خفض قيمة الدينار العراقي: حيلة الأحزاب لتمويل الحملات الانتخابية؟

خفض قيمة الدينار العراقي: حيلة الأحزاب لتمويل الحملات الانتخابية؟

صلاح حسن بابان

“خسرتُ مقعدي النيابي بعدما نلتُ أكثر من 3000 صوت في انتخابات 2018، لأنّني لم أدفع ثلاثة ملايين دولار لرئيس الكتلة الّتي رشحتُ معه، فحصد الفوز مرشح آخر خاسر بدفعه المبلغ ذاته”.
بهذا “التّعامل الانتهازي” مع المرشحين يُرجح ص.أ (45 سنة)، المرشح سابقاً للمقعد النيابي، أن تُجرى الانتخابات النيابية المقبلة. يقول: “مصدران رئيسيّان لتمويل ميزانيات الأحزاب للانتخابات، الأوّل هو عبر الفساد في الوزارات التي تستولي عليها، والثّاني من الدعم الخارجي، لا سيما الإيراني والسعودي”.

مع تجدد الآمال بإجراء انتخابات برلمانية في 10 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، عاد الحديث عن مصادر تمويل الأحزاب العراقية في الانتخابات البرلمانية بإثارة شكوك حول وجود نقاط أو صلة مشتركة بين انخفاض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي وتحضير الأحزاب العراقية النافذة لتمويل حملاتها الانتخابية، من خلال منافذ عدة، أكثرها حيويّة المصارف الأهليّة، في وقتٍ تشير الإحصاءات الصادرة عن المفوضية العليا المستقلّة للانتخابات إلى تسجيل نحو 300 حزبٍ وتكتلٍ سياسي حتى الآن مشاركتهم في الانتخابات المقبلة مع احتمال أن يصل عدد الأحزاب والتكتلات السياسية إلى ضعف ما كان عليه في انتخابات 2018 والّذي وصل إلى 204 أحزاب وتكتلات.

ساعدت مراوغة الأحزاب السياسية في العراق للقانون الذي ينصّ على وجوب تنظيم عمل الأحزاب والإعلان عن مصادر تمويلها وعدم كشفها للرأي العام والناخب، على أن يكون لها أكثر من مصدر تمويل، بين مصادر داخلية، ترتبط أساساً بعقود الوزارات والمشاريع الاستثمارية التي تحصل عليها الأحزاب عقب مشاركتها في تشكيل الحكومة ضمن المحاصصة السياسية المعمول بها في مرحلة ما بعد 2003، وتحديداً الكتل الكبيرة، وبين مصدر آخر خارجي، حيث ينال مرشحون دعماً مالياً من رعاتهم الإقليميين، خصوصاً السعودية وإيران. في حين يؤكد المرشح ص. أ لـ”درج” أن الخطوة الأولى للسباق الانتخابي بدأت فعلاً بالنسبة إلى الأحزاب الكبيرة عبر توزيع بعض الهدايا الثمينة مثل المسدسات وما شابه، إضافةً الى مواد غذائية وملابس وهدايا متنوّعة مع شراء ذمم بعض الإعلاميين والأدباء والشعراء فضلاً عن رجال الدين.

يرى ص.أ أن الأحزاب السياسية لجأت هذه المرّة إلى حيلةٍ جديدة لتحقيق مكاسب مالية أكبر من خلال تخفيض سعر العملة المحلية ورفع الدولار الذي يحقّق لها أرباحاً طائلة، لا سيما أن معظم الأحزاب تمتلك مصارف أهليّة.

بدأت الحكومة العراقية بالخطوات الأولية لتطبيق بنود الورقة البيضاء التي أطلقتها وسوقت لها كثيراً خلال الأشهر الماضية لدعم اقتصادها برفع سعر الدولار مقابل العملة المحليّة من 1184 ديناراً إلى 1450 ديناراً للدولار بأسعار البيع المعتمدة من وزارة المالية للبنك المركزي، وانعكست هذه الخطوة سلباً على أسعار البضائع والسلع والاحتياجات اليومية للمواطن بنسب لا تقل عن 25 في المئة.

