المرجعية أمام مهمة خطيرة

المرجعية أمام مهمة خطيرة

لم يعرف عن المرجعية الدينية في النجف تدخلها في الشأن السياسي الذي ابتعدت عنه بدوافع عقائدية فكرية بحته تحض على عدم التصدي للشان السياسي و عدم الدعوة الى قيام الدولة الدينية الأسلامية كما دعت مرجعية ( قم ) و دعوة ( الخميني ) الصريحة و الواضحة في أقامة الجمهورية الأسلامية و هذا ما حصل في ايران في حين ظلت مرجعية ( النجف ) محافظة على التمسك بمبدأ قيام الدولة الأسلامية بقيادة الأمام المعصوم ( المهدي المنتظر ) و عدا ذلك فأن كل الدول و الحكومات التي تدعي تطبيق مبادئ الشريعة الأسلامية هي على خطأ و في ظلال و هذا أمر عقائدي فكري بحت حيث تنطلق مرجعية النجف و علمائها من المقولة التي تنسب الى الأمام ( جعفر الصادق ) في ان ( كل رآية ترفع قبل رآية امامنا القائم صاحبها طاغوت ) و الرآية هنا بمعنى الدولة او الحكومة .

لكن عدم التدخل في الشؤون السياسية لا يمنع مرجعية النجف من النصدي للشأن الشعبي في الأوقات العصيبة و الأوضاع المضطربة فقط حين لم تتواجد قيادة شعبية موحدة تتمكن من التصدي الحازم و القوي للأوضاع المتأزمة و الحرجة حينها يجب على المرجعية التدخل و حماية الشعب و المجتمع بأصدار الفتوى المناسبة في تلك المرحلة المعينة بما يوطد الأمن و يستتب الأستقرار و يحفظ الدماء و الأرواح و يحمي الأعراض و الممتلكات و كذلك في مقاومة الأحتلال و رد العدوان فكانت الفتوى الشهيرة التي اعقبت الأحتلال البريطاني للعراق و على اثرها اندلعت ( ثورة العشرين ) و التي عمت العراق من اقصاه الى اقصاه و الأخرى فتوى ( الجهاد الكفائي ) حين اجتاح تنظيم ( داعش ) الأجرامي الأراضي العراقية و كاد ان يطيح بالحكومة و يحتل البلد بأكمله .

عقب سقوط النظام السابق و الأحتلال الأمريكي و البلد ( العراق ) لم يشهد استتبابآ او استقرارآ امنيآ ما انعكس سلبآ على الأوضاع الأقتصادية التي ادت الى تدهور الحالة المعيشية للمواطنين و كان للتدخلات الأجنبية الأثر الكبير في تلك الأوضاع المزرية الأمنية و المعاشية و كانت ( ايران ) ذات التأثير السلبي الأكبر في الشأن العراقي بحكم الأحزاب الموالية لها ( العميلة ) و التي استولت على كل مقاليد و مفاصل البلد الأمنية و الأقتصادية من خلال المجاميع و الميليشيات المسلحة و التي استولت على الموانئ و المنافذ الحدودية و حتى على بعض الحقول و المصافي النفطية فأمتلكت من الأموال الطائلة الشيئ الوفير و من السلاح الشيئ الكثير و اصبحت تمتلك جيوشآ عسكرية مسلحة و قنوات اعلامية تلمع صورتها و تكيل المديح المزور لقادتها .

لقد جعلت ( ايران ) و بمساعدة حلفائها ( عملائها ) من العراق ساحة المواجهة و الخندق الأول المتقدم في الصراع مع امريكا و الأيحاء ان هناك احتلالآ امريكيآ في العراق و هذا بعيد عن الحقيقة تمامآ حيث ان وجود بضعة الاف من القوات ألأجنبية لأغراض التدريب و التسليح و التأهيل لا تعتبر قوات احتلال طالما كانت بموافقة الحكومة العراقية الشرعية و يقتصر وجود تلك القوات في القواعد و المعسكرات حصرآ و لا تشاهد في الشوارع و الساحات كحال البلدان و الدول المحتلة و أثارة هذا الأمر هو انتقاص متعمد من مرجعية النجف كونها لم تدعو الى اخراج ( المحتل ) بالمقاومة المسلحة كما تدعي الفصائل الولائية التي تكفلت بهذه المهمة بالأنابة و بالوكالة عن ايران .

مادامت ( ايران ) و فصائلها المسلحة تعبث بالأمن و الأستقرار في العراق و كلما تأزمت علاقات ايران مع امريكا و الغرب و لأسباب عديدة منها البرنامج النووي و تداعياته و ملف حقوق الأنسان و الأعدامات التي تنفذ بالناشطين السلميين و بالمعارضين السياسيين و غير ذلك من الملفات المعقدة و كلما ارادت ايران التخلص من تلك الأزمات كانت رشقات الصواريخ تنهمر على السفارة الأمريكية في بغداد و كذلك على القواعد العسكرية العراقية التي تأوي خبراء و فنيين اجانب مهمتهم التدريب و التسليح و تأهيل طائرات ( اف 16 ) التي تعتبر العدو الأول للتنظيم الأرهابي ( داعش ) و تعطيل عمل الخبراء الأجانب في صيانة هذه الطائرات يعد خدمة عظيمة تحصل عليها ( داعش ) بأتفاق مع مطلقي الصواريخ او من دون اتفاق .

كما كان لفتوى ( الجهاد الكفائي ) الدور البارز و المهم في وقف تمدد ( داعش ) و من ثم الأنقضاض على تلك العصابات الأجرامية و تدميرها و الحاق الهزيمة المنكرة بها حين تخاذل ( الضباط ) المكلفين بحماية المحافظات و المدن العراقية الذين يتحملون المسؤولية كاملة و كذلك القائد العام للقوات المسلحة حينها ( نوري المالكي ) عن ذلك الأنهيار المريع و المخزي فكانت فتوى الجهاد الكفائي جدار الصد المنيع بوجه تلك المجاميع الأرهابية و كما كان لتلك الفتوى الأثر العظيم في حماية العراق ارضآ و شعبآ و مقدسات فأن على المرجعية الدينية في النجف و بما لها من ثقل معنوي كبير و احترام و تقدير في نفوس العراقيين اصدار فتوى تحرم على الفصائل الولائية حمل السلاح و كذلك الدعوة الى منع قصف السفارات و القواعد العسكرية و كذلك دعوة الأحزاب الأسلامية ( الشيعية ) الى وقف نشاطاتها السياسية و التفرغ لأمور الدعوة و الأرشاد الديني حينها تكون المرجعية قد اوفت بألتزاماتها الأخلاقية و الدينية في حماية مكونات الشعب العراقي القومية و الدينية و المذهبية .

حيدر الصراف

المصدر