أطباء ومنظمات إغاثة يحذرون من تزايد الانتحار بين عوائل داعش المُجبرة على العودة

ترجمة / حامد أحمد

نقلت صحيفة التلغراف البريطانية عن خبراء ومنظمات غير حكومية تحذيراتهم من أن قراراً اتخذته سلطات عراقية باغلاق مخيمات تأوي أكثر من 100,000 شخص نازح، سيزيد من سوء أزمة صحة نفسية وذهنية تتصاعد خلالها معدلات اللجوء للانتحار بدرجات متفاوتة خصوصاً بين شريحة النساء .

وزارة الهجرة والمهجرين، وبعد ثلاث سنوات من إعلان الحكومة العراقية النصر على تنظيم داعش تتطلع لإغلاق مخيمات للنازحين جراء الحرب، حيث أعلنت خلال شهر تشرين الأول الماضي برنامجاً لعودة “طوعية و آمنة” لمئات الآلاف من العراقيين .

ولكن منظمات غير حكومية حذّرت من أن إغلاق هذه المخيمات ستفاقم من أزمة الصحة النفسية للنازحين .

اخلاص محمد علي، أخصائية نفسانية من الموصل قالت لصحيفة التلغراف يوم الاثنين “كثير من الناس في هذه المخيمات هم من الأرامل وعوائل عانوا من إهمال ونبذ من عشائرهم لارتباطاتهم مع تنظيم داعش. فهم يشعرون باليأس والقنوط لأنه ليس لهم مكان آخر يلجأون اليه .”

هناك مخيمات متناثرة حول مدينة القيارة، 60 كم جنوب مدينة الموصل في محافظة نينوى، قسم من ساكنيها قد تلقى إشعارات بالاستعداد للمغادرة . وقالت الطبيبة إخلاص “رأيت اليوم أربعة او خمسة حالات مغادرة، غالبيتهم من الأرامل. قسم منهم لا يعرف أين سيذهب. وقسم منهم يخشى من أنهم لن يكونوا قادرين على شراء أدوية أو الحصول على اسناد رعاية صحة نفسية من مكانات أخرى .”

وكثير من العوائل قد تم رفضهم من قبل عشائرهم بسبب ارتباط أحد الاقارب بتنظيم داعش وإنهم غير قادرين على العودة الى مجتمعاتهم. الولادات الحاصلة تحت حكم داعش غالباً ما تكون غير مدونة في سجلات الحكومة، وهذا يعني أن هؤلاء الاطفال لا يستطيعون الالتحاق بمدرسة .

استناداً الى منظمة، العمل لمكافحةAAH ، ومنظمة أطباء بلا حدود MSF ومنظمة الهيئة الطبية الدولية IMC التي لديها جميع مستلزمات الرعاية الصحية النفسية في القيارة، فان هذه العوامل باجتماعها مع صدمات نفسية غير معالجة وفقر مدقع ستساهم بتفاقم حلات اكتئاب وهلع ونزوع للانتحار بمعدلات خطيرة .

الطبيبة النفسانية إخلاص، التي بدأت مؤخراً بالعمل لدى منظمة IMC الطبية في مخيمات القيارة، قالت “عملت في مخيمات أخرى حيث شهدت فيها خلال سنة وقوع حالة أو حالتي انتحار فقط، ولكنني خلال الأسبوع الأول هنا شهدت ثلاث حالات انتحار .”

وحذّرت إخلاص من أن غلق مخيمات بدون توفير بدائل من شأنه أن يزيد من معدلات الانتحار، بينما سيكون الوضع أصعب بالنسبة لمنظمات غير حكومية في توفير مساعدة لمجاميع مشتتة من الأشخاص المتضررين .

صباح عبد الرحمن، نائب مدير منظمة Azhee ، وهي منظمة محلية معنية بالتوعية ضد الانتحار، قال “هناك نقص حاد بالدعم النفسي الاجتماعي في الأماكن التي سيرجع لها هؤلاء النازحين. الخدمات الاساسية غير متوفرة، فما بالك بخدمات الصحة النفسية للمتضررين من هؤلاء”.

