كاظم حبيب
المساومة السياسية الخاسرة بين الكاظمي والتيار الصدري في وأد الانتفاضة التشرينية ومطالب الشعب
تكشف الأيام خفايا المساومة السياسية غير المعلن عنها والمناهضة لقوى الانتفاضة التشرينية ومطالب الشعب العراقي بين أطرافٍ ثلاثة هي التيار الصدري والكاظمي ومباركتها من جانب المرشد الإيراني خاتمي، وبموافقة البيت الشيعي، رغم الخلافات الداخلية المتفاقمة على الموقع الأول في السلطة السياسية والتصرف في اموال الشعب وضمان النفوذ الواسع والتأثير المباشر على سياسة الدولة لصالح إيران، ورغم كل الادعاءات الكاذبة والمخادعة التي يصرح بها ممثلو هذه الأطراف الثلاثة التي تجلى زيفها ومساومتها في الهجوم الشرس للميليشيات الطائفية المسلحة وقوات المهمات الخاصة على الجماهير الشعبية المحتجة على الاغتيالات والاعتقالات المستمرة لنشطاء الانتفاضة الشبابية التشرينية. ان الإساءات والشتائم التي ينزلها قائد هذا التيار مقتدى الصدر، والناطق باسمه صلاح العراقي تجسد حقيقة هذه المساومة والمؤامرة السياسية، التي لن يكتب لها النجاح، ضد قوى الانتفاضة والسعي بكل السبل المتوفرة في أيديهم لتصفيتها وإنهاء المطالب العادلة والمشروعة التي تدعو لها قوى الانتفاضة وعموم الشعب.
لقد كشفت تلك القوى، التي ادعت وقوقها إلى جانب الشعب وضد الطائفية عن وجهها القبيح والحقيقي، ومعها بقية الميليشيات الولائية التابعة لإيران، إنها في صراعها من أجل السلطة، أكثر عدوانية وأكثر طائفية في عمليات التصدي للمتظاهرين واستخدام السلاح والرصاص الحي والغاز المسيل للدموع والضرب المبرح بالهراوات لمتظاهري ساحة الحبوبي في الناصرية البطلة، فهم وراء الاغتيالات والاعتقالات وتشتيت نشطاء الانتفاضة وملاحقتهم وجعل وجودهم في الناصرية جحيم لا يطاق.
السؤال المباشر الذي يواجه الجميع: هل ستقف قوى الانتفاضة في العاصمة بغداد والمدن الاخرى متفرجة على ذبح واعتقال أبناء وبنات الانتفاضة الشبابية في الناصرية، أم ستنتصر لهم وتنتفض معهم لمواجهة قوى الردة الرجعية والطائفية وإفشال المساومة القذرة ضد مصالح الشعب والوطن بهدف الوصول إلى السلطة وتسلم زمام الأمور ودفع الأمور باتجاه ما يفعله حزب الله اللبناني-الإيراني في لبنان؟ كل المؤشرات تؤكد إن قوى الفاشية السياسية للميليشيات الطائفية المسلحة الولائية، وتلك التي تنكرت لقضايا الشعب والوطن، وكانت قبل ذاك في أغلبها في حزب البعث وقواه الأمنية أو من أنصاره، واصبحت اليوم تحتل مواقع قيادية في التيار الصدري وسائرون وبقية الميليشيات الطائفية المسلحة الولائية، قد رفعت رأسها من جديد لتنحر بقوى الشعب المخلص، بقوى الانتفاضة الباسلة.
لقد أجبرت وقائع يوم أمس في ساحة الحبوبي/ الناصرية، وما اقترن بها من حملة اعتقالات وتوجيه الرصاص الحي ضد المتظاهرين المحتجين على اعتقال نشطاء الانتفاضة والتظاهرات الجديدة، وحدات الجيش الموجودة في الناصرية لحماية المتظاهرين، وهي مازالت في احتفالات الذكرى المئوية لتأسيس الجيش العراقي، أن تتصدى لقوات المهمات الخاصة وقوات مكافحة الشغب التي كانت توجه نيرانها والغاز المسيل للدموع للمتظاهرين وتعتقل مجموعة من النشطاء، مما أدى إلى سقوط قتيل من الشرطة وعشرات الجرحى، وكذلك عدد من المتظاهرين الذين أصيبوا بنيران الشرطة المتورطة والموجهة من الحكومة وميليشيا “سرايا السلام!” وبقية المليشيات الولائية.
