بغداد/ تميم الحسن
بعد تحرير تكريت (في نيسان 2015) بايام قليلة خطفت جماعات مسلحة من بلدة واحدة اكثر من 700 شخص خلال 72 ساعة فقط.
وارتفعت ارقام المفقودين في المحافظة بعد ذلك لتصل الى نحو 10 آلاف فرد، لم ينج اي واحد منهم حتى الآن من “مذبحة الاختطاف”.
وتُتهم أربعة فصائل مسلحة باخفاء الضحايا، فيما تشك جهات سياسية بان المغيبين قد تمت تصفيتهم.
ولا توجد في العراق أرقام رسمية لعدد المغيبين والمختطفين، كما تتضارب أرقام المنظمات الانسانية وبعض الهيئات الحكومية بين 4 آلاف واكثر من 20 الف غائب.
ويرجح مسؤولون وذوو مفقودين من الموصل ومحافظات الأنبار وصلاح الدين، ان أبناءهم في معتقلات حكومية “سرية” أو لدى فصائل مسلحة .
كذلك يُعتقد أنّ بعض الأرقام المسجلة كمفقودين، هم “جثث مجهولة” ضمن مقابر داعش الجماعية، المكتشفة وغير المكتشفة. وساق التنظيم أثناء وقبل خسارته المدن التي كان يحتلها، المئات من المدنيين إلى المعتقلات وإلى حملات الإعدام الميدانية بتهمة “التجسس” أو رفض مبايعته.
ويقول مسؤول مطلع في صلاح الدين التقى برئيس الحكومة مصطفى الكاظمي انه سلم الاخير “قوائم بـ9200 مفقود في المحافظة”، اغلبهم اختفوا بعد عمليات التحرير التي بدأت في عام 2015.
ووفق المسؤول ان الكاظمي “وقف واقسم” بعد تسلمه الملف في آب الماضي قائلا انه “سيتابع هذا الموضوع ويكشف مصير المختفين”. وفي نهاية الشهر نفسه كان الكاظمي قد تعهد بمتابعة ملف المغيبين قسراً، اثناء لقائه بعدد من عوائل المختطفين من محافظتي صلاح الدين والأنبار، وأيضا من مدينة الصدر في بغداد. وبحسب المسؤول المطلع هناك “اربعة فصائل -تحفظ على ذكر اسمائها- تم تسميتها للكاظمي، متهمة باختطاف المدنيين في صلاح الدين”.
واكد المسؤول لـ(المدى) ان “فصيلا واحدا اختطف 707 أشخاص خلال 3 ايام في غرب تكريت” عقب ايام قليلة من اعلان تحرير تكريت.
كما قال ان الفصيل ذاته “اختطف 293 في شرق قضاء الدور”، بينما تبادلت الفصائل الثلاثة الاخرى الادوار في اختطاف البقية.
أرقام متضاربة
بالمقابل تنفي مفوضية حقوق الانسان علمها بملف “المغيبين”. وتؤكد ان الارقام والاحصائيات امر يخص الحكومة.
وقال عضو المفوضية فاضل الغراوي في اتصال مع (المدى) ان “المفوضية لا تمتلك معلومات عن المغيبين، وهناك برنامج خاص لدى الحكومة متهم بهذا الملف”.
ولم تعلن الحكومة حتى الان اية ارقام عن ملف المختفين، لكن مفوضية حقوق الانسان قالت في 2019 ان عدد المغيبين هم “4 آلاف شخص” فقط.
وبموازاة ذلك كان المرصد العراقي لحقوق الإنسان، وهو منظمة غير حكومية، قد كشف في 2019 عن “وجود 25 ألف مفقود في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين”.
ويعتقد المسؤول المطلع في صلاح الدين ان “بعض المختفين قد تم اعتقالهم بتهمة الانتماء الى داعش، لكنهم بالحقيقة كانوا اسرى لدى التنظيم”.
