أزمة الخطاب الشيعي

الخطاب الشيعي تعوزوه المتانة والدقة والتأصيل ، فهو لم يقدم لنا أفكاراً من نتاجه وإنما هو كلاً على غيره يأخذ عنه أي يستنسخ أفكار غيره وينسبها إلى نفسه ، كلامنا هذا يأتي في معرض الدفاع عن السيد كمال الحيدري إزاء تلك الهجمة الظالمة من جهلة وغير متخصصين ، والحيدري كان غارقاً وإلى وقت ما في التعمية والسطحية من غير هدى ولا دليل مبين ، إلى أن أهتدى اليوم ووقف على رجليه معتذراً نادماً مقراً مذعناً معترفاً بذنبه وبما بدر منه من تجديف ومطارحات سياسية بعيدة عن منطق العلم والمعرفة .

اليوم السيد الحيدري هو رجل أخر يقول الحقيقة ولا يخشى في ذلك لومة لائم ، يواجه دعاة التسفيه والتسويق والخداع بالعلم وبالحقيقة الدامغة ، وقد أعلن من غير مواربة : أن أخبار االكافي في غالبها العام مدلسة وغير موثقة ولا حسنة وحتماً ليست بالصحيحة ، لأنها مجرد صدى وتقليد لما جاء به البخاري ومسلم ، بل يذهب بعيداً ليقول : إن الإمام الصادق إما مجرد راوي أخبار أو مجتهد ، وهذا منه على خلاف بيَّن مع مقولات الشيعة ومزاعمهم الإعلامية ، فمن جهة يتمسك الحيدري بما تقوله الشيعة عن أئمتهم – بأن أخبارنا هي أخبار أبينا عن جدنا رسول الله – ، والجملة مشعرة بأن هذه الأخبار مروية عن الرسول ، وبالتالي فهي ليست من بُنات أفكارهم ولا من نتاج عقولهم ، وهذا يقود للسؤال التالي : إذا كان الإمام الصادق مجرد راوي أخبار الرسول فلماذا لا يذكر في الأخبار كذلك دونما الحاجة إلى التركيز على قوله منفصلاً ؟ ، وماهي سلسلة الوصل الروائية بينه وبين رسول الله ؟ ، وإذا أعترفنا بهذه الصفة وصدقناها : فهل يصح إعتبار الإمام الصادق مجرد راوي أخبار شأنه في ذلك شأن رواة الأخبار الأخرين المعروفين لدى المسلمين ؟ ، واذا كان ذلك كذلك : فلماذا تبتدأ منه الرواية وتنتهي إليه ؟ ، بحيث يكون دور الفقهاء هو الإجتهاد في قول الإمام الصادق كمعللين وشارحين لروايته بإعتبار قوله نصاً مقدساً ، وليس بإعتبار قوله عبارة عن إجتهاد ووجهة نظره ليس إلاَّ !! ، يناقش الحيدري هذه الجدلية ويجد فيها باباً واسعاً للنقد والتحقيق ، يصاحب ذلك عن وعي أو بدونه : – إلغاء فكرة المقدس و تقهقر مفهوم العصمة و الإمامة هنا في هذا الباب – ، وهو نقاش معرفي و في الصميم ولا نجد من الشيعة من لديه المقدرة على الإجابة دون اللحن أو الميل بحسب مقتضيات التقية والمد والجزر .

وفي مستوى الفقه والأصول يرى الحيدري : – إن الشيعة قد أخذوا عن السنة كل القواعد وكل الأصول المؤدية للإجتهاد والفقه – ، ناهيك عن إنهم يستنسخون ما لدى السنة من أفكار وكتب وينسبونها إليهم ، يقول الحيدري : فهذا شيخ الطائفة الطوسي ( أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (385 -460هـ / 995 – 1050 م ) مثالاً ، الذي كان تلميذاً نجيباً لدى الإمام الشافعي ببغداد ، فلما هاجر هذا الأخير إلى مصر عهد إليه بكرسيه للتدريس ، وقد قام الطوسي بنشر تقريرات أستاذه الشافعي في كتاب أسماه المبسوط في الفقه ، الذي جاء نسخة بدل عن كتاب الإمام الشافعي ، وهكذا في جميع كتبه وحتى تفسيره التبيان الذي ليس له منه شيئ سوى أسم المؤلف .

يقول الحيدري ويجري هذا في التفسير فلم يكن تفسير الطبرسي – مجمع البيان – بأسعد حالاً من الطوسي فهو قد نسخه عن تفاسير أهل السنة ولم يكن له فيه شأن يذكر ، لا في الرواية ولا في اللغة ولا في البيان ، واالعقيدة الشيعية تلفيقية وغير صحيحة يقول الحيدري ، نافياً النص على ولاية علي بن أبي طالب معتبراً النص مجرد زعم كذبته الحقيقة التاريخية ، إذ حينما وافق عليا ان يكون سادس ستة في الشورى التي أنتخبها عمر بن الخطاب لكي يختاروا من بينهم خليفة له ، رضي علي بذلك ومارس دوره في هذه الشورى ، ولو كان علياً يمتلك نصاً صريحاً من الرسول محمد لتمسك به ولقال لهم – لا حاجة لي بشوراكم لأن لي عهد من رسول الله قال لي فيه كذا وكذا – !! ، هو لم يطرح نص رسول الله عليه للحوار ولا حتى للنقاش بل ذهب مع القوم في شوراهم ، هنا يرى الحيدري ان ذلك دليل على عدم صحة النص المزعوم ، ويعترف الحيدري بان السلطة والحكم شأن مجتمعي لا علاقة له بالنصوص والمواريث ، وإنما هو للشعب يختار من يرآه مناسباً لذلك .

يقول الحيدري ليست العصمة من يرشح المرء للخلافة والإمامة ، بإعتبار العصمة شأن شخصي تشريعي لا تكويني ، ولا يتقدم المرء على غيره بإعتبارها كما هي التقوى ، ويناقش الحيدري في مسألة الأزدواج المعرفي بين ضرورة العدل ولزوم العصمة ويعتبر ذلك مجرد دعاوى باطلة ، مال إليها القوم في لحظة الهروب من المواجهة وإستحقاقات الحوار المعرفي .

ومن جهة التاريخ ليس هناك تاريخاً مكتوباً يمكن إعتباره من مصنفات الشيعة ، بل هو من هذه الجهة يمكن القول : إن الشيعة عيال على أهل السنة في ذلك ، يقول الحيدري لم نعرف ان احدا كتب في هذا المجال ، مضافاً إلى ذلك كل التصانيف في علم الرجال والرواية وكذا علوم القرآن وتفسيره .

من هنا لا يصح مطلقاً شن هذه الحملة البائسة على السيد كمال الحيدري ، بل المطلوب من علماء الشيعة الإصغاء والحوار ، وإن كان لديهم ما يقولونه في هذا المجال فليتقدم من يجد في نفسه الأهلية ، وهنا أشير إلى مراجع الشيعة ومن هم من فئتهم .

مع علمنا إن أكثر رجال الدين الشيعة لا يحسنون العربية ولا معانيها ، وقد كان ليّ لقاءات مع بعضهم في النجف وكربلاء ، ولم أجد فيهم من يستطيع مواجهة الحقيقة والإعتراف بالفشل والضعف ، ومن لديه من يستطيع ان يرد علينا بالحجة والدليل ، فليأتي بالبرهان إن كان صادقاً ، وعليه فحماية دعاة الإصلاح واجب علينا وعلى المجتمع الدولي ..

يوسي شيخو

المصدر