دروس في “القيادة”
بقلم أ.د عبودي جواد حسنعجمان
دولة الامارات العربية المتحدة
تاريخيا كان الرومان عندما ينتصر القائد تقام له مسيرة كبيرة يقف خلفه خلالها احد عبيد القائد وهو يهمس في اذنه قائلا “تذكر يا سيدي إنك من البشر”. وكانت أولى نظريات القيادة هي ان القيادة عادة ما يتولاها رجل عظيم خلقه الله كذلك له من الخصال والأساليب تؤهله للقيام بمهام عمله. وتطورت نظريات القيادة بمرور الزمن فمنها من استند على وجوب امتلاك القائد مهارات التواصل والذكاء العاطفي وخاصة مهارة الاستماع والاشراف والتشارك مع الاخرين في سير العمل ومنها من ارجع نجاح القيادة الى انفتاح القائد وعدم انعزاله عن الاخرين وعن مجريات الأمور ومنها حسن الإدارة.
ومن مستلزمات القيادة تجنب الفخاخ والعمل بروية لإنجاز المهمة وتذكر وقائع التاريخ ان القيادة الألمانية قبل الحرب العالمية الأولى طلبت من هيئة الأركان اعداد خطة لاحتلال فرنسا وتم اعداد الخطة بشكل جيد حيث توجب على الجيوش الألمانية احتلال بلجيكا قبل انجاز احتلال فرنسا مما أدى الى دخول بريطانيا الحرب وفي النهاية هزيمة المانيا.
ومن المستلزمات الأخرى عدم الاعتقاد بمعصومية القائد ومن الأمثلة على ذلك اعتقاد نابليون بعد حربه العبثية في اسبانيا بمعصوميته من الخطأ وبعدم هزيمة جيشه فوجه قواته الى روسيا للقضاء على القيصر وكانت النتيجة النهائية الهزيمة والاندحار وكذلك فعل هتلر عندما وجه جيوشه الى روسيا حيث كانت جيوشه تواجه مصاعب جمة ولكنه أصر على مواصلة القتال برغم من نصائح مستشاريه وكانت النتائج كارثية بالنسبة الى ألمانيا
وعلى العكس من ذلك كان اتاتورك أبو تركيا الحديثة كان قائد محنك فقد اوعز الى السلطات التنفيذية عدم اطاعة أوامره المسائية لأنه كان يسرف في الشراب ويدرك انه غير معصوم من الخطأ فكانت أوامره المسائية لا تنفذ بأمر منه.
كل منا يتولى القيادة في العديد من النشاطات والممارسات اليومية وتكون هذه القيادة لفترات متباينة ولأشياء مختلفة ولأعداد من الأشخاص من اجل تحقيق هدف ما كقيادة السيارة لقضاء امر ما او اصطحاب الأولاد لمراجعة طبيب اسنان او قيادة رب الاسرة لأسرته خلال العطلة الصيفية والتخييم على الشاطئ لمدة أسبوع او أكثر.
القائد في كل هذه الأمور يتحمل مسؤولية تحقيق الهدف المرسوم والاتيان بالنتيجة المتوخاة. والقيادة لا تعني الدكتاتورية وعدم الاخذ باستشارات الاخرين وعدم الاسترشاد بالسوابق الحسنة والناجحة. الاستشارة كما هو معروف تضمن عادة عدم اتخاذ قرارات خاطئة وافضل مثال على ذلك مافعله الرئيس الأمريكي الراحل جون أف كنيدي باختياره مستشارين جنبوه وجنبوا البلاد من مخاطر عديده.
ولا يعني هذا ان تكون شخصية القائد ذائبة في شخصية عضو متنفذ في الجماعة التي يقودها ويصبح القائد في هذه الحال يردد ما يقوله المتنفذ كالببغاء بشكل كوميدي وكما يقال في الإنجليزية ((Yes-man مثير سخرية من يقودهم.
القائد كما يقال هو ليس من يتمتع بكونه قائد يوقع الأوامر التنفيذية على شاشات التلفاز كي يرفع من أسهمه الانتخابية ولكن القائد هو من يقوم بمهام القائد المطلوبة كي يكسب أصوات الناخبين. أي ان يفضل مصلحة من يقودهم على مصلحته الخاصة كي يضرب مثلا في نكران الذات والايثار. ولابد من الإشارة هنا الى ان القيادة في النظم الديمقراطية تعني عدد الأصوات وفي النظم الدكتاتورية تعني المؤسسات العسكرية والأمنية. والإداري الجيد أيضا هو ليس من يحمي ويدافع عن مصلحته فقط بل عليه ان يظهر وبحسن نية دفاعه وحمايته لمن يقودهم او يسير امورهم.
والجدير بالذكر هنا ان كلمة Leadership” ” الإنجليزية لها معنيان أولها القيادة أي تقوم بفعل القيادة والثاني ان تضرب مثلا في القيادة ويقابلها في العربية “القدوة”.