باديء ذي بدء لا بد من وضع النقاط على الحروف في تقييم الناس الذين نعيش معهم. فما هي القيم والموازين التي ينبغي اتباعها لتقييم الانسان. لا ينبغي ولا يمكن المساواة بين الصالح المخلص المتسامح الشجاع العادل الرحيم العامل المتعلم المحب لوطنه وبين الغادر المتعصب الاناني الجبان الظالم المتكاسل المستغل لغيره. لا بد ايضا من تقييم ايجابي للصالحين وفقا لالتزامهم بالقيم الانسانية المشتركة التي تتمثل في الصدق والاخلاص والعدل والتضحية للاوطان بغض النظر عن الدين والقومية والعرق. كذلك يتوجب تقييم سلبي للظالمين وفقا لاخلاقهم الدنيئة وكذبهم وغشهم ونكثهم العقود والمواعيد ايا كان دينهم وقوميتهم. فكم من ملحد أو علماني له اخلاق ومباديء إنسانية نبيلة ويعتبر معول خير لمساعدة الاخرين. وكم من اسلامي فاسق مجرم يعيث في أرض الله فسادا يتاجر وينافق بدينه لمصالحه الانانية.
في هذه الاطلالة أود أن أكتب عن اثر الايمان على النفس البشرية من الناحية الشخصية. ان اهم مقياس للانسان في الدنيا هو مقدار ما يقدمه الفرد للبشرية خيرا أو شرا. كذلك فان التقييم في الآخرة يعتمد على ما يعمله الإنسان في الدنيا “فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون الا ما كنتم تعملون”. لكن ما يراه ويعيشه المخلصون العدول من مختلف الانتمائات الدينية والعقائدية لامر يشيب له الولدان. فقد وصل الظلم إلى درجة خطيرة مما جعل القنوط واليأس مسيطرا على حياة غير المؤمنين من الصالحين المصلحين. ان عملهم الانساني بات لا يعتد به واراءهم تفسر في غير محلها. مما جعلهم ينطوون على أنفسهم ويشعرون باستحالة امكانية اصلاح الأمور. ان هؤلاء بحاجة إلى تغيير في مفاهيمهم الشخصية حول الجزاء والعقاب في الدنيا اثر غياب العدالة وانتشار الظلم إلى الايمان بالله واليوم الاخر. لانه هو الحل الوحيد الذي يرفع الانسان من الصراع الدنيوي المادي إلى التطلع لمرضاة الله من خلال التضحية لاسعاد الاخرين. فالايمان يحث الانسان للعمل الدائم لمصلحة الناس دون انتظار النتائج. هذا الايمان يعتبر من اهم العناصر لديمومة النضال والجهاد لعمل الخير للجميع وانتظار الاجر من الله عز وجل. ان الايمان بالله يحرر الانسان من الانانية والمصلحة الذاتية أو العقائدية أو العائلية. الايمان بالله يمنح الشخص الامل والسعادة رغم ان العالم الذي يعيش فيه في أزمة اخلاقية. الايمان بالله يدفع الشخص لتقديم المزيد من الخير دون كلل أو ملل. اذا ما علمنا بأن أول ما يحاسب به المرء يوم القيامة عمره فيما افناه وماله من أين اكتسبه وكيف انفقه. الايمان بالله يجعل الشخص سعيدا كلما قدم المزيد لخدمة من يستحق ومن لا يستحق دون منة أو اذى. انه يعلم بأن درجته وثوابه يرتفع بالجنة حيث الحياة الأبدية. الايمان بالله يجعل الشخص لا يخاف من احد ايا كان موقعه السلطوي أو المالي. فان اصابه مرض عمل بالاسباب كمراجعة الأطباء واخذ الدواء لكنه يعلم بأن المشافي هو الله. لأنه يعلم بأن الله قادر على كل شئ واذا أراد شيئا فانما يقول له كن فيكون. وهو الذي يجعل دواء الطبيب مناسبا لعلاج ذلك المرض أو يقود يد الطبيب للنجاح في عمليته الجراحية. التوكل على الله يشعر الإنسان بأن هناك قوة عظمى تعينه لاستمرارية حياته وتخطي صعوباتها في جميع المجالات. الاعتماد على الله تجعل الفقير لا يياس من رحمته والغني يتصدق من ثروته التي وكله الله اياها.
اختتم مقالتي بمحاورة بين ملحد ومؤمن تختصر وتلخص منطق الايمان بالله ومنطق الايمان بالماديات المرئية. لقد طرحت سابقا وتكررت هذه الأسئلة عبر الاجيال. اذ سأل ملحد احد المؤمنين بالقول ماذا سيكون موقفك اذا فارقت الحياة ولم تجد ما تؤمن به من جنة وحياة ابدية خالدة. اجابه المؤمن موقفي ايا كانت الظروف والاحوال افضل بكثير من موقفك. فقد كنت اعمل الخير واساعد الناس ولي ذكر طيب في الدنيا ولم يمنعني ايماني من التمتع في حياتي اضافة الى ان ايماني بالاخرة جعل حياتي في الدنيا سعيدة مطمئنة وسأربح الحياة الاخرى الأبدية ايضا. لكن الكارثة عليك انت يأيها الملحد ماذا سيكون موقفك لو عكست السؤال. أي ماذا ستفعل لو وجدت جهنم تنتظرك وتكون فيها إلى ابد الابدين. كيف تتمكن آنذاك من الهروب من عذاب النار حيث لا يفيد الندم. في حقيقة الامر أن الايمان بالله هو سعادة واطمئنان وكرامة في الدنيا وامان وفوز في الحياة السرمدية في الاخرة
الدكتور نصيف الجبوري