واختطف داعش اعدادا كبيرة من الضباط والمنتسبين وشيوخ العشائر في صلاح الدين ونقلهم الى الموصل عقب خسارته صلاح الدين.
ويضيف المسؤول: “160 شخصا اختطفهم داعش من قضاء العلم الواقع في شرق تكريت، ونقلهم الى الموصل بدون مستمسكات، اجبرهم على اطلاق لحاهم ما زاد الشك بانهم دواعش”.
وكانت آخر اخبار المختطفين من العلم، بانهم قد ظهروا في “المستشفى الجمهوري في الموصل” قبل ان يختفوا بعد ذلك.
سجون سرية ومقابر
ويعتقد المسؤول ان بعض المغيبين معتقلين في “سجون سرية” ليست تحت سلطة الحكومة. وكان الكاظمي قد شكل في ايار الماضي، لجنة لتقصي قضية تلك السجون، لم تصدر اي نتائج عنها حتى الان. ويضيف المسؤول: “لكن العدد الاكبر من المفقودين تمت تصفيتهم في مقابر جماعية، اكبرها في الهياكل التابعة لمنطقة الفتحة شرق تكريت، ومجمع الاسمدة قرب بيجي”.
وبحسب المسؤول فان هذه المنطق هي “مقرات وسيطرات تابعة للفصائل المسلحة الاربعة المتهمة باخفاء المدنيين”.
وكانت عشائر في الاسحاقي، جنوب تكريت، قد أعلنت، قبل يومين، العثور على مقبرة جماعية جنوب مدينة تكريت، تضم رفات العشرات من “المغيبين” واتهمت فصائل “ولائية” بتصفيتهم.
وقالت تلك العشائر في بيان يوم الثلاثاء إن “المعلومات المتوفرة عن الجثث المكتشفة في المقبرة هي لعوائل غيبت قسرا من قبل الميليشيات الولائية في تاريخ 25/ 5/ 2015”.
واشار البيان الى ان “هناك مقابر جماعية كثيرة لكن القوات الماسكة للأرض تمنع الأهالي (…) خوفاً من وسائل الإعلام وفتح ملف المختطفين والمغيبين قسرياً”.
وتتفق امل مرعي، وهي نائبة سابقة عن صلاح الدين ومهتمة بمتابعة ملف المغيبين، مع فرضية ان “المغيبين قد تمت تصفيتهم”.
وتقول مرعي في اتصال مع (المدى)، أمس: “مرت اكثر من 5 سنوات على اختفاء نحو 10 آلاف شخص في صلاح الدين، ولم يعثر على اي شخص منهم حتى الان، ولم توجد اسماؤهم في السجون، فهل تحولوا الى اشباح!؟”.
وتشير النائبة الى ان كل المختطفين “هم من الذكور، وبينهم اعداد كبيرة اعمارهم بين 14 و15 عاماً”، مبينة ان نواب المحافظة “طرقوا ابواب رؤساء الحكومات الثلاثة من حيدر العبادي، وعادل عبد المهدي ثم مصطفى الكاظمي، فضلا عن قيادات الحشد ولم يحصلوا على اجابة”.
وتؤكد النائبة ان سكان اغلب مدن صلاح الدين تعرضوا الى عمليات اختطاف، واكثر الاقضية التي شهدت عمليات اختطاف هي “الدور، سامراء، طوزخرماتو، وبيجي”.
والأسوأ في هذه القصة، بحسب المسؤولين في صلاح الدين، ان ذوي المغيبين الذين لم يحصلوا على إجابات عن مصير ابنائهم، لم يحصلوا ايضا على حقوق ضحاياهم او حتى يلاقون احتراما.
ويقول المسؤول في صلاح الدين: “لا تعرف هذه العوائل فيما لو كان ابنائها سجناء ام شهداء، وينظر اليهم على انهم دواعش، كما على العوائل اثبات براءة اولادهم اولا قبل المطالبة بكشف مصيرهم”.