بقلم أ.د عبودي جواد حسنعجمان
دولة الامارات العربية المتحدة
ان تولي مهمة القيادة في عالم الاعمال لم تعد محصورة بأشخاص معينين او محتكرة من قبلهم بل بإمكان أي شخص في يومنا هذا ان يكون قائدا يتولى دور القائد مهما كانت خبرته. ويعنى هذا انه يمكن تدريب أي شخص لكى يكونيصنع أطار يستطيع ضمنه تطوير مهارات التفكير النقدي كي يتمكن من ان يصبح قائدا. ان أكبر التحديات للعديد منا هو القدرة على تجاوز عقبات وعراقيل النجاح في القيادة والتحلي بالسلوك المناسب لقيادة مجموعة من الافراد في عمل ما. هناك الكثير من الكتب والدورات في القيادة الا ان الطرق التقليدية في القيادة أصبحت لا تواكب التغيرات الهائلة التي يشهدها العالم اليوم من بينها ظهور الحاجة الى تحقيق توازن في إبقاء أبناء الجيل الجديد متحفزين بشكل دائما وملهمين من اجل تحقيق الأفضل. الاتجاه في السابق كان التأكيد على الإدارة بدلا من مهارات القيادة. وبالإضافة الى ذلك دراسات القيادة التقليدية في القيادة كانت تميل الى التركيز على شخصية القائد دون اعارة الاهتمام الى الفكرة القائلة ان القائد هو صنيع الظروف الخاصة التي تحيط به ولكن مع ذلك هناك كما يبدو اهتمام متزايد بفكرة الأسلوب المميز وخصال القادة العظام في ضوء بيئة العمل الديناميكية في عصرنا هذا.
ومن الواضح ان القيادة تعني أمورا مختلفة لدى مختلف الأشخاص وكنتيجة لذلك توجد داخل مجموعة العمل درجات متفاوتة من الخلاف حول من يقودهم.
ومن خصال القيادة الناجحة النزاهة والشفافية والاصالة والصراحة كما ان القيادة هي تزواج بين الشخصية والكفاء.
وتعتبر معرفة المرء بذاته وكذلك ثقته بنفسه من الأسس الرئيسة في كفاءة القائد. معرفة الذات مثلا مكملة للثقة بالنفس وتجعل الوضوح هو أساس هذه المهمة. معرفة الذات مثلا تجعل المرء يحدد نقاط ضعفه وقوته. والمعرفة بالذات أيضا تجعلنا نتصور كيف يرنا الاخرون.
القيادة والسلطة
القيادة هي ليست السلطة بل تعني الهام الاخرين وجعلهم يقدمون أفضل ما بإمكانهم وكل هذا يتطلب
صياغة رؤية واضحة للعمل وتوصيل هذه الرؤية للأفراد
وضوح التنظيم
خلق بيئة عمل يستطيع فيها الافراد انجاز أفضل ما بإمكانهم. في معاير التقدم التكنولوجي الحالية لا تعني القيادة التراس او الرئاسة وإصدار الأوامر بل التنظيم الديمقراطي الحر الساعي الى تحقيق الهدف المنشود بكل سلاسة ودون اجبار بل بشعور انساني مسالم.
القيادة تاريخيا ونظرياتها
مفهوم نجاح القيادة كان وما يزال لا ينفصل عن مفهوم تحقيق الانتصارات والنجاحات وقد يؤدي هذا الإنجاز أحيانا الى الزهو والفخر ويؤدي بصاحبه الى الاعتقاد بفرادته وأحيانا بربوبيته. لكن بمرور الزمن تغير كثيرا هذا الاعتقاد.
