كتب / عقيل غني جاحم
يصحو اصيل فجرا كعادته يوميا من أجل حلب بقرته المطيعة ليتغذى بحليبها المنعش المفيد ،وبعدها يجهز نفسه من اجل التحضير للذهاب الى مدرسته في اليوم الاول له من هذه السنة ،فرحا مبتهجا ليرى زملاء صفه بعد فراق طال ثلاثة شهور كانت هي العطلة الصيفية .
اصيل ذا 10 سنوات ،اغلق باب داره الطيني صباح يوم الأحد كونه يسكن في احدى المناطق النائية جنوب العراق ، وهرول مسرعا وهو يرتدي الزي المدرسي قميصا ابيضا وبنطلونا ازرق ، وكعادته ان يقطع مسافات طويلة مشيالاعلى قدميه تصل لاكثر من ٤ كيلوا مترا متجها نحو مدرسته الصغيرة من أجل أن يتعلم ويجتهد لكي يصبح مهندسا .
وكما يقول اصيل ” تبددت احلامي عندما وصلت الى المدرسة .فالمفاجئة التي تنتظرني انني عندما دخلت مسرعا استقبلني معاون مدير المدرسة بسؤاله ، الى اين ؟ فقلت له انا طالب في الصف الرابع الابتدائي فأمرني بان ارجع الى البيت ، وان اعود الاسبوع القادم ، لانه ليس اليوم المخصص لصفي الدراسي ،وأبلغني ان التعليم اصبح الكترونيا وعليه ان اتابع دروسي عبر جهاز النقال او الحاسوب اللوحي ” .
بعد تفشي جائحة كورونا، والبدء بتطبيق حظر التجوال في العراق اصدرت الحكومة وعبر اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنيـة ،خطة خاصة لوزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي لبدء العام الدراسي (2020 – 2021) بما يضمن صحة وسلامة التلاميذ والملاكات التعليمية وتوفير التعليم المطلوب في مدارس العراق كافة، من خلال اعتماد قرار التعليم المدمج ويشمل التعليم الالكتروني عن بُعد عبر المنصات الالكترونية والتعليم المباشر ليوم واحد فقط في الاسبوع .
وتتحدث الباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية لجامعة كربلاء حوراء رشيد الياسري ” ان التعليم الالكتروني هو تعليمي تفاعلي يقدم للطالب باستعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصال ، ويعتمد على بيئة إلكترونية رقمية متكاملة تعرض المقررات الدراسية كافة عبر الشبكات الإلكترونية ، ويوفر سبل التوجيه والإرشاد وتنظيم الاختبارات ”
وبينت ” بعد ان انتشر وباء كورونا في كل دول العالم اتخذت الحكومة المركزية سلسلة من الاجراءات التي من شأنها ان تبعد خطر وباء كورونا عن البلاد ،وان من هذه الاجراءات فرض الحظرالصحي والمتمثل بتعطيل دوام طلبة المدارس والجامعات والمعاهد الحكومية والاهلية ،في خطوة من اجل منع التجمعات ، وعدم اختلاط اي مصاب او ملامس عن الاخرين غير المصابين,حيث اطلقت وزارتي التعليم العالي والتربية منصات لاكمال المناهج المقررة وعدم توقف الدراسة من خلال تطبيق النظام التعليمي الجديد والذي اتبعته دول عدة في مدة حظر التجوال للحد من انتشار الوباء والسيطره عليه ” .
مؤكدة ” ان نجاح هذا النوع من التعليم يحتاج الى العديد من المعطيات المهمة والبيئة السليمة لتطبيقه ودعم البرامج من مختلف الجهات الحكومية وغير الحكومية “.
ويشكو سعد فخر الدين 54 عاما وهو أب لبنتين في جامعة الكوفة وبغداد من صعوبة التعليم عن بعد قائلا ” ان التعليم الالكتروني في العراق شائك وقد فرضه واقع انتشار الوباء ، وقد جاء من اجل استكمال المناهج المدرسية بسبب تقليص الدوام الذي رافقه قصور وتقصير كبيرين سواء من ناحية الاداء الحكومي بعدم توفير الطاقة الكهربائية وضعف الانترنت وعدم توفره في الكثير من محيط المدن والمناطق الريفية والنائية “.
