على النخب الوطنية التصدي للسياسة الانتحارية العراقية

على النخب الوطنية التصدي للسياسة الانتحارية العراقية
لا يخفى على اي متابع لما يجري للعراق بان سياسي الاحتلال العراقيين يسيرون به الى الهاوية وفق سياستهم الانتحارية الفوضوية. فهي لا تعرف الحدود لوضع العراق في مزيد من التخلف والانحدار في جميع المجالات. فبعد ان ضيعوا بصورة متعمدة هويته ثم عملوا على تمزيق اطيافه الاجتماعية فهدموا بنيته الاقتصادية. لقد استشرى الفساد وتفشى في جميع قطاعاته. دون نسيان الانهيار غير المسبوق في منظومته الصحية والتعليمية.
لقد ادرك بعض المخلصين قبل احتلال العراق بان حديث رامسفيلد مع عبدالعزيز الحكيم بان العراق سيكون مثل المانيا او اليابان هي مجرد اكاذيب لذر الرماد في العيون وتسويق غزو امريكا. بعد ان وقع الفاس بالراس ودخلت جيوش الغزو الامريكي بغداد اكمل بريمر المهمة لتمزيق اللحمة الوطنية. فقد ركز على شحن اذناب الاحتلال الطائفيين بالحقد والكراهية لاهل السنة ويذكرهم بضرورة مساندة جيش الاحتلال والتعاون لمقاتلة وضرب المقاومة الوطنية التي اربكت الاحتلال. كان يذكر اولئك القادة الشيعة بان لا يرتكبوا نفس الخطا الذي ارتكبه اجدادهم قبل ثمانية عقود مع بريطانيا عندما ثاروا عليها في ثورة العشرين. فابعدتهم عن الحكم وسلمته للسنة حسب زعمه.
هذه المقاربة فعلت فعلها فانبرى اقطاب الاحتلال القادمين وراء الدبابة الاميركية الى الدعوة لبناء البيت الشيعي. فتمكنوا مع بريمر لاقناع الكثير من علماء الدين بضرورة نصرة المذهب بالموافقة على الدستور الطائفي. هذا الدستور جعل ازلام امريكا من القادة الاكراد والشيعة مهيمنين على القرار السياسي فقتلت الطائفية والعنصرية روح المواطنة. خرج العراق نتيجة لذلك من محيطه العربي الاسلامي ليدخل في محاولات محمومة لتاسيس عراق المذهب الواحد كبديل لعراق الحزب الواحد سابقا. بان عراق اليوم لا هوية له ولا يعرف احد هل هو عربي ام ايراني ام امريكي ام كردي ام شيعي ام سني.
كان خروج العراق من البند السابع للامم المتحدة بعد احتلاله فرصة لاصلاح ما مضى. كبناء بنية تحتية قوية لتشييد وتخطيط مدنه واصلاح زراعي واسع لاراضيه وتصنيع زراعي وخدمي وتحويلي لمصانعه
لقد كانت الفرصة متاحة بعد طفرة زيادة اسعار النفط ودخلت مئات المليارات من الدولارات الخزينة العراقية. لكن فساد حكم الجعفري والمالكي وسرقاتهم لخزينة الدولة وتبديدهم الاموال لخدمة مشروعهم الطائفي قد فوت على العراق فرصة ذهبية لنهوض اقتصادي على جميع الصعد.
اليوم يسير بلدنا نحو سياسات مالية اعتباطية غير مدروسة ادت الى هبوط قيمة عملتنا الوطنية. ان الخبراء في هذا الشأن يحذرون من تمادي هؤلاء الجهلة غير المهنيين في هذا القطاع. من مغبة الاستمرار في سياسة الترقيع من قطاع الى اخر وبالتالي الهروب الى الاقتراض من صندوق النقد الدولي. نعلم عبر التاريخ بان سياسة الاقتراض من الدول الاجنبية هي التي اجبرت خديوي مصر القبول باحتلال قناة السويس. فهل يدرك الجهلة الذين بيدهم هذا الملف العواقب الخطيرة لتلك السياسة على بلدهم.
هناك ايضا سياسة تدميرية لقطاع التعليم التي تقتل مستقبل الوطن فغير المتخصصين لا يمكن ان يقودوا البلد الى بر الامان. السياسة الفوضوية في برامج التعليم لا تواكب المتغيرات العالمية. ان ارباك المدارس والكليات في تغيير بعض البرامج كل شهر تقريبا يؤدي تخلف في المتابعة. لقد استحدثت سياسة تمرير جميع الطلبة الى الصفوف المتقدمة عبر تكرار الامتحانات لادوار متعددة ودفع رشاوى لانجاح اولاد الاغنياء. اضحى المعلم او المدرس او استاذ الجامعة لا يحظى بالاحترام. باختصار اصبح التعليم في العراق متخلفا جدا حتى مع قرنائه المحليين. اضافة الى تزايد المدارس والكليات الخاصة على حساب القطاع العام.
اما القطاع الصحي فهو الاخر يعاني من فوضى لا نظير لها ففي ازمة كورونا تفضل اكثر العوائل البقاء بالبيت حتى لو كان مصاب بذلك الوباء. لان هناك احتمال كبير بشفاءه عن طريق المناعة او بعض الوسائل العلاجية المحلية في حين لو ذهب الى المستشفى فاحتمال وفاته كبيرة ومقلقة جدا لعدم توفر الاحتياطات. لقد تحولت مهنة الطب الى تجارية رخيصة تدر على عامليها اموال طائلة في المستشفيات الخصوصية والمختبرات والعيادات.
