قراءة في رواية ( النوارس المهاجرة / رحلة الموت ) للاديبة مريم لطفي

662

السرد الروائي يتناول حوداث كثيرة في محنة الوطن والمواطن . عندما سقط صرح الوطنية , واعتلت الطائفية بسرطانها الخبيث والخطير على زمام الامور . وبهذا التبديل الخطير في الانتماء فقد الوطن والمواطن نعمة الامان والسلام . ووقع في حوافر المعاناة والجحيم , واصبح مصيره لعبة حظ لعصابات الموت والاختطاف . وبالتالي يندفع الى احضان تجار البشر من المهربين , الذين يبعيون اوهام الاحلام في الوصول الى الجنة الاوربية الموعودة والمزيفة . هؤلاء المهربين يتنعمون بالثراء المالي على معاناة المواطنين واحباطهم بالخيبة بالوطن الملاذ المفقود . ان تكون حياتهم رخيصة بين تجار الموت والاختطاف , وبالتالي تكون الارواح البريئة طعماً لحيتان بحر ( أيجة ) ضحايا القوارب المطاطية , في زهق للارواح البريئة . هذه ثمار سرطان الطائفية التي غزت العراق بعد عام 2003 . ان يكون المواطن غريباً وهجيناً في وطنه . هذه حكايات السرد الروائي يتناول حكايات مأساوية , في المدن التي طالها الخراب او التهجير الطائفي , في التهجير والتشريد من ديارهم . وهذه عينة في حكايات المتن الروائي من آلآف الحكايات المأساوية التي حدثت فعلاً , في الكثير من المدن ومنها: ديالى . بغداد . الموصل . سنجار في مذابح الطائفة الايزيدية . ومدن السورية التي غزاها الارهاب الاسود . بعدما ما كانت ملاذ العراقيين بعد الغزو عام 2003 . وكذلك في مدينة كوباني ( عين العرب ) . ان العراق فتحت عليه صندوق ( باندوا ) وانطلقت الاوبئة والفيروسات الخبيثة والخطيرة من رحم الطائفية . تحول الوطن الى دويلات طائفية مغلقة . في الخراب والدمار والعنف الدموي , وانتشار عصابات الخطف . مثلاً بغداد ضربتها عواصف التفجيرات الدموية الارهابية , التي تطال الاماكن المزدحمة . الاسواق , المستشفيات . الجوامع . الكنائس , والاماكن المزدحمة الاخرى شأنها شأن مصير المدن العراقية الآخرى . ان تكون ضحية التفجيرات الدموية . أن تتطاير أشلاء الارواح البريئة في الهواء لتنزل اشلاء متفحمة , بالارهاب الدموي الطائفي . حتى لم تسلم المعالم التراثية والثقافية حتى دور العبادة كالجوامع والكنائس . كثيرة هي الحوادث الدموية المفجعة , لنقتطف بعض من العينات , حكايات السرد الروائي :
× حكاية عائلة ( عادل كريم / ابو نورس ) سائق تكسي يقضي يومه في العمل المتواصل , وفي آخر النهار يرجع الى عائلته المكونة من ( زوجة وثلاثة ابناء , دعاء . نورس . دنيا ) كلهم تلاميذ المدرسة الابتدائية . وفي احد الايام تأخر عن المجيء , فأثار هذا التأخير القلق والخوف في روح زوجته . وبدأت تمر الساعات الثقيلة التي تنهش روحها , واخير في الساعات الاخيرة من الليل , وجد سابحاً في بركة من الدماء يلتقط انفاسه بصعوبة , وهو في حالة يرثى لها . لانه صادف وجوده قرب التفجير الدموي العنيف في احدى المحلات الكبيرة ( سوبر ماركت ) وهو يروم الدخول الى احدى المحلات لشراء حلويات الى اطفاله , وهز المنطقة انفجار دموي هائل ( أودى بحية العشرات . دمار .. خراب . أشلاء متفحمة , رائحة البارود واللحم البشري المشوي تزكم الانوف منه , خرير السخام ينزل من السماء ……………… رائحة الموت تملاء المكان , وتحرق الرئتين وتثير الرغبة بالقيء , واستفراغ كل شيء ختى الاحشاء . فزع , ورعب , وامهات وأباء يبحثون عن آثار أبنائهم , الذين امتزجت أشلائهم مع الركام ) ص12 . هذه الحادثة من مئات الحوادث المأساوية في التفجيرات الدموية . اضافة الى اعمال عصابات الاختطاف يختطفون الضحية مهما كان : طفل أو أمرأة أو رجل , من اجل الفدية المالية وحينما تدفع عائلة الضحية المال , تستلم ابنها مقتولاً مرمياً في حاويات الازبال . اضافة الى العصابات الطائفية التي تمارس الارهاب والتهديد , في تهجير وتشريد المواطنين من ديارهم , في عمليات التصفية الطائفية والعرقية , التي ضربت العراