الكاظمي فـي جولة خليجية قريبة: المراعي تدشن التعاون بين العراق والسعودية بمشروعين فـي الأنبار

بغداد/ محمد صباح

من المؤمل أن يتجه رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي على رأس وفد وزاري كبير إلى كل من السعودية والكويت في منتصف شهر تشرين الثاني الجاري للاتفاق على تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية بين دول مجلس التعاون الخليجي، كذلك لحث شركاتها الكبرى على الدخول إلى مجال الاستثمار في العراق.

هذا ويستعد الجانبان العراقي والسعودي للإعلان خلال الايام القليلة المقبلة عن تحديد موعد لافتتاح منفذ عرعر الحدودي بعد إعادة إعماره من قبل شركة فرنسية قبل أكثر من شهر تقريبا .

ومرت العلاقات بين الدولتين بتوتر وجمود نتيجة لتداعيات غزو العراق للكويت في العام 1990 ما دفع بالجانب السعودي إلى غلق منفذ عرعر الحدودي وخط الأنبوب النفطي العراقي، الذي أنشئ في ثمانينيات القرن الماضي، الذي ينقل الخام العراقي إلى ميناء ينبع السعودي على البحر الأحمر، كما علقت كل العلاقات الدبلوماسية.

وشهدت العلاقات العراقية ــ السعودية، انفراجة بعد تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة السابقة بالتزامن مع تشكل التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الامريكية لمحاربة داعش. ومارست واشنطن ضغوطًا على الرياض للانفتاح على بغداد. وتكللت هذه الجهود بدعوة العراق للمشاركة في مؤتمر عقد في جدة عام 2014، من اجل تنسيق جهود الحرب على الإرهاب.

وكانت (المدى) قد كشفت في العام 2017 أن العراق والسعودية اتفقا على فتح المنفذين الحدوديين، عرعر وجميمة، أمام حركة البضائع والوافدين من كلا البلدين مع حل كل الملفات الخلافية بينهما عبر تأسيس مجلس تنسيقي.

وتكفل الجانب السعودي بفتح منفذ جديد وكبير في منطقة عرعر بعدما أحال موضوع بنائه في شهر نيسان من العام الماضي إلى شركة فرنسية بمبلغ يصل إلى (50) مليون دولار والتي كان من المفترض ان تنتهي من اعمالها في شهر تشرين الاول من العام 2019. ويتحدث رحيم العبودي، عضو الهيئة العامة لتيار الحكمة في تصريح لـ(المدى) بأن “الحقل الأكبر للاستثمار السعودي في العراق سيكون في مجال الزراعة على وجه التحديد عبر استغلال مساحات شاسعة وواسعة من الأراضي الصحراوية والعمل على تحويلها (استصلاحها) إلى أراض زراعية”، مضيفا أن “العمليات الاستصلاحية ستكون في محافظتي الانبار والمثنى الحدوديتين”.

المشروع الاستثماري يأتي ضمن مقررات المجلس التنسيقي المشترك بين العراق والسعودية، ويهدف إلى تطوير وتأهيل الثروات الطبيعية في القطاع الزراعي في تلك المناطق والتي تشمل استصلاح الأراضي الزراعية لتربية الأبقار والماشية والدواجن.

وفي تموز من العام 2017 أعلن رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي عن تشكيل مجلس التنسيق العراقي-السعودي بالقمة التي جمعته مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز في الرياض لوضع خطط تعاون اقتصادية وتجارية وثقافية وتعاون أمني واستخباري بين البلدين.

ويؤكد العبودي أن “الاستثمارات السعودية تهدف إلى إصلاح مليون دونم في باديتي الانبار والمثنى، أي ما يعادل 10% من حجم محافظة الانبار”، كاشفا عن أن “حركة الاستثمارات بدأت في مشروعين صغيرين لصالح شركة المراعي السعودية الأول في قضاء القائم وتحديدا في قرية الرمانة والآخر في قضاء عانة”.

ويضيف أن “المشروعين الصغيرين يهدفان إلى استصلاح الأراضي لزراعة المحاصيل العلفية في تلك المناطق التابعة للقضاءين لتريبة المواشي والأبقار”، لافتا إلى أن “استصلاح هذه الأراضي الممتدة بين الانبار والمثنى يحتاج إلى أيادي عاملة تقدر بـ60 ألف عامل”. وتعد المراعي السعودية التي بدأت نشاطها في العام 1977 واحدة من بين اكبر الشركات الخليجية المتخصصة في منتجات الألبان والمواد الغذائية الاستهلاكية ولديها مزارع في الولايات المتحدة وأوكرانيا والأرجنتين وبولندا.

ويتابع عضو الهيئة العامة لتيار الحكمة أن “تنفيذ هذا المشروع سيمر عبر أربع مراحل الأولى ستكون مخصصة لبناء مقر لشركة المراعي في محافظة الانبار، والثانية استصلاح الأراضي، والثالثة الإنتاج ، والرابعة البيع”. ويلفت إلى أنه “حسب المخططات فان انجاز هذا المشروع الكبير سيكون خلال خمس سنوات”، مؤكدا أن “العمل من قبل شركة المراعي انطلق قبل فترة بمحافظة الانبار في عانة والقائم”. وينوه إلى أن “هناك زيارة متوقعة لرئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي على رأس وفد وزاري كبير إلى السعودية في منتصف الشهر الجاري”، مرجحا أن “تشمل هذه الجولة الكويت للتفاهم على الكثير من الأمور في مقدمتها تبادل المعلومات الاستخباراتية والأمنية بين دول مجلس التعاون الخليج العربي”.

