حصر الراتب بيد الدولة

محمد جواد الميالي

يتفق أغلبنا أن تظاهرات 25 تشرين من العام الماضي كانت بوادرها نقية الأهداف، ركب موجها المظلومون والجائعون من أبناء الوطن الحزين، لا يبحثون سوى عن عراق يوفر لهم الخبز والماء، لكن أبت بعض أحزاب السلطة بمليشياتها والأذرع الخفية للأحتلال، إلا أن تكون لها منصات داخل سوح التظاهر، لتتحول بعد مرور سنة واحد لأنطلاقها من لونها الأبيض.. إلى لون باهت ملىء بالشوائب..

من حل بدل عبد المهدي أصبح ينافسه على أن يكون أسوء رئيس وزراء حكم العراق، ووعوده الإقتصادية والأمنية لم تنتج سوى قانونين، أحدهما حصر الراتب بيد الدولة.. ليشغل الشارع العراقي والإعلام بتأخر الصرف، وتكون كواليس الحكومة الجديدة مجرد غطاء لعمليات فساد دولية، آخرها عقد جنرال الكترك بما يقارب الثمانية مليارات دولار، و إيقاف العمل بميناء الفاو لإرضاء أشقائنا في الخليج الإماراتي، وما خفي في دهاليز السلطة كان أعظم!

القانون الآخر الذي شرع بعد كثير من الدماء التي أريقت، هو قانون الإنتخابات الذي تحدد موعده في حزيران من العام المقبل، فلم يتبقى سوى سبعة أشهر تفصلنا عن الموعد المرتقب لهذا العرس الخامس، الذي لا تقل أهميته عن تجربة 2005، حين إنتقلت السلطة من دكتاتورية إلى ديمقراطية، نتيجة التدخل الأمريكي بإزاحة الرئيس الظالم صدام حسين، وهذه الثانية التي ممكن أن تزيح الفساد من أروقة البرلمان بأيدينا، لأن القانون الإنتخابي الجديد الذي أتى نتيجة ضغوط شعبية، سيكون الأمل بإزالتهم، لأنه يعتمد كلياً على مدى وعي الناخبين تجاه الحبر البنفسجي..

إقرار القانون جعل كرة التغيير في منتصف الملعب، ومن ينضم صفوفه سواء من الشعب أو من أحزاب السلطة هو من سيحسم هدف الفوز، لذلك نجد هناك تحركات سريعة على مستوى التيارات السياسية، ذات التأثير في الشارع، فبعضها بدأ من الآن يفتعل المشاكل الطائفية، ليبقى محافظا على جمهوره ذو المشاعر الجياشة تجاه النفس الشيعي أو السني، وهذا ما يقوم به المتشددون من الطرفين الإسلامي الغربي السلفي والجنوب الرافضي، أما البعض الآخر فيعتمد على الطاعة لجماهيره التي لا ترفض حرف وواحداً لقائدها، لذلك نجد جمهور التيار الصدري يمثل أعلى درجات الوعي.. ويمارس حقه الديمقراطي بتحديث بطاقاتهم البايومترية، تحضيراً منهم للإنتخابات التي سيوجههم بها قائدهم، لإنتخاب ما يقرره لهم..

أما جمهور تيار الحكمة، فهو يعتبر من أكثر الجماهير عقلانية وهدوء نسبيا، فلا يطيع ما يفرضه عليه زعيم التيار، لأن غالبيتهم من الطبقة المثقفة، لذلك فأن كل تحركاتهم الإنتخابية تعتمد كلياً على شرح برامجهم وأهدافهم في حال فوزهم في مقاعد البرلمان، وهو يعتبر من الأحزاب المستقطبة للأصوات الإنتخابية، و هذا القانون سيكون بصالحهم جزئيا..

الأحزاب المتبقية لن يكون لها تأثير يذكر على الساحة، لأنها كانت تعتمد على المال السياسي، وسنرى سقوط العديد من المؤسسات الحزبية، وأبرزها حزب الدعوة الإسلامي، الذي لم يستطع أن يبني جمهورا مواليا له على مدى ١٧ عام، سوى أتباع السلطة ومن يصوتون لمن يحكم..

كل تقسيمات الصوت الإنتخابي أعلاه، لا تمثل أكثر من 40% من العدد الكلي للناخبين، والنصف الآخر هو من سيحدث التغيير لو شارك وأدلى بحقه الدستوري، إذا أن كل القوانين الإنتخابية تعتمد على مدى الوعي الحقيقي للشعوب.. ساحات التظاهر كان رهانها أنها أنشأت جيلا واعيا سياسياً واجتماعيا، لذلك ستكون الإنتخابات القادمة هي الفيصل في معرفة مدى صحة تغيير الثورة في عقول الشعب.

المصدر