المياه مقابل الاسواق والطاقة

327

نبيل رومايا

قامت إيران مؤخرا بقطع مياه نهري “سيروان والزاب الأسفل”، مما سيؤدي الى الحاق ضررا كبيرا بالعراق، ويتطلب الامر تحركا سريعا من الحكومة وعبر الجهات المعنية لضمان حق العراق في مياه الأنهر القادمة من إيران”.

ونهرا سيروان والزاب الأسفل ينبعان من إيران ويدخلان حدود العراق في محافظة السليمانية.

وتقوم إيران منذ حوالي ثلاث سنوات على الأقل إلى خفض تدفق مياه الأنهر المتجهة إلى العراق أو قطعها بالكامل خلال فصل الصيف، وهو ما يتسبب بضرر للمحاصيل الزراعية ونقص في المياه الخام لمحطات التصفية.

ويؤثر قطع مياه النهرين بشكل كبير على المخزون المائي لسدي “دربنديخان ودوكان” بمحافظة السليمانية وعلى المواطنين والزراعة في حوض النهرين.

ويشكو العراق منذ سنوات من قلة تدفق المياه في الأنهر التي تدخل البلاد جراء نقص تساقط الأمطار في موسم الشتاء فضلاً عن قطع إيران وتركيا للمياه.

وبدأت تركيا بتشغيل سد إليسو المثير للجدل من أجل توليد الكهرباء للمنطقة، مما أدى الى تشريد نحو 80 ألف شخص من 199 قرية، وأثر على إمدادات المياه لنهر دجلة.

وتشكل الأمطار 30% من موارد العراق المائية، بينما تشكل مياه الأنهار الممتدة من تركيا وإيران 70% بحسب المديرية العامة للسدود في العراق.

وقد انخفض مستوى المياه في خزان سد الموصل إلى أكثر من 3 مليارات متر مكعب مقارنة بمستوياته قبل أعوام بعد تشغيل تركيا لسد إليسو.

إن مشكلة التصحر وجفاف البيئة وخسارة الاراضي الزراعية ستشكل كارثة اقتصادية واجتماعية وانسانية كبيرة في العراق، وستسبب في هجرات واسعة من الريف للمدن، وصراعات بين المحافظات والمناطق حول ملكية المياه والانهر، مع نقص كبير في مياه الشرب والسقي والزراعة.

ولم يمر العراق في تاريخه بمرحلة تهدد تصحره وجفافه لوجود الرافدين الكبيرين وروافدهم وخزانات كبيرة للمياه، ولكن السياسات المدمرة للنظام السابق، وعدم اهتمامه بالاتفاقيات المائية الدولية مع دول الجوار، أفقد العراق الكثير من حقوقه، مستغلة وضع العراق الضعيف وعزلته الدولية في تلك الفترة، ومستغلة عجز الحكومة الحالية في المطالبة بالحقوق المائية من دول الجوار بسبب الصراعات الطائفية الداخلية ووقوف هذه الكتل الى جانب هذه الدولة او تلك.

وإذا استمرت الحالة كما هي فأن مؤسسات البحوث الدولية ومنها “المنظمة الأوروبية للمياه” تتوقع ان يخسر العراق موارده المائية بشكل كامل بمجيء عام 2040.

المياه مقابل السوق والطاقة

بلغ حجم التبادل التجاري الرسمي بين العراق وإيران نحو 12 مليار دولار سنويا، وتسعى إيران الى زيادته ليبلغ 20 مليار دولار في الفترة القادمة.

وبلغ حجم التبادل التجاري الرسمي بين العراق وتركيا نحو 61 مليار دولار سنويا، بارتفاع من 13 مليار دولار في عام 2018.

وهذه هي الأرقام الرسمية في التبادل التجاري بين العراق وجارتيها، ولا تشمل السوق السوداء والتهريب والذي ممكن ان تضيف المليارات من الدولارات لهذه الأرقام. سنويا.

وهذه الارقام تجري باتجاه واحد حيث لا يصدّر العراق شيئا يذكر إلى إيران وتركيا.

ان العراق سوق كبيرة للبضائع والمنتجات الإيرانية والتركية في وقت تمر به الدولتان بضائقة اقتصادية عصيبة، والعراق يشكل حيز واسع في التخفيف عن هذه المعاناة. لقد أن الأوان ان ننظر لهذه المعادلة بشكل يضمن مصالح العراق، فـ (السوق مقابل المياه) (والسوق والطاقة مقابل المياه بالنسبة لتركيا) ممكن ان تكون نظرية اقتصادية عراقية صائبة.

إن إيران وتركيا لا يهمهما مصلحة الشعب العراقي ويقومان بقطع المياه والاعتداء على أراضينا في أي وقت يشاءان، اما حان الأوان للعراق أن يقف بحزم ضد هذه الاعتداءات ويطالب بحقوقه مستغلا حاجة تركيا وإيران للسوق العراقية، ام إن الالتزامات الطائفية والسياسات الفاسدة للأحزاب الحاكمة ستقف امام هذه المطالبات.

ومن هذا المنطلق على العراق الدخول في مباحثات سريعة مع دول الجوار وتثبيت الحق العراقي كمصب مائي. والاستعانة بالأمم المتحدة والمؤسسات الدولية القضائية لتثبيت حصصنا المائية. والبدء بشكل سريع بدراسات ومشاريع طموحة لبناء مخازن وسدود على الانهار العراقية للحفاظ على المياه التي تصب في شط العرب والاستفادة منها داخليا وتحويلها الى المناطق الزراعية وتوسيع الرقعة الخضراء.

لقد مرت بلاد الرافدين الممتدة في عمق التاريخ بالكثير من الازمات. وعبر الاف السنين يستمر الرافدان في العطاء لضمان استمرار الحضارات والاجيال، فلنحمي أنهارنا ومياهنا فالحياة منهم.

26 أب 2020

المصدر