الديك.. والكلب.. والأغنام.. والراعي.. والمهمة الإستباقية..!!

حامد شهاب

بين فترة وأخرى يرفدنا الزميل العزيز مهدي صالح دهيوش السلماني (سلمه الله وأعلى شأنه ودام ظله الوارف علينا) ، بقصصه الممتلئة حكما وفضائل من واقعنا العراقي والعربي الجميل، كلها دلالات وعبر ودروس يمكن ان تكون (خارطة طريق) لمن يريد أن يستفيد من تلك الدروس وتلك العبر، حيث يقوم الديك في هذه القصة بمهام الوكالة الاستخبارية في مهمتها الاستباقية في ردع وصد الهجوم المباغت على الأغنام ، قبل ان تبلغ الذئاب هدفها في افتراس الأغنام، حيث كان كلب الراعي نائما ليلا في أغلب الاحيان، ولم يدرك حجم المخاطر التي تهدد أغنامه، ومع هذا راح الراعي الغبي يذبح الديك قربانا لمن خلص حياة غنمه من هجمات الذئاب المفترسة، وهو الذي كان له أكثر من دور رائع في ان يكون دوره ” إستباقيا” في كشف المؤامرات والدسائس التي تقوم بها الذئاب للهجوم على غنمه، وهو من أيقظ الكلب النائم هو الآخر، أكثر من مرة ، لكي يقوم بمهمة النباح ثم يلاحق الذئاب ان إستطاع، عندها تهرب الذئاب من أجل ان تسلم الخراف على حالها من ان تنهشها الذئاب وتفترسها، ومع هذا يكون جزاء الديك الجميل المتيقظ على الدوام من قبل الراعي ، ان يقدم قربانا لوفائه وشيمته وقدرته على انقاذ أغنامه من هلاك حل بها أكثر من مرة.. ويقدم أكلة للعائلة وبعضا من عظامه ولحمه للكلب (المتخاذل) والذي لم يقم بمهامه على الوجه الأكمل في مهمة حراسة الأغنام، حتى فقد الراعي حكمته وصوابه، ولم يعط للديك حقه من الحياة والتقدير والمكانة..الى أن لاحقته لعنة الاقدار أينما توجه..!!

تعالوا مجددا وأقرأوا ما كتبه لنا الزميل مهدي صالح (ابو محمد) في عروض قصصه الرائعة المليئة بالحكم والقيم العربية الاصيلة التي غابت عن زمننا الاغبر اللعين..!!

يحكى أن ذئبا قد أغار على قرية زاخرة بالخراف السمينة ، وعندما أقترب من القرية تنبه اليه الديك وأخذ يصيح ويصيح حتى أستيقظ كلب الراعي الكسول الذي أخذ بالنباح الشديد حتى أستيقظ الراعي مذعورا ، وايقظ زوجته وأولاده وحمل بندقيته وخرج مسرعا الى حضيرة الخراف وأطلق النار على الذئب فولى الذئب هاربا ، ولم يحصل على شيء وراح يجر اذيال الخيبة والخسران ، وعاد الكلب الى مكانه ليكمل نومه وعاد الراعي مزهوا بإنتصاره على الذئب واحتفل هو وعائلته بنجاة الخراف السمان فذبح الديك بهذه المناسبة ، فما كان من الذئب ألا أن أعاد الكرة وهاجم الخراف في اليوم الثاني ، فالديك كان قد أكله أهله في الليلة الماضية ، وكلب الحراسة نائم والراعي نائم هو الاخر ، بعد ان ملأ بطنه بلحم الديك. حتى وجد الذئب أن الطريق ممهد له وسالك إلى حضيرة الخراف فإفترسها عن بكرة أبيها…!!

ما أكثر ما يواجهنا من هجمات على هذه الشاكلة ويذبح الكثيرون منا كل يوم، بعد أن إختفت الديكة ونامت الكلاب، وبقي الراعي يغط في نوم عميق مع زوجته، ليكون بمقدوره انجاب ما يمكن من انجاب ، وهو الذي لم تستفد عائلته من لحم غنامه ، في يوم ما، حيث يكون أكل العائلة الخبز والحليب وبقايا عشب الصحراء، ولم يهنأ بعيشه برغم كل ما يملك من ثروة وهبها الله له ، ليستفيد منها ، ويفيد الاخرون، ولم يدرك الراعي مخاطر تعريض حياته وحياة عائلته وأغنامه الى الأخطار المحدقة بها، وكل يوم يتكرر المشهد..ويذهب المئات من الضحايا قربانا لغباء الراعي، وهو الذي لم يقدر جهود من ضحوا من أجل ان يبقى هو وأغنامه على قيد الحياة، أؤلئك الديكة الميامين الحلوين ، الذين لايصبرون على ضيم ولا ينامون على وسائد الذل والمهانة ، فكانوا المدافعين الأمناء لحفظ الامن وتحقيق الاستقرار وعيونهم مفتوحة على الدوام، لكي يصدوا هجمات الطامعين ومن أرادوا ببلدتهم شرا، وحتى تسلم رقاب الأغنام من ان تطالها غدر الذئاب، بالرغم من ان مصيرها الملعون هو” الذبح” في نهاية المطاف، وها هي أغنامنا وخرافنا تقدم كل يوم قربانا للآلهة أو من اختاروا انفسهم ليكونوا “بديلا” عنها، وأوصياء غير أمينين ، في حكم الرعية..وكم ديكا ضحوا به واردوه قتيلا وذبيحا من أجل ان يشبعوا نهمهم ، ويوغلوا في السحت الحرام، وما تركوا من خير للبلاد الا ونهبوه أو احرقوه او وهبوه للغير لمن لايستحق..وبقيت أغنامهم تلفظ أنفاسها الاخيرة ، وهي في حيرة من أمرها بعد إن راحت الذئاب تفترسها من كل حدب وصوب، لانها لم تضع للقيم اعتبارا ولا لأصحاب الفضيلة من مكانة!!

المصدر