مراكز تحديث سجلات الناخبين تشهد تصادماً جيلياً

141

بغداد/ وائل نعمة
تجادل قاسم حسن (55 عاماً) مع اكبر ابنائه الذي بلغ تواً الـ18 عاما، عند بوابة مركز تحديث معلومات بطاقات الناخب البايومترية في شارع فلسطين: “ابني حتى لو ما انتخبنا ما ننطي اصواتنا للفاسدين”.

تتكرر هذه العبارة كثيرا هذه الايام، مع اقتراب اجراء الانتخابات التشريعية الاولى بعد احتجاجات تشرين، التي اطاحت بحكومة عبد المهدي، واجبرت القوى السياسية على تبني نظام الدوائر المتعددة في الانتخابات.
وتصر مفوضية الانتخابات، رغم اعتراض البعض، على ان يقوم العراقيون بتحديث بياناتهم واستلام البطاقات البايومترية الجديدة والتي فيها عوامل تساعد على تقليل التزوير الذي يشوب عمليات الاقتراع في العراق منذ 2005، اول انتخابات في العراق بعد 2003..

يرد علي على والده امام مكتب تحديث المعلومات: “شنو الفائدة من تحديث البيانات، الانتخابات محسومة للاحزاب الكبيرة والفصائل المسلحة”.

يجري هذا السجال في كل انتخابات تجري في العراق، حيث تقوم القوى السياسية قبل كل اقتراع بتغيير قانون الانتخابات، وتتهم في الغالب من أكثر العراقيين، بان القانون الجديد جاء لمصلحة القوى المتنفذة، بالاضافات الى وجود ادوات التزوير الاخرى مثل شراء الاصوات او التلاعب في النتائج كما اشيع في الانتخابات الاخيرة.

وقالت لجنة تقصي الحقائق التي شكلها البرلمان في 2018، على خلفية اتهامات بالتلاعب بنتائج الاقتراع، إن “3 ملايين بطاقة انتخابية، جرى تزويرها خلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 12 أيار 2018”.

كما أعلن حينها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيتش، عن رصد عمليات “تزوير وترهيب” من مجموعات مسلحة في الانتخابات البرلمانية.

واعتبر كوبيتش أن انخفاض إقبال الناخبين الى (نحو 44%)، وقرار أكثر من نصف المصوتين بعدم ممارسة حقهم الديمقراطي يبعث بإشارة قوية من الناس ترفض تلك السياسات.

ويقول مهند البغدادي أحد الناشطين في احتجاجات تشرين لـ(المدى) ان “العزوف عن الانتخابات في 2018 هو ماتسبب في الكارثة التي جرت نهاية 2020: قتلت الاحزاب والفصائل 700 شاب ودمرت مستقبل أكثر من 20 الف آخرين اصيبوا في التظاهرات”.

يعتقد البغدادي، الذي يسكن خارج العراق بسبب تهديدات من بعض الجماعات المسلحة، ان رفض الاشتراك في الانتخابات “سيتيح لتلك الفصائل والاحزاب الفاسدة السيطرة على مجلس النواب، كما حدث في 2018”.

في تلك الانتخابات استطاع على الاقل 50 قياديا في الفصائل المسلحة الوصول الى البرلمان، وتشكيل تحالف مع التيار الصدري، مما اتاح لهم فرصة تشكيل الحكومة والتحكم في معظم مفاصل الدولة.

يدعو البغدادي وعدد من زملائه الذين يشاركونه الرأي، العراقيين الى “تفويت الفرصة على تلك الجماعات”، وان “يشاركوا بقوة هذه المرة خصوصا وان نظام الاقتراع قد تبدل الان”. واقر البرلمان العام الماضي، قانونا انتخابيا يقوم على اساس الدوائر المتعددة (83 دائرة)، بضغط من الشارع الذي كان يرفض النظام النسبي، الذي استخدم منذ 2005 حتى 2018، والذي كان يسمح لاصوات الخاسرين ان تذهب الى التحالفات والاحزاب.

لكن المعترضين مثل أمجد حسن، والذي يدعم عبر هاشتاك على مواقع التواصل الاجتماعي، فكرة مقاطعة الانتخابات، لا يبدو مطمئنا لاجراءات مفوضية الانتخابات، ولا حتى النظام الانتخابي الذي يقوم على اساس الاقتراع الفردي.

يقول حسن وهو اسم مستعار للناشط الذي يخشى ملاحقته من بعض الفصائل، لـ(المدى): “كيف يمكن ان اطمئن لاجراء انتخابات في العراق بينما جماعات مسلحة تستطيع ان تستهدف المنطقة الخضراء، او تمنع ملايين العراقيين من العودة الى ديارهم في المدن المحررة؟!”.

ويسيطر الخوف من سطوة الفصائل على الشارع وبعض المدن، ومن تأثير هذه الفصائل على ارادة الناخب او ادارة العملية الانتخابية بشكل عام، وهي مخاوف لم تصدر عن ناشطين فقط، وانما عن جهات رفيعة ومسؤولة مباشرة عن امن البلاد.

نهاية العام الماضي، قال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، معلقا على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة وتهيئة الظروف المناسبة لها، بأنه “لن يسمح للسلاح المنفلت بالتحرك وتهديد حرية المواطن وأمنه وثقته بالعملية الانتخابية”.

وكلام الكاظمي هو رد فعل على تصريحات كثيرة لمسؤولين منهم رئيس الجمهورية الذي دعا في وقت سابق، الى ان تكون الانتخابات المبكرة “بعيدة عن سطوة السلاح والتزوير”، في اشارة واضحة الى امكانية تدخل الجماعات المسلحة والتأثير على نتائج الانتخابات.

كما سبق وحذر ائتلاف الوطنية بزعامة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي من عزوف شعبي واسع عن المشاركة في الانتخابات المبكرة المقبلة، مؤكدا الخشية من عدم امكانية اشراف الممثلين الاممين عليها مع وجود “الميليشيات والسلاح المنفلت”.

وقد تدفع تلك المخاوف الى تأجيل الانتخابات المزمع اجراؤها في حزيران، كما يجري الحديث الان في كواليس القوى السياسية، وهو امر قد يغضب التيار الصدري، أكبر المتحمسين لإجراء الانتخابات المبكرة.

وموقف الصدريين، يعتبره الداعين الى مقاطعة الانتخابات، سببا اضافيا لـ”رفض تحديث بطاقات الانتخابات، وعدم المشاركة في التزوير”، بحسب أمجد حسن.

ويأمل الصدريون هذه المرة في الحصول على 100 مقعد، على الاقل، في البرلمان لإعطائهم حرية أكبر بتشكيل الحكومة.

ورغم ذلك، يأمل حسن في اقناع ابنه بالدخول الى مركز تحديث البيانات قبل انتهاء دوام الفرق الخاصة بالتحديث، واقناعه بان “الانتخابات نزيهة”.

المصدر