قراءة في  الكتاب النقدي :  اطياف موشور الرؤيا / مقاربات في تجربة الشاعر محمد سعيد العتيق .

يتميز الشاعر والناقد الدكنور وليد العرفي ’ في اتباع منهجية اسلوبية في التحليل النقدي , تجمع بين الاكاديمية والحداثة النقدية . في مختبر التحليل والتشخيص في فك شفرات النص الشعري , وفق منطلقات محددة , تمثل البوصلة النقدية التي يسير عليها بموضوعية التناول والطرح والتفسير . وكتابه النقدي الذي يتناول تجربة الشاعر محمد سعيد العتيق ومنجزه الشعري , في البحث والدراسة النقدية الرصينة والهادفة , يسلط الضوء الكاشف على هذه التجربة من منابعها وتكوينها وصياغتها ورؤيتها , ومنطلقاتها الرامية وغاياتها الهادفة في أدواتها الشعرية , وما يملك من خزين معجمي ومعرفي , يوظفه في ابداعه الشعري , وما يحمل من سمات مميزة تميزه عن الاخرين من الشعراء . وما يتوخى في منطلقاته الشعرية , وماهي ينابيعه التي يسقي بها بستانه الشعري . هذه المنطلقات الحيوية والهامة , التي تمثل مكونات الشعر , أو العمود الفقري في تجربته ومنجزه الشعري و في التناول والطرح . وقد تضمن الكتاب النقدي سبع محطات , اطلاق عليها الناقد تسكية سبع مباحث او أو سبع أطياف في مقاربات التجربة الشعرية للشاعر . واعتقد انها تمثل مرتكزات الاساسية في عمق التجربة الشعرية , اتسمت منصات التحليل النقدي بعمق التحليل وفق خطة منهجية في مقتنيات النقد الشعري الحديث , الذي هو انسجام وتطابق مبدع بين الدراسة الاكاديمية والتحليل وفق اسلوب الحداثة في التطبيق النقدي . ويتضمن الكتاب النقدي في عمق التناول في المرتكزات السبع , نستعرضها في اختصار شديد . وهي محاولة بارعة في النقد في الغور في اعماق التجربة الشعرية وكشف بؤرها الضوئية . لذلك المسار النقدي , تمثل من الكشف من الفوق الى التحت الى صلب اعماق التجربة , او بمعنى آخر من المداخل الى النهايات في قوام ومكونات التجربة الشعرية وهي :
1 – المبحث الاول : طيف العنونة ودلالاته .
العنوان يحمل قيمة واهمية بالغة الاهمية في القصيدة , واذا كان الاسلوب هو الرجل , فالعنوان هو اسلوب الاسمى في القصيدة , والذي يفرض نفسه بما يحمل من دلالات لغوية وتعبيرية ورؤيا وموقف , في الفكرة الشعرية التي يجسدها الخيال والمخيلة في معطياتهما وتكوينهما , في ترسيخ ضوئية القصيدة. فالعنوان يحمل مفتاح الولوج الى داخل روح القصيدة , في منطلقاتها الايحائية والرمزية , فالعنوان هو النور الذي يسطع في ثناء القصيدة , بما يحمل من رؤية سيمائية ( علم الدلالة والاشارة ) . وبما يملك مكونات اللسانية ( لغوية وبلاغية ) ومكونات مضمونية ( الرؤيا والايحاء والرمز ) . لذلك يعتبر العنوان نصاً موازياً للقصيدة , لانه يحمل محفزات الاثارة والجذب المغناطيسي لدى القارئ . ونكتشف من خلال الاستقراء في التحليل النقدي . بأن الشاعر محمد سعيد العتيق ) يولي اهمية بالغة للعنوان في اختيارته .في ومضة المظهر والمعنى والرؤيا . وعلى سبيل المثال , بأن عناوين قصائده وحتى دواوينه الشعرية , تحمل ومضة الجذب المغناطيسي , وعلى سبيل المثال هذه بعض العناوين في قصائده . شذى الروح . على ضفاف الروح . فجر المساء . من الموت نحيا . يعني بأختصار شديد يدلل بأنه صانع ماهر وبارع في صناعة وخلق العنوان في الحرف الشعري للقصيدة .