إن الحكومة وقوى التيار الصدري وبقية قوى الإسلام السياسي وإيران كلها تواصل زرع الريح في العراق لتحصد العاصفة، تلك العاصفة التي لا بد وأنها ستطيح بهم جميعاً، لأنها تستفز يوماً بعد أخر وأكثر فأكثر جماهير الشعب بكل الاتجاهات، حيث تنكرت حكومة الكاظمي لكل الوعود الأساسية التي قطعتها على نفسها أمام قوى الانتفاضة والشعب، وبالتالي خنثت بوعودها المعسولة في:
** الكشف عن قتلة المتظاهرين وجرح المحتجين واعتقالهم ومحاكمتهم، وإيقاف أساليب الاغتيال والاختطاف والاعتقال والتعذيب من كل القوى التي تمارسه حكومية وحشد شعبي وغير حكومية؛
** التخلص من وجود السلاح المنفلت بأيدي الميليشيات الطائفية المسلحة، ولائية وغير ولائية، وكذلك السلاح الموجود بأي الأفراد والعشائر والجماعات السياسية، وحصره بالقوات المسلحة العراقية النظامية؛
** الكشف عن الفاسدين والمفسدين، لاسيما الكبار منهم ومن يحتل موقعاً في الدولة والأحزاب الحاكمة وفي السلطتين التشريعية والقضاء، واسترداد أموال الشعب المنهوبة، وإيقاف نهب النفط الخام وتهريبه، ومحاكمة كل الذين تسببوا بسرقة وهدر المال العام وجعل خزينة العراق مفلسة وعلى حافة الانهيار الاقتصادي التام؛
** تأمين قانون انتخابات عادل وسليم ومفوضية انتخابات مستقلة عن الأحزاب والقوى الحاكمة، إذ لا يكفي أبداً تحديد موعد مبكر للانتخابات؛
** تأمين الخدمات الأساسية للعائلات الفقيرة والمحرومة وعموم الشعب.
** التعامل بجدية وواقعية مع الجماهير النازحة وتأمين عودتها وتوفير مستلزمات تلك العودة وتعويضها، ومحاسبة ومحاكمة كل المسؤولين الذين تسببوا في حصول ذلك الاجتياح الهمجي واحتلال داعش لثلاث محافظات عراقية ومحاسبة ومحاكمة الذين تسببوا بكل ذلك.
إن حكومة الكاظمي التي دخلت في مساومات سياسية ضد مطالب الشعب لم تتنكر لتلك المطالب فحسب، بل اتخذت إجراءات اقتصادية مؤذية جداً للغالبية العظمى من العائلات العراقية، لاسيما الكادحة والفقيرة والمعوزة، على وفق نموذج ونصائح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووزير المالية الملتزم بحماس بفكر وسياسات وممارسات اللبرالية الجديدة، تلك السياسات التي فشلت في كل مكان ويحاول تطبيقها في العراق وعلى حساب الشعب والاقتصاد الوطني. ومن هنا يعاني الشعب لا من البطالة والفقر والحرمان فحسب، بل ومن ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات مع انخفاض شديد في القوة الشرائية للدينا العراقي والقدرة الشرائية للغالبية العظمى من السكان، لاسيما وأن هناك تقليصاً للرواتب بنسبة عالية وعدم دفعها في أوقاتها، مما يزيد من محنة العائلات العراقية ذات الدخل المحدود والفقيرة والمعدمة في المناطق الكادحة والمهمشة اقتصادياً.
أنكم بهذه السياسية المساومة الفاسدة المناهضة لمصالح ومطالب الشعب ستزيدون من الضغط على الشعب العراقي وقهره اجتماعياً، وخاصة شبيبته المقدامة، مما سيزيد من غضب الشعب وسينفجر بوجوهكم جميعاً ليطيح بكم وبعروشكم المهزوزة ومن يقف معكم. إنكم بهذه السياسيات تزيدون من عملية اصطفاف القوى في العراق بين معسكري الشعب والمناهضين له، وستحسم قوى مهمة موقفها لصالح الشعب وتغير ميزان القوى لصالح الشعب، كما حصل في الناصرية. إنها عملية موضوعية ومنطقية عرفها العراق من قبل حين يصّر الحكام على إهمال الشعب ومطالبه بل والدوس عليه وعلى مصالحه الأساسية وكرامته. أنتم، يا حكام العراق، تدفعون بالشعب كل الشعب ضدكم بسياساتكم الخرقاء والمناهضة لمصالح الشعب ووحدة العرق واستقلاله وسيادته، فتباً لكم من حكام لا يعرفون غير مصالحهم والمساومة على حساب الشعب ومصالحه.