فقد كان الرومان عندما ينتصر القائد تقام له مسيرة كبيرة احتفاء بالنصر ويقف خلفه خلالها أحد عبيد القائد وهو يهمس في اذنه قائلا “تذكر يا سيدي إنك من البشر”. وكانت أولى نظريات القيادة هي ان القيادة عادة ما يتولاها رجل عظيم (Great Man Theory) خلقه الله كذلك له من الخصال والأساليب تؤهله للقيام بمهام عمله أفضل بكثير من غيره. وتطورت نظريات القيادة بمرور الزمن فمنها من استند على وجوب امتلاك القائد مهارات التواصل والذكاء العاطفي وخاصة مهارة الاستماع والاشراف والتشارك مع الاخرين في سير العمل ومنها من ارجع نجاح القيادة الى انفتاح القائد وعدم انعزاله ((Extrovertist عن الاخرين وعن مجريات الأمور ومنها حسن الإدارة ايضا.
ومن مستلزمات القيادة تجنب الفخاخ (Avoiding Traps) والعمل بروية لإنجاز المهمة وتذكر وقائع التاريخ ان القيادة الألمانية قبل الحرب العالمية الأولى طلبت من هيئة الأركان اعداد خطة لاحتلال فرنسا وتم اعداد الخطة بشكل جيد حيث توجب على الجيوش الألمانية احتلال بلجيكا قبل انجاز احتلال فرنسا مما أدى الى دخول بريطانيا الحرب وفي النهاية هزيمة المانيا.
ومن المستلزمات الأخرى عدم الاعتقاد بمعصومية القائد (Infallibility) ومن الأمثلة على ذلك اعتقاد نابليون بعد حربه العبثية في اسبانيا بمعصوميته من الخطأ وبعدم هزيمة جيشه فوجه قواته الى روسيا للقضاء على القيصر وكانت النتيجة النهائية الهزيمة والاندحار وكذلك فعل هتلر عندما وجه جيوشه الى روسيا حيث كانت جيوشه تواجه مصاعب جمة ولكنه أصر على مواصلة القتال برغم من نصائح مستشاريه وكانت النتائج كارثية بالنسبة الى ألمانيا
وعلى العكس من ذلك كان اتاتورك أبو تركيا الحديثة ((Father of Modern Turkey) كان قائد محنك فقد اوعز الى السلطات التنفيذية عدم اطاعة أوامره المسائية لأنه كان يسرف في الشراب ويدرك انه غير معصوم من الخطأ فكانت أوامره المسائية لا تنفذ بأمر منه.
القائد هو الشخص الذي يتحمل مسؤولية تحقيق الهدف المرسوم والاتيان بالنتيجة المتوخاة. والقيادة لا تعني الدكتاتورية وعدم الاخذ باستشارات الاخرين وعدم الاسترشاد بالسوابق الحسنة والناجحة. الاستشارة كما هو معروف تضمن عادة عدم اتخاذ قرارات خاطئة وأفضل مثال على ذلك ما فعله الرئيس الأمريكي الراحل جون أف كنيدي باختياره مستشارين جنبوه وجنبوا البلاد من مخاطر عديده.
ولا يعني هذا ان تكون شخصية القائد ذائبة في شخصية عضو متنفذ في الجماعة التي يقودها ويصبح القائد في هذه الحال يردد ما يقوله المتنفذ كالببغاء بشكل كوميدي وكما يقال في الإنجليزية ((Yes-man مثير سخرية من يقودهم.
القائد كما يقال هو ليس من يتمتع بكونه قائد يوقع الأوامر التنفيذية على شاشات التلفاز كي يرفع من أسهمه الانتخابية ولكن القائد هو من يقوم بمهام القائد المطلوبة كي يكسب أصوات الناخبين. أي ان يفضل مصلحة من يقودهم على مصلحته الخاصة كي يضرب مثلا في نكران الذات والايثار. ولابد من الإشارة هنا الى ان القيادة في النظم الديمقراطية تعني عدد الأصوات وفي النظم الدكتاتورية تعني المؤسسات العسكرية والأمنية. والإداري الجيد أيضا هو ليس من يحمي ويدافع عن مصلحته فقط بل عليه ان يظهر وبحسن نية دفاعه وحمايته لمن يقودهم او يسير امورهم.
والجدير بالذكر هنا ان كلمة Leadership” ” الإنجليزية لها معنيان أولها القيادة أي تقوم بفعل القيادة والثاني ان تضرب مثلا في القيادة ويقابلها في العربية “القدوة”.