استناداً لمنظمة العمل لمكافحة AAH التي تعمل على ردع حالات قتل النفس بين النساء، فانه حتى خارج المخيمات تشهد منطقة القيارة معدلات انتحار عالية بمعدل ثلاث الى خمس وفيات جراء الانتحار شهرياً .

التجمع السكاني الصغير للمدينة فقد 600 رجل خلال الحرب ضد داعش، قسم منهم قتل على يد التنظيم الارهابي وقسم منهم قتل لالتحاقه بالتنظيم، وقد خلف ذلك مئات من الآرامل والعوائل التي تعيلها نساء .

وقالت أنفال ميزار، التي تعمل في بلدة القيارة كمديرة برنامج صحي لدى منظمة” AAH بعد انتهاء الحرب حدثت أزمة صحة نفسية حقيقية كبيرة بين أهالي القيارة .”

وقالت زميلتها في المنظمة اليساندرا ساشيت: “هناك كثير من حالات العنف المحلي والعنف الأسري ومن الصعب جداً الوصول لمجتمعات النساء بسبب العوائق العرفية .”

سلمى، وهي امرأة من مدينة القيارة تعمل لاسناد عائلتها وتتلقى مشورات طبية لحالة الاكتئاب لديها من موظفي منظمة AAH تقول: “كثير من النساء هنا منعزلات أو لا يستطعن العمل، فهن لا يستطعن الخروج من البيت بسبب أعراف عشائرية تقليدية. أنا اكسر كل هذه الأعراف التقليدية، ولكنني سأواجه من يقول لي بأنني لا استطيع أن أعمل وأنه يتوجب علي المكوث في البيت .”

غوينولا فرانشيوس، رئيسة بعثة أطباء بلا حدود في العراق، قالت إن المعدل العالي للانتحار في القيارة ينذر بالخطر وحالات متكررة تحدث بين صفوف النساء. وأكدت بقولها “رأينا بالتحديد أنه كانت هناك بعض المشاكل داخل المعسكر وداخل المدينة. إنه مؤشر إنذار بالنسبة لنا .”

وكانت منظمة أطباء بلا حدود قد حذّرت في تشرين الأول من أن الصحة النفسية والذهنية للناس قد ازدادت سوءاً على نحو كبير في العراق بشكل عام، مشيرة الى أن “معدلات عالية من حالات القلق والاكتئاب بين مرضى يحاولون الشفاء من آثار حرب وتهجير، قد تفاقمت أكثر بسبب الوضع الاقتصادي الحالي وتأثير وباء كورونا عليهم .”

ومع مواجهة الحكومة العراقية لعجز مالي بسبب هبوط أسعار النفط، فان الانفاق على الصحة الذهنية لم يعد من الأولويات. وتقول فرانشيوس إنه بعد انتهاء برامجيات منظمة اطباء بلا حدود في القيارة في شهر أيلول، فانهم لا يستطيعون تسليم المهمة لوزارة الصحة لأنه لا يتوفر لديها في المدينة أخصائيون بالصحة النفسية .

الحكومة لا تنشر إحصائيات عن أعداد حالات الانتحار، ولكن خبراء يعتقدون انها في تزايد .

مفوضية حقوق الإنسان في العراق سجلت وقوع 549 حالة انتحار في عام 2019 مقارنة بـ 319 حالة في السنة التي قبلها. مصادر إعلامية محلية تؤكد أن حالات الانتحار في تزايد هذا العام.

ولكن حتى هذه الأرقام من المحتمل أن تكون دون العدد الكلي، واحد أسباب ذلك يعود بالامتناع عن الابلاغ بحالة الانتحار لما له من وصمة حسب الأعراف المجتمعية .

عبد الرحمن، من منظمة Azhee للتوعية ضد الانتحار، يقول “لسوء الحظ ليس هناك مصدر مركزي للمعلومات، تبليغات عن حالات انتحار بتصاعد، ونستطيع أن نقول إنها ضمن الحد الأدنى .”

المصدر