هدية الطلاق ــ قصة قصيرة

240

هدية الطلاق ــ قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

قال لها في البداية بلطف مصحوب بابتسامة ــ بعدما تكررت الحالة ــ أنه يجب عليها أن لا تنسى حنفيات الماء تجري مفتوحة في المطبخ والمرافق الصحية ، لأن الماء أصبح ثروة غالية وسوف يصبح أغلى ، و ربما ليس بعيدا أن يكون بسعر النفط ، فلا يجوز هدر عبثا حتى لو كان مجانا الآن !، سيكون هكذا بسبب تصاعد درجة الحرارة سنة بعد أخرى و كذلك التصحر الزاحف ، كما عليها أن لا تترك المصابيح مضاءة حتى في عز النهار لكونها عملية تبذير بلا معنى ..

ولكن إما بسبب سهو أو لا مبالاة أو كأنما عن سبق إصرار ،عندما كان يرجع إلى البيت يجد بعض الحنفيات تسيل وكذلك بعض المصابيح مضاءة في منتصف النهار وقد ضاع ضوؤها في وهج نور النهار المشع والساطع ..

في هذه المرة سألها بلهجة غاضبة ومستاءة تحمل نبرة تقريع و توبيخ :

ــ فيما إذا من مشكلة ما مع فهمها أو استيعابها للأمور ؟ ولماذا تكرر ما يُطلب منها عدم تكرارها من سهو ولا مبالاة وإهدار غير مسؤول ؟..

شعرت بإساءة ومهانة من جراء ما اعتبرته توبيخا وتجريحا لمشاعرها في كل مرة ، و انخرطت في بكاء مرير مع دموع غزيرة وساخنة..

تأثر لحالتها الحزينة و المعانية فعبر عن أسفه لما بدر منه شيء من خشونة غير مقصودة قائلا أنه خارج وسوف يعود سريعا ، ولم تمض فترة قصيرة وإذا به يعود حاملا باقة من الورد مع هدية من علبة مغلفة كانت عبارة عن قنينة عطر غالية وقدمها لها مع قبلة دافئة تعبيرا عن حبه لها ، فابتسمت برضا وقبول ثم انصرفت لإنجاز أشغال وشؤون البيت ..

بعد يومين بينما كانا نائمين استيقاظا بعد منتصف الليل وهما على وشك اختناق مع كحة قوية ، وكانت الغرفة مليئة بدخان كثيف يأتي من طرف المطبخ فهرع وفتح النوافذ وهو يكح ويلهث مصعوقا من ضراوة المشهد الدخاني الذي أخذ يخدش رئته بقوة ، متصورا إن ثمة حريقا قد اندلع في البيت ولكن لم يكن هناك نارا إنما مجرد دخان فقط ، ثم اتضح فيما بعد أنها قد نسيت إطفاء نار الطباخ بالكامل بعد تجهيز طعام العشاء فاحترق ما تبقى من الطعام في قعر الجدر ببطء مع تصاعد دخان كثيف وثقيل على التنفس ..

فانزعج وهو يوبخها بنبرة غاضبة جدا قائلا لها : لو لم يسعفهما الحظ لتوّفيا اختناقا ، وكل ذلك بسبب لا مبالاتها و سهوها وشرودها ، وكأنها عاشقة ولهانة ، وكالعادة انخرطت ببكاء ونحيب معزية ذلك إلى سوء حظها وتآمر قوى مجهولة وخفية ضدها وأنها لا تدري ماذا يحدث معها ، كانت تقول ذلك مع مزيد من دموع غزيرة وساخنة حتى احمرت عينها من شدة البكاء فعطف عليها وأمسك يدها مواسيا ، معبرا عن أسفه وأن المسألة قد حدثت وانتهت وعليهما أن يبتهجا لكونهما قد نجا بإعجوبة من مخالب موت شبح محقق ، إلا أنها بقيت متأثرة دون تفارقها نهائيا نوبة البكاء المتقطعة حتى في اليوم التالي ، حيث رجع الزوج من العمل جالبا معه باقة ورد وهدية ، ليأخذ من خاطرها ، فهدأت تماما مبتسمة وهي تفتح علبة الهدية الجديدة ، وانتهى الأمر كله بسلام ووئام..

ولكن دون أن يمضي أسبوع على حادثة الحريق الصغير ، حيث كان نهاية الأسبوع ، والزوج كان لا يزال نائما في الصباح المبكر ليأخذ قسطا وافر من النوم والراحة مثلما دائما في نهاية الأسبوع ، وإذا به يفر مذعورا على أصوات ارتطام أشياء نحاسية وزجاجية على الأرض المبلطة واللامعة و برنين طويل ومزعج ، وعندما نزل إلى صالة الطعام رأى زوجته تقف مضطربة ذاهلة وسط فناجين قهوة وأقداح عصير وصحون إفطار مهشمة متناثرة على شكل قطع وشظايا صغيرة على مساحة واسعة من أرضية غرفة الطعام ، مختلطة مع قطع بيض وجبن وشرائح لحم وخبز ، كان من المفترض أن تكون وجبة إفطار صباحية شهية ..

ولم يقل الزوج شيئا ،إنما ارتدى ملابسه مغادرا البيت بكل هدوء ، وكأن شيئا لم يكن ، ولم يرجع الا بعد يومين أو ثلاثة ، مع باقة وردة ومظروف كبير وسميك، فقدم لها مبتسما ولكن دون حماس سابق أو قبلة دافئة وانسحب إلى غرفته صامتا مكتئبا ..

بينما هي أخذت تفض المظروف بفرحة و نفاد صبر متوقعة في هذه المرة حصولها على هدية ربما قد تكون عبارة عن صك قد تشتري ما تريد وترغب ، أو على الأقل هكذا فكرت مع نفسها ..

ولكن ما أن وقعت أنظارها على الصفحة الأولى للأوراق الرسمية حتى تغير لون وجهها وأصفّر شحوبا و امتقاعا ، و قد تشنج جسدها مرتجفة وكأنها تلقت طعنة مباغتة ، وقد بلغت من صدمة حتى فقدت القدرة على البكاء فانهارت جالسة على أقرب كرسي لتسترد شيئا من قوتها قبل أن تنهض وتجمع اغراضها وتذهب إلى أهلها ..

ولكن قبل أن تغادر وتصفق الباب خلفها صاحت عليه بلهجة بنبرة لوم وإدانة واضحة :

ــ أنت الذي افسدتني بهداياك الكثيرة وبلطفك الزائد عن اللزوم !..

المصدر