ويضيف ” كما سبب معاناة للطلبة بسبب ضعف اداء بعض المعلمين والمدرسين او تقصيرهم في التواصل مع التلاميذ والطلاب ومن مساوئه هو انتشار ظاهرة الغش بسبب عدم وجود رقابة عليه ، وكذلك تقليص المواد المطلوبة التي ادت الى ضعف المستوى التعليمي “.
كان اصيل يحمل كتاب المحادثة للغة الانكليزية وهو جالس في باب داره يتحدث عن المدرسة ” شعرت بالحزن وانا اعود الى بيتنا ولا اعرف كيف اتصرف ؟ او ماذا افعل في مثل هذا الظرف الحرج ؟ فعائلتي يصعب عليها توفير ابسط مقومات العيش وتوفير الغذاء والملابس لي ولاخوتي السبعة ، فكيف ادرس وانا لا امتلك ما يساعدني على التعليم الكترونيا في وسط الصحراء المترامية حيث لا امتلك (موبايل او حاسبة ) “.
ويوضح فراس محمد 42 عاما وهو معلم جامعي في احدى المدارس النائية ” هناك مجموعة من الامور التي نواجها في المناطق النائية والتي تقف حجر عثرة امام نظام التعليم الالكتروني ومنها عدم وجود شبكات الانترنيت في هذه المناطق كما ان اغلب اولياء الامور في هذه المناطق لا يمكنهم القراءة والكتابة من اجل متابعة أبنائهم او المذاكرة لهم ،وبالتالي يكون الاعتماد على المعلم من خلال التعليم المباشر والذي حددته لجنة الصحة العامة بيوم واحد لكل مرحلة ممل جعل المكان بيئة غير ملائمة للتعليم الالكتروني وله تأثيرا سلبي على التلاميذ في المستقبل “.
وكانت وزارة التربية قد أصدرت اعماما عبر موقعها الرسمي بتقسيم الدوام (الأحادي والثنائي والثلاثي) للمراحل الدراسية كافة ، من ضمنها المدارس الاهلية إذ حددت الدوام ليوم واحد لكل صف دراسي وبحسب المرحلة الدراسية ( ابتدائي او ثانوي) .
ويتحدث علي هادي 37 عاما وهو اب لثلاثة طلبة “اعاني انا والكثير من اقربائي وجيراني من اولياء امور الطلبة هذه السنة من فرض قرار التعليم الالكتروني الذي أصبح عبئا علينا من الناحيتين المادية والتعليمية مما أثر علی مستوى التعليم لابنائنا بشكل واضح وبالخصوص في المرحلة الابتدائية ، مما ادی الی العزوف عن المدارس الحكومية والتوجه الی المدارس الأهلية التي تنتظم بدوام متواصل وتعليم مستمر وحضور دائم ، وهذا مما زاد من الأعباء المادية لنا في هذه السنة الدراسية الجديدة “.
وحول التعليم الالكتروني والتدريس عبر المؤسسات الاعلامية لوزارة التربية يقول مدير عام تربية النجف الدكتور عادل ناجح ” ان الوزارة وجهت مديريات التربية في المحافظات كافة بتشكيل لجان مختصة في كل مديرية تتولى تفعيل استخدام منصة الطالب الالكترونية نيوتن بهدف ضمان استخدام هذه المنصة بشكل مشترك وفعال وضمان ايصال الدروس التعليمية التي يتم اعدادها عبر هذه المنصة الى الطلبة والتلاميذ “.
واضاف ” كما تعمل الوزارة على انتاج وبث الدروس التعليمية التي تقدمها فضائية العراق التربوية لتعويض الطلاب والتلاميذ عن انقطاع الدوام في المدارس بسبب الظروف التي تمر بها البلاد بسبب التظاهرات وفايروس “كورونا ” .