شكوك وأسئلة كثيرة أُثيرت عن احتمال أن تقف الأحزاب النافذة في العراق وراء قرار تخفيض العملة المحلية أمام الدولار بعد انهيار الدينار، للاستفادة منه في سدّ عجز الحكومة التي تشترك فيها وتمكّنها من سداد رواتب موظفيها إضافةً إلى تعزيز ميزانياتها مع اقتراب الانتخابات، لكن حكومة الكاظمي واستكمالاً لفشلها في الملفات السياسية والأمنية والصحيّة، فضلاً عن خوفها من كشف قتلة المتظاهرين كما وعدت قبل وصولها الى رئاسة الوزراء، على رغم أنهم معروفون لديها، تسببت عبر سياساتها النقدية بخسارة الموظفين نحو 25 في المئة من قيمة رواتبهم.

يتفق الكاتب السياسي علي البيدر مع ص.أ حول وجود الكثير من الأحزاب السياسية التي تمتلك بنوكاً أهلية قامت بإقراض الحكومة وهي تعلم بسوء أوضاع البلاد في المرحلة الحالية، ولا تمتلك وسيلة أخرى لاستعادة أموالها مع الفائدة المترتبة على ذلك، والتي وصلت إلى 13 في المئة، وهي تضغط بذلك على الحكومة لإجبارها على القيام بهذه الخطوة، من دون أن تمتلك أي خيار آخر لتدارك الإفلاس والإنفاق على مؤسسات الدولة ورواتب الموظفين والمتقاعدين وشبكة الحماية الاجتماعية التي تشمل 8 ملايين مستفيد.

يصف البيدر خضوع البنك المركزي العراقي وبشكل مباشر للتدخلات السياسية بـ”أكبر الأخطاء وأعظمها” التي ارتكبتها المنظومة السياسية، ويؤكد ضرورة إبعاد هذه المؤسسة المالية عن التدخلات السياسية كونها تمارس مهمة أساسية وهي رسم السياسة النقدية وتنفيذها.

موظف سابق في المفوضية العليا المستقلّة للانتخابات كان من ضمن الكوادر التي أشرفت على عملية الاقتراع عام 2018، يؤكد أن كلفة حملات المرشحين تصل إلى نحو 60 ألف دولار أميركي على الأقل لكلّ منهم، وأحياناً أكثر من مليونين ونصف المليون دولار للقيادات البارزة من الصف الأوّل في الأحزاب النافذة، تُنفق ما نسبته 60 في المئة منها على شراء المساعدات للفئات المعدمة التي تعيش تحت خطّ الفقر، لا سيما في مناطق وسط البلاد وجنوبها والعاصمة بغداد، فيما تتوزع النسب الأخرى على تنظيم مهرجانات وندوات واحتفالات متنوعة ومختلفة لدعم برامج المرشّحين.

لا يختلف اثنان على أن انخفاض الدينار وارتفاع الدولار انعكسا على حياة المواطن البسيط وزادت الضغوط النفسية والاقتصادية عليه وباتت حياته أكثر مرارةً، لا سيما مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وخدمات الكهرباء والماء وضغوط وباء “كورونا” على الوضعين الاجتماعي والاقتصادي.

ترى الصحافية هناء رياض أن الحجّة التي اتكأت عليها الحكومة بإقرار رفع الدولار وتقليص رواتب موظفي الدولة والاقتراض الدولي، بسبب تأثير فايروس “كورونا” في مجمل الأوضاع الاقتصادية في العالم ككل، لم تعد مجدية، فأسعار النفط قد ارتفعت مجدداً وما زال التصدير سارياً، وعلى رغم أنّ السوق تأثرت بالفعل وأدت إلى ركودٍ في الأسواق العالمية، إلا أنّ العراق يعاني مشكلات مركّبة، ومنها مشكلة سوء الإدارة المالية والفساد. وسألت: “كيف يمكن أن نبرئ الحكومة من مسألة افتعال أزمة؟ في حقيقة الأمر، هناك تلاعب وتعمّد لإرباك المواطن، واتباع سياسة العلاج بالصدمة”.

وعمّا إذا كان الكاظمي يتحمّل مسؤول إنهيار العملة المحلية، ترى رياض أن رئيس الحكومة لم يأتِ بترشيح جماهيري بل بتوافقات حزبية، لذا فهو مرهون لتلك الأحزاب.

المصدر