2 – المبحث الثاني : أطياف الصورة وحيويتها .
لا تستقيم قامة القصيدة منتصبة , ولا يمكن ان تتسلق على سلم الابداع , إلا من خلال صورتها بعمقها الداخلي والخارجي . في مكامن محسوساتها المعنوية والمادية . في دلالتها ومحفزاتها التي تثير جوانب الاثارة في ذهن القارئ , في مجسداتها الجمالية الفارزة . في مجسداتها اللغوية وتوظيف منصات علم البديع في ( التشبيه والاستعارة والمجاز ) , لكي تستكمل جزئيات الصورة الى الحالة الكلية او الصورة الكلية , ووفق مقولة الجاحظ ( الشعر صناعة وضرب من النسيج وجنس من التصوير ) هذا مفهوم الصورة الشعرية بتكامل كليتها . والتي هي بمثابة المفاتيح الكامنة للولوج الى روح القصيدة . في معطيتها و مكوناتها الحسية والشعورية وهواجسها وارهاصاتها , وبما يسمى بالتكثيف الشعوري في الصورة الشعرية .
3 – المبحث الثالث : أطياف التعالق النصي .
تكمن منصات التعالق في النص ترجع الى مكونات مرجعيته وخلفيتها من الخزين المعرفي من المعجم القاموس الشعري الذي يمتلكه الشاعر . والمكونات المعرفية التي تخلق الاسلوبية في المنهجية الشعرية . لذلك لا يمكن ان تولد المرجعية من الفراغ , بل تحمل خلفها عمق معرفي واسع يستند الى مرتكزات في الرؤيا والتعبير , في قوله تعالى ( ن والقلم وما يسطرون ) اي بما يملك القلم من حصيلة معرفية تكمن خلفه . لذلك ان خلفية الشاعر ( محمد سعيد العتيق ) يملك مرجعية ضاربة في الاعماق . في مجسدات الارث الحضاري والديني والاسطوري والشعبي والشعري , هذا الخزين المعرفي , يدعو الى الزهو والافتخار في قصائده الشعرية , التي تعمق وترسخ الابداع , كما تفاخر المتنبي حين قال ( أنا الذي نظر الاعمى الى أدبي / واسمعت كلماتي من به صمم ) .
4 – المبحث الرابع : أطياف التجليات الصوفية .
براعة الناقد تكمن في اكتشاف منطلقات ومنصات الشاعر المهمة والتي يتحرك من خلالها في انجازه الشعري , والتي تمثل نوازعه الروحية والفكرية وما ينجرف اليها ويحرث في الحرف الشعري من خلال مكامنها. وهذا الاكتشاف يمثل براعة المجهر النقدي في مجسداته الهامة في ضوئية الكشف . ويشير الناقد الى المكامن الصوفية في اطيافها الروحية لدى الشاعر . وهذا يعتبر احدى الوسائل النقدية في الغور في داخل روح الشاعر من خلال قصائده الشعرية . لان القصيدة لا يمكن ان تكون جسداً بدون روح . والنزوع الصوفي مسألة تشكل احدى معالم الشعر العربي , في مختلف المراحل والاجيال . لذلك يضع الناقد بصمته في اكتشاف النزوع الروحي / الصوفي لدى الشاعر . ويذكر الناقد في تحليله ( ولعنا لا نجافي في الحقيقة , أذا قلنا بأن الخطاب الصوفي يطبع الشعر العربي كله بسمة من سماته , على اختلاف صيغة التعبيرية , وتشظي أطياف ألوانه ) ص102 . ويضيف في مسالك الرحلة الصوفية في منجز الشاعر , في علاقة وثيقة ( ولا غرابة أن يجد الشاعر في الصوفية , منابع للطاقة الروحية , التي تمكنه من تجاوز حيز الجسد الضيق , لينفتح على عوالم الروح الفسيحة , التي تحقق له ما يحتاجه من مسافة للتأمل والتبصير والانعتاق من اسر عالمه الجسدي , وهو ما يتجلى في تحليقات المتصوف وتجلياته العلوية التي تترفع عن الحياة الدنيوية , ليعيش دنياها الخاصة )ص101 .