لكن هناك مخاطر انكى واخطر تدور في خلد السياسيين الجدد فبعد ان سيطروا على الطيران المدني والنقل العام والمطارات والمواني. سمعنا في الايام الاخيرة بان هناك مخطط لصالح الفاسدين الكبار المهيمنين على السلطة من احتمال شراءهم الاراضي الزراعية الشاسعة باثمان بخسة. عندها سيعود الاقطاع الى العراق باسوء صوره. كذلك فقد بيع ما تبقى من القطاع العام الذي يتعلق بالصناعة النفطية او غيرها.
بطبيعة الحال لا يكفي ان نستغرق كثيرا في تفصيل الداء فاغلب العراقيين يعرفونه ويعايشونه يوميا. فالطبقات المسحوقة والفقيرة تتصاعد اعدادها بصورة مقلقة وهيمنة الطبقة المتطفلة تنذر بعواقب وخيمة على مستقبل الوطن والمواطن. ان تطبيق سياسة فرض الراسمالية المتوحشة الجشعة نذير شؤم وستزيد من ضراوة المآسي الطائفية والتعليمية والصحية.
في نهاية المطاف لا بد ان تكون للنخب الحرة الوطنية الشجاعة من قول الحق للوصول الى علاج لما يعانيه اهلنا ووطنا. لذا فلا بد لتلك القوى من مسلمين مسيحيين صابئة ومن عرب اكراد تركمان ومن شيعة سنة ان يوحدوا صفوفهم لانقاذ البلد الذي يغرق ولن ينقذه غير اهله. لقد شهدنا تجارب سياسية قاسية منذ حوالي قرن من الزمان مرورا بالعهد الملكي فالعهود الجمهورية ثم كارثة الاحتلال. ان محاولة تشبثنا بالتجارب القديمة الفاشلة في عهد الشيوعيين او البعثيين او القوميين او الطائفيين لن يخلص او ينقذ شعبنا مما هو فيه.
ليس لنا حل سوى الجلوس على طاولة حوار شامل تبحث عن حلول تناسب وطننا وتحترم حضارة وعقيدة الاغلبية الساحقة. فتستلهم تجربة الاسلام في عهد رسول الله خلال 23 عاما وما افرزته هذه التجربة من عزة واستقلال وتسامح وعدالة واحترام. فأنشأت اسس لدولة قوية تحترم كل طبقات المجتمع وتضع اسس اجتماعية واخلاقية لبناءها. وتجعل الدين في خدمة الصالح العام. فعلى سبيل المثال قال رسول الله في توفير الحد الادنى لجميع المواطنين اشترك الناس في ثلاث الماء والكلا والنار اي ينبغي توفير هذه المطالب الثلاثة المشرب والمأكل والطاقة. ان تجربة دولة المدينة رائدة ونموذجية فلا تسمح لتهميش اي مواطن فقد قال قائدها من اذى ذميا فقد اذاني.
يجب على العقلاء والاحرار ان يعلموا ان تجربة الاسلاميين المتحزبين الجدد كالدعوة والاخوان والمليشيات وعلماء الدين الولائيين لمذهبهم او لايران او امريكا لا يمثلون الاسلام بل شوهوا بتجربتهم المنحرفة المنافقة اسس الدين. التعرف على الاسلام يتحقق من خلال دراسة تجربة رسول الله العملية الذي اسس دولة المدينة وخدم متطلبات الانسان. لقد كتب وثيقة مدنية بين المسلمين واليهود والنصارى والمشركين كي يشتركوا في تسيير الدولة وفق اسس المواطنة. لقد كانت الاسس المدنية والاجتماعية اهم من العبادات وتجبر المواطن ان يعمل باخلاص ولا يغش بعمله وفق حديث نبوي يقول من غشنا فليس منا. كذلك يتعاون مع غيره وفق حديث نبوي يقول لا يومن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه. رحم الله امرء عمل عملا فاتقنه. كما ان من يبحث عن العلم يسهل الله له طريقا الى الجنة .
الاسلام لا ينادي بتاسيس دولة دينية. لان اغلب ايات القران الكريم واحاديث رسوله تتحدث عن العدالة ومكارم الاخلاق والاستقامة والصدق والوفاء بالمواعيد والعقود والبحث عن العلم واستغلال الوقت في العمل النافع. اي ان القران والسنة تحث العراقي بان بناء دولته على اسس عادلة تقوده الى الفلاح والنجاح في الدنيا وسيفوز ايضا في الحياة الابدية في الاخرة ان تحريك ضمير العراقي لعمل الصالحات من قبل القران واحاديث رسول الله لها وقع اكبر من تحريك عزيمته وفق قول لينين او ماركس او سقراط او عفلق او جمال عبدالناصر. لان نية ذلك العمل ستعتبر عبادة لله. اما الصلاة والصيام وغيرها من العبادات ما هي الا وسيلة تذكره بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر لان رسول الله قال من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فان يزد عن الله الا بعدا.
الدكتور نصيف الجبوري

المصدر