهر ،وكأن مخيلته تسرح إلى ذلك الماضي الجميل الذي كان كل شيء فيه يسير ببطء تاركاً في القلوب ذكريات يصعب محوها بمرور الزمن، لتأتي التكنولوجيا الحديثة وتتسارع التطورات العلمية لتنهي الكثير من المهن التي ظلت لسنوات تمثل متنفساً بين الأشخاص ،مهما كبرت المسافات في ما بينهم، ومنها مهنة ساعي البريد. إياد العزاوي آخر ساعي بريد في العراق والبصرة، الذي أحب هذه المهنة لدرجة أن حقيبته ما زالت ترافقه أينما ذهب ،ولم يستسلم للتكنولوجيا الحديثة ،وظل مواكباً على مهنته التي اندثرت بعد أن ظهرت التطبيقات والبريد الالكتروني. وكالة الأنباء العراقية (واع) أجرت حواراً مع العزاوي الذي يصف نفسه بأنه آخر ساعي بريد في العالم حيث قال :" كنت أتلقى البريد من المحطة إلى مكتب العشار في البصرة، لكن الآن صار يأتي بسيارة خاصة من بغداد مرة في الشهر، بشكل مؤقت حاليا؛ جراء جائحة كورونا والأحداث العامة" مضيفاً: "أنا ساعي البريد الأوحد في العراق.. وربما آخر ساعي بريد في العالم كله". وتابع: "عملت في أقسى حر الصيف وبرد الشتاء.. تحت أشعة الشمس اللاهبة والأمطار ،وفي الحروب والتظاهرات والوباء ومصاعب الحياة، أكثر من ثمانية آلاف يوم قضيتها في المهنة، بين العمل في البريد وتوزيع الرسائل.. أصول وأجول على دراجتي المتواضعة التي وقفت معي لتساندني في لحظات الزمن الجميل ،وتحمل أسرار الناس بجعبتي الأمينة، وقيافتي التي أُفصّلها على حسابي الخاص سنوياً؛ أسير في شوارع البصرة من دون أن أجد من يكرمني". وأضاف العزاوي: "لا مستقبل لمهنة ساعي البريد، في ظل تطور التكنولوجيا الحديثة ووسائل الانترنت والايميل والبريد الجوي السريع".المصدر