5 – المبحث الخامس : أطياف المتن اللغوي .
يشير الناقد في مجهر تحلياته النقدية لتجربة الشاعر ( محمد سعيد العتيق ) بالقول ( من نافل القول أن نؤكد أن لكل شاعر اسلوبه الخاص , ولغته التي تميزه من غيره , واللغة هي السمة الفارقة بين شاعر وآخر , فهي بمثابة بصمة اليد التي يتمايز بها الافراد , والشاعر في ابداعه القصيدة , إنما يتوخى التعبير عما في داخله , وما يراه من وقائع , يتخذ حيالها مواقف عاطفية تتجلى في سلوك , او تعبيرية تتجلى في الكلام , وبهذا فأنه يسعى الى خلق علاقات , التي تقوم على اساس من الترادف ) ص165 . ويكشف الناقد براعته المتمكنة في الشأن اللغوي والبلاغي من عمق معجمه الواسع , في تجسيدها في حقول متعددة ومتنوعة , ومن اهمها : حقول الوطن . المرأة . الحب . الطبيعة . يسكبها في جمالية خفاقة بالجمال والحياة . والامل يزرعها في حقول الوطن الحبيب .
6 – المبحث السادس : أطياف الاقرباء .
ان الشاعر ليس منفصلاً ومنعزلاً عن محيطه الاجتماعي , وليس انه من يعيش في برج عاجي يترفع بعلاقاته وصلاته عن الاخرين . لذلك نجد الشاعر العتيق , يمتلك علاقات وصلات مرموقة بين محيطه العائلي وبين الناس , بما يخدم المجتمع والحياة الاجتماعية بكل اشكالها .
7 – المبحث السابع : طيف الموقف الشعري :
وهو ما يريد ايصاله في المتن الشعري ورسالته الشعرية وخطابه الشعري , لكي يؤكد على حضوره وموقفه تجاه مجريات الواقع والحياة بالحضور التام . وما يهدف في تفاعله الشعري من مواقف ورؤى وما يحمله من انفاس وتداعيات تراكمية ليصل الى الذروة الابداعية ( يبدو الشاعر محمد سعيد العتيق , شاعر غير منحاز إلا الى لغة الجمال, فهو ليس مع تيار بعينه , أنه مع الكلمة الجميلة , والصورة الموحية والاسلوب التعبيري , الذي يرتقي بالكلمة الى مصاف الفن والشعرية ) ص268 . , لكنه ملتزم بالقيم الجمالية للمجتمع والوطن , ومنحاز بقوة الى حياض الوطن , في الاسانيد الوطنية الجميلة في عطائها المثمر ( وفي هذا التأكيد على الطاقة الكامنة في ذات الشاعر , والقدرة التي يمتلكه فكراً وابداعاً , ويرى نفسه في أتون المخاض الشعري , يعيش حالة القلق الوجودي ) و ( فالشاعر يحدد معيار الجمال في الشعر , هو الالتزام بالقيم ) ص269 .
× الكتاب : أطياف موشور الرؤيا / مقاربات في تجربة الشاعر الدكتور محمد سعيد العتيق
× المؤلف : الدكتور وليد العرفي
× الطبعة الاولى : عام 2020
× الطبع : دار العتيق للثقافة والفكر . دمشق / سورية . المرزة
× عدد الصفحات : 291 صفحة
جمعة عبداللهالمصدر