من جانبه اعتبر عبد الامير جبار 41 عاما ان تجربة التعليم عن بعد لتلاميذ الاول ابتدائي فاشلة ” ان المعاناة كثيرة في هذا العام الدراسي بسبب نواقص الكتب المدرسية وعدم التهيئة للتدريس وصعوبة توفر الانترنت ، فالتعليم عن بعد لن يفيد عدد كبير من الطلبة الذين يفضلون الاستماع للمدرس أو المعلم بشكل مباشر ومتابعة ما يكتبه على السبورة وطرح السؤال ورد الجواب بالطريقة المعهودة التي نعرفها منذ اليوم الأول لدخول المدرسة حتى تخرجنا ، لذا نأمل ان يعيدوا النظربقراراتهم ويتخذوا خطوات لان هذه التعليم لا يقدم شيئا للطالب خصوصا من هم في الصف الاول الابتدائي ” .
ففي ظل محاربة كورنا وفرض طرق مختلفة للواقية قدم التعليم الالكتروني في العراق سوق رائج ومربحا لأصحاب المتاجر المتخصصة بالهواتف الذكية والحواسيب اللوحية كونها اصبحت الاساس للتعليم خلال عامي 2020 و2021 واستيراد مئات الالاف من الاجهزة من مختلف المناشىء العالمية .
صاحب احدى المتاجر الالكترونية محمد سرمد يقول ” تشهد جميع الاسواق طلبا متزايدا على اجهزة الحاسوب والأجهزة الذكية بعد ان اصبحت الدراسة في العراق الكترونية مما ادى الى ارتفاع اسعارها بشكل ملحوظ وبالتالي ان اصحاب الدخل المحدود لا يمكنهم اقتناء هذه الاجهزة بسبب الظرف المالي والاقتصادي الذي يمر به البلد من انخاف اسعار النفط وتاخير الرواتب وانهياررالاقتصاد وارتفاع الدولار “.
وحول الاجراءات التي اعلنتها وزارة التعليم العالي حول الدراسة اكد الوزير نبيل كاظم عبد الصاحب ” تم اعتماد نظام التعليم المدمج للعام الدراسي 2020 /2021 للجامعات والكليات الحكومية والأهلية ، وذلك باعتماد الدراسة الإلكترونية للدروس النظرية، وتحديد أيام وأوقات في الدروس التطبيقية والعملية في أي جامعة (ذات اختصاص) قرب محل سكناهم جراء الظروف الاستثنائية نتيجة تفشي فايروس كورونا “.
مبينا ” أن التعليم المدمج هو مزيج بين التعليم الإلكتروني والتعليم من خلال حضور الطلبة، بحيث يكون التعليم الالكتروني فقط للمواد الدراسية النظرية، أما حضور الطلبة للمواد الدراسية العملية (المختبرية والسريرية) والتطبيقية، “فلقد اشترطنا فيه أن يكون الحضور بشكل مجاميع صغيرة متناوبة بما يؤمن الاستفادة من الجانب التطبيقي العلمي والعملي، وكذلك يؤمن سلامة المنتسبين كافة من خلال تطبيق شروط لجنة الصحة والسلامة ” .
اعتاد اصيل في السنوات التي قضاها في المدرسة رغم صعوبة الوصول اليها والآلاف من الامتار الي يقطعها يوميا ان تكون لديه محصله علمية يخرج بها ويفرح في نهاية السنة وهو يحمل شهادته ذات الدرجات العالية ، ولكنه متخوف من عامه الدراسي لانه يعتمد التعليم الالكتروني الذي سيحعل احلامه تذهب ادراج الرياح بسبب انعدام الكهرباء والانترنيت في منطقتهم النائية كما يقول والد اصيل ” ان الناس في القرى والارياف تعاني من انعدام الخدمات وضعف الوضع المالي لاسر الطلبة التي لا تمتلك هاتف ذكي او حاسوب ولا تعرف كيف تستخدمه مما يجعل التلميذ يعاني “.
—