القاسم بن الإمام الحسن (عليهما السلام) قدوة الشباب في كل العصور

ثورة عاشوراء لم تكن حركة مؤقتة أو حركة ذات مطالب محدودة بل كانت حركة مطلقة دائمة لكل الإنسانية في مختلف الأزمنة والمناطق الى ظهور منقذ البشرية الإمام الحجة (عج) الذي ينطلق لأخذ بثارات تلك الثورة التي لم تعرف الإنسانية مثيلاً لها في أهدافها وغاياتها وثوّارها وقادتها وتضحياتها ومن شارك فيها وحمل لواءها ، ثورة كربلاء احتوت جميع فئات المجتمع العمرية فلم تترك فئة إلا وتضمنتها هذه الثورة العظيمة ، حتى تصبح هذه الثورة مثال يقتدى بها من جميع الفئات العمرية في المجتمع والتي يعول عليها في التغيرات الكبرى التي يحتاجها كل مجتمع .

ومن الشخصيات العظيمة التي شاركت في واقعة الطف الأليمة القاسم بن الإمام الحسن (عليه السلام) ، هذا الشاب الذي لم يبلغ الحلم عاش مع أبيه الإمام الحسن عليه السلام ثلاث سنوات وعاش مع عمه الإمام الحسين عليه السلام عشرة سنوات ، وقد أخذ من أخلاق أبيه وعمه عليهما السلام وهم سادة شباب أهل الجنة فضائل الأخلاق والصفات الحميدة من علم وحكمة وشجاعة وكرم وإباء ، حتى أصبحت هذه الشخصية على صغر عمرها مصقولة بالعلم والإيمان والأخلاق الحميدة ويظهر ذلك جلياً من كلماته وأفعاله ومواقفه في يوم عاشوراء ، فهو الذي بادر عمه الإمام الحسين (عليه السلام) بالسؤال في موقف ترتعد منه الأبطال ألأشاوس عندما أخبر الإمام الحسين عليه السلام باستشهاد أصحابه وأخوته وأبناء عمومته من بني هاشم في هذا الموقف الخطير والمرعب يبادر شاب لم يبلغ الحلم (13 سنة) أنا أستشهد معهم ؟؟؟: أي شجاعة وبطولة يمتلكها هذا الفتى الهاشمي ربيب الإمامة والنبوة وسليل سادة شباب أهل الجنة وهذه الكلمات لم تخرج كرد فعل أمام الآخرين أو عفوية لا يعرف معناها بل قالها وهو المُفَكِر في كل كلمة خرجت من فاه : سأل السؤال وأنتظر الجواب بتلهف وترقب وعندما سمع الجواب من عمه الإمام الحسين عليه السلام حتى الطفل الرضيع سوف يقتل ويصلون الى الخيام ، عندها جاء التعجب أيصلون للخيام ؟؟

نلاحظ القاسم عليه السلام أكد على شيئين هما الدفاع عن الإمامة والتضحية في سبيلها حتى الاستشهاد والغيرة على النساء ، وهذا المثال الأروع لشباب كل الأزمنة وخصوصاً زماننا في الاقتداء بهذا الفتى المحمدي الفاطمي العلوي الذي يدور تفكيره في طاعة إمامه وحمايته من جميع الأعداء والغيرة على النساء والعرض والشرف.

وقد أجمع المؤرخون على صولة القاسم بن الإمام الحسن عليهما السلام ومشاركته الفاعلة في ثورة كربلاء وفداءه وتضحيته لعمه الإمام الحسين عليه السلام على الرغم من صغر سنه ولكن شجاعته شجاعة الأبطال الكبار ، عن أبي مخنف عن سليمان بن ابي رشيد عن حميد بن مسلم قال : خرج إلينا غلام كأن وجهه شِقة قمر ، في يده سيف وعليه قميص وإزار ونعلان قد أنقطع شِسع نعله ما أنسى اليسرى فقال عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي والله لأشدن عليه فقلت سبحان الله ما تريد الى ذلك يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد أحتوشوه من كل جانب قال : والله لأشدن عليه فما ولى وجهه حتى ضرب رأس الغلام بالسيف فوقع الغلام لوجهه وصاح : يا عماه قال : فو الله لتجلى الحسين كما يتجلى الصقر ثم شد شدة الليث إذا غضب فضرب عمراً بالسيف فأتقاه بساعده فأطنها من لدُن المرفق ، ثم تنحى عنه وحملت خيل عمر أبن سعد فاستنقذوه من الحسين ، ولما حملت الخيل استقبلته بصدورها وجالت فوطأته فلم يرم حتى مات لعنه الله وأخزاه ، فلما تجلت الغبرة إذا الحسين على رأس الغلام وهو يفحص برجليه وحسين يقول بعداً لقوم قتلوك خصمهم فيك يوم القيامة رسول الله صلى الله عليه واله ثم قال : عز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم لا تنفعك إجابته يوم كثر واتره وقل ناصره ، ثم أحتمله على صدره وكأني أنظر الى رجلي الغلام تخطان في الأرض حتى ألقاه مع أبنه علي بن الحسين ، فسألت عن الغلام فقالوا : هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين ( 1) ، وذكر المؤرخون أن القاسم بن الإمام الحسن عليهما السلام قد قتل في حملته أكثر من خمسة وثلاثين رجلاً من جيش عبيد الله بن زياد ( 2) وفي بعض الروايات قد ذكرت أن القاسم بن الحسن عليهما السلام قد قتل في حملته سبعين رجلاً (3) ، وقد ذكرت الروايات أن القاسم بن الإمام الحسن عليهما السلام عندما أنقطع شسع نعله أهمل الجيش ولم يكترث بهم فوقف ليصلحه ، فمشى يضرب بسيفه فأنقطع شسع نعله اليسرى (4) وأنف أبن النبي الأعظم صلى الله عليه واله وسلم أن يحتفي ( أي يكون حافياً) في الميدان فوقف يشد شسع نعله (5) وهو لا يزن الحرب إلا بمثله (اي بمثل نعله) غير مكترث بالجمع ولا مبالٍ بالألوف :