وكان مقررا ان يزور الكاظمي السعودية في شهر تموز الماضي، كأول محطة خارج الحدود بعد توليه المنصب ألا أن الطرفين العراقي والسعودي اتفقا في اللحظات الأخيرة على تأجيل الزيارة بسبب دخول الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى المستشفى.

ويتابع أن “الجولة الخليجية ستركز على بحث أهمية تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية مع دول التعاون الخليجي، والعمل على تشجيع الاستثمار الخليجي في العراق”.

ورفض عدد من القوى الشيعية السماح للشركات السعودية بالاستثمار في الانبار، محذرة الحكومة من السماح للرياض بالاستثمار في مساحات واسعة داخل البلاد، لأسباب قالت إنها تتعلق بالأمن والسيادة والاقتصاد.

من جهته، يعلق فارس الفارس، النائب السابق عن محافظة الانبار على الاستثمار السعودي بالقول إن “هذه الاستثمارات ستؤسس إلى مشاريع زراعية وحيوانية من خلال استغلال المياه الجوفية في الصحراء الغربية”، مضيفا أن “هذه المشاريع ستساعد على تعظيم موارد الدولة وتشغيل الأيادي العاملة”.

ويضيف الفارس في تصريح لـ(المدى) أن “العمل في أراض صحراوية واسعة سيقضي على تواجد تنظيمات داعش في تلك المناطق التي تعد ملاذا آمنا للكثير من الجماعات المتطرفة، فضلا على تطوير العلاقات مع الكثير من الدول”، مؤكدا أن “هناك مردودات ايجابية على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني”.

وعن إمكانية عودة العمل في منفذ عرعر الحدودي يوضح السياسي المستقل عن الانبار أن “هناك ضغوطا سياسية تعرقل افتتاح منفذ عرعر الحدودي مع الجانب السعودي”، داعيا الحكومة إلى “ضرورة الاسراع بالعمل في هذا المنفذ”.

من جانبه، يؤكد عذال عبيد، عضو مجلس محافظة الانبار السابق أن “الشركة الفرنسية أنجزت ترميم منفذ عرعر الحدودي بشكل كامل قبل أكثر من شهر تقريبا وفق تصاميم حديثة”، معتقدا أن “هذا المنفذ من اكبر المنافذ الحدودية العراقية”.

وبحسب المخطط والاتفاقات الموقعة بين العراق والسعودية سيكون هذا المنفذ بمثابة طريق بديل عن الخليج العربي في حال حدوث أي تصادم بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وسيكون طريقا بديلا لنقل البضائع التجارية القادمة من أوروبا إلى آسيا أو بالعكس عن طريق البحر الأحمر.

ويضيف أن “ما نتمناه من الحكومة الإسراع في إعادة افتتاح هذا المنفذ الحدودي الجديد كونه سيكون شريانا تجاريا للعراق في نقل البضائع التجارية”، لافتا إلى أن “العقبات السياسية هي من تعرقل إعادة العمل بهذا المنفذ”.

ومن جهته، يقول باسم جميل انطوان، الخبير الاقتصادي في تصريح لـ(المدى) إن “هناك خطة حكومية تقتضي التوجه نحو دخول الشركات العالمية الكبرى للاستثمار في العراق لتفادي الأزمة المالية الخانقة التي نمر بها، ولإعمار المدن والمحافظات العراقية عبر تذليل الصعاب أمام حركة المستثمرين”.

ويضيف أن “جولة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي الأوروبية الأخيرة تهدف إلى تشجيع دخول الشركات الألمانية والفرنسية والبريطانية إلى العراق”، معتقدا أن “الخارطة الاستثمارية في العراق كبيرة وواسعة وتحتاج إلى تخطيط”.

وكان الكاظمي قد أنهى الأسبوع قبل الماضي زيارة أوروبية شملت كلا من فرنسا والمانيا وبريطانيا أسفرت عن ابرام عدد من الاتفاقيات تمكن الحكومة من سحب قروض يرجح ان تصل إلى (5) مليارات دولار لتأمين الرواتب مقابل ضمان دخول كبرى الشركات الأوروبية في مجال الاستثمار الى العراق.

ويضيف الخبير أنه “في مجال السكن والإعمار نحتاج قرابة ثلاثة ملايين وحدة سكنية، أما في الكهرباء فحاجتنا إلى عشرة آلاف ميكا واط تقريبا، وفي مجال الصناعة نحتاج أكثر من (250) مشروعا صناعيا عملاقا تتطلع الحكومة إلى عرضها للاستثمار، فضلا عن بناء المدارس والمستشفيات والري والزراعة”.

ويرى الخبير في الشأن الاقتصادي أن “تشجيع دخول المستثمرين إلى البيئة العراقية يرتكز على عدة عوامل وأهداف في مقدمتها الابتعاد عن البيروقراطية ومحاربة الرشى والابتزاز والعمل على تشريع القوانين التي تساعد وتشجع على دخول المستثمرين”، مضيفا أن “الشركات الاستثمارية الكبرى تطالب الحكومة بتوفير الأمن واعتماد نظام مصرفي متطور لتسهيل التعاملات المصرفية”.

المصدر