إقليم كوردستان وأهمية فلسفة التجديد الثقافي الوطني
بما أن التجديد سنة الحياة و قانون الطبيعة و تجسيد للوعي، يهدف الی صنع الحاضر وتطوير الواقع وتغييره بمعايير وشرائط متوفرة وطرائق مختلفة، إلا أن التجديد في ميدان الثقافة هو بمثابة تجديد في الحياة الإنسانیة كلها، لأن الأنشطة البشرية كالصناعة والزراعة والتکنلوجيا هي نتاج الثقافة، فالسياسة مثلاً، هي ثقافة الحکم.
البراديغم الثقافي “cultural paradigm” من المنظور السوسيولوجي يعكس فلسفة الإنسان و فلسفة الجماعة، ويشكل نسقاً متكاملاً ورباطاً عضوياً بين الإنسان والإطار الذي يحويه وكذلك النظام الذي يحكمه ضمن مجتمعه. العقل لا يزدهر إلا بمقدار ازدهار الثقافة التي ينشأ عليها فهي رحم العقل وهي قالب العواطف وموجه السلوك وأن ما يبنی على افتراض صحيح سيؤدي الی نتيجة صحيحة.
للأسف تأتي الثقافة في إقلیم كوردستان بعد السياسة. السبب يعود بشکل أساسي الی الظروف الموضوعية المحبطة و هیمنة السياسة في تاريخنا الحاضر، رغم كل المحاولات الجادة من قبل القيادة الكوردستانية في تلقيح العناوين والمفاهيم والقيم القديمة والحديثة بعناصر ومقاصد وأبعاد جديدة،علی سبيل التطوير والتجديد أو الإغناء والتوسع، سواء تعلق الأمر بالأدارة والديمقراطية أو بالحرية والعدالة أو بالتنمية والعولمة.
صحیح أن الجغرافية السياسية للشرق الأوسط تقف اليوم ولحسن الحظ نوعاً ما الی جانب الكوردستانيين وأن إقليم كوردستان من الناحية الأمنية بقي بفضل السياسة الحکيمة لهذه القيادة قطب هادیء في هذه المنطقة، إلا أنّ العمل علی تجديد الثقافة الوطنية مقارنة بالتحديات الجسيمة التي يواجهه شعب كوردستان وقضيته العادلة کان وللأسف ضعیفاً. أما عن المثقف الكوردستاني ودورە في تجديد الثقافة الوطنية، فقد کان بحسب رأینا ضعیفاً في أدائه الثقافي، لا يفكّر بآلياته و لم ينظر الی المسؤولية الوطنية بأفق أو برنامج.
نحن نعرف أنَّ لكل مثقف منشغل بالشأن الثقافي تصوّرات أو مقترحات حول الشأن العام، لأنه، شاء أم أبی، فسوف يبقی شَريكاً فـي إنتـاج المفاهيم والتّصوّرات، بما يعود على جميع مجالات الحياة الإنسانية بالتنوير و التطوير والإبداع.
إن عدم الإهتمام بالتجديد الثقافي الوطني في الإقليم بالشکل اللازم سوف يوقف، في ضَوء ما تجري من انقلابات في الأفكار، توليد الجديد والمبتكر والأصيل والخصب من الصيغ والنماذج والقوانين والتشريعات.
علينا قراءة الحدث للمساهمة في عملية الخلق من أجل توسيع آفاق الوجود و إثراء إمكانات الحياة وأن نحول الثقافة الوطنية الی نمط وجود تتجذر في اللاوعي وتستقر في قعر الذاکرة، لتغدوا هوية يأتلف المرء الكوردستاني معها و يعتاد عليها و يشعر بالنقص والفراغ والوحشة والخواء إذا ما إفتقدها.
من خلال التجديد الثقافي والفكري نستطيع الوصول الی مفاهيم وقيم ومنظومات معرفية لاستجابة التحديات، وتحويلها إلى فرص وكذلك نستطيع تجسير الفجوة بين المفكر وصانع القرار وإعادة الروح الواثقة، والمفاهيم الناصعة، لكي نضع حداً للتخلف والتراجع الاقتصادي والتقني والثقافي ونعزز إقلیمنا ونتعامل بإبداع مع متطلبات العصر وتحولاته, ونواجه الفساد وهبوط المستوی التعليمي والتربوي، ونملك الرؤية النافذة، والإرادة والآليات اللازمة.
إذن لنجدد الثقافة الوطنية في النصوص والخطابات أو في المؤسسات والمشروعات أو في التصرفات والممارسات وليعمل المثقف الكوردستاني في عصر الوسائط، وهو وسيط بين الناس يسهم في خلق وسط فكري أو عالم مفهومي أو مناخ تواصلي، بإعادة التفکير في نظام الفكر وقيمه و نتاجاته بعيداً عن التوظيف السياسي الأيديولوجي، بغية تركيب ثقافة المجتمع الکوردستاني من جديد. علیە أن لا ينشغل باللعن والترجيم أو التسبيح والتعظيم، فبعد العولمة الرقمية والعالم الإفتراضي لا تفيد هذه الثنائیات الکلاسیکیة ولن تعود الأشياء کما کانت عليه.
ولتکن من أولويات التجديد الثقافي الوطني العمل على تغيير نمط التعامل مع القضايا والأمور ونقل النمط من واقعه القائم على الفردية أو المصالح الحزبية والفئوية الضيقة إلى نمط مؤسسي وطني، بحيث أن المؤسسة الوطنية هي التي تدير أمورنا في مختلف الحقول والجوانب.
يقول Édouard Marie Herriot (رجل دولة فرنسي بارز، 1872 – 1957): “الثقافة هي الشيء الذي يبقى في الإنسان عندما ينسى كل ما هو سواه.”
الدکتور سامان سوراني