أهوى يشدُ حذاءهُ والحرب مشرعةٌ لأجلِه

ليسومها ما أن غلت هيجاؤها بشراكِ نعله

متقلداً صمصامه متفيئاً بظلال نصلِه

لا تعجبن لفعله فالفرعُ مرتهن بأصلِه

السحب يخلفها الحيا والليث منظوربشنلِه (للسيد مير علي أبو طبيخ) ( 6)

ومن العلامات الملفتة للنظر والعقل هو وقوف القاسم عليه السلام للقيام بتصليح شسع نعله مباشرة بعد انقطاعه على الرغم من المعركة ولكنه كره أن يفعل المكروه لأن المشي بنعل واحد من المكروهات قال الإمام ابو عبد الله (عليه السلام)( لا تمش في حذاء واحد ، قلت ولم ؟ قال : لأنه إن أصابك مسّ من الشيطان لم يكد يفارقك إلا ما شاء الله )( 7) ، أي في هذا الظرف الخطر الذي نتيجته الموت لم يعمل المكروه سليل النبوة والإمامة فأي علم يحمل واي فقه يحيط ، فإذا كان فعل المكروه لم يفكر في فعله أتكون العصمة عليه بعيدة ؟؟؟ فليفكر أهل العقول الراجحة في الفعل العظيم ، وأما شجاعته فيضرب بها المثل على الرغم من هذا العمر الصغير فأنه يقتل الابطال المدججين بالسلاح والممتلئين بالخبرة والتدريب والتجارب القتالية ولكنهم عندما نزلوا أمام سبط الرسالة المملوء إيماناً وإخلاصاً للولاية والإمامة وطاعةً لله سبحانه وتعالى اصبحوا ضحايا لا يقدرون على فعل شيء إلا التسليم للموت المحتوم ، ولولا انشغال القاسم عليه السلام بتصليح نعله لم يقدروا على قتله بهذه البساطة ولم يكتفي سبط الإمام الحسن عليه السلام بهذا العدد من القتلى ، ولكنه قاتل جيش قد نُزع من جميع القيم الإنسانية والسماوية ولا يعرف هذا الجيش إلا الإجرام وهتك الحرمات والتلذذ بالموبقات ولهذا قتلوا شاباً لم يبلغ الحلم قد اعطى ظهره لجيش العدو ولا يبالي به من أجل أن لا يخطوا خطوات فيها كراهة فغيّر نظره من الجيش وما يحمل من سلاح الى نعله ليصلحه فأي نبل وأخلاق حميدة يتصف بها وأي علم وفقاهة ودراية وإيمان يحمل ، فإن القاسم بن الإمام الحسن عليهما السلام بحق سجل أروع قصص التضحية والبطولة والفداء في ثورة عاشوراء وأصبح الأمثال الاروع والقدوة الأوحد للشباب في جميع العصور والأزمان فسلام عليه يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعث حياً.

(1) مقاتل الطالبين – ابي فرج الأصبهاني ص58(2) بحار الأنوار ج45ص34ص36 ، مقاتل الطالبيين – ابو فرج الأصبهاني ص58(3) مقتل الحسين عليه السلام – ابو مخنف ص124ص126(4) تاريخ الطبري – الطبري ج6ص256 ، مقتل الإمام الحسين عليه السلام – الخوارزمي ج2ص27(5) ذخيرة الدارين – السيد عبد المجيد بن محمد رضا الحسيني الحائري ص152(6) مقتل الإمام الحسين عليه السلام – عبد الرزاق المقرم ص264ص266(7) وسائل الشيعة – الحر العاملي ج5 ص75 باب 44 حديث 5957

خضير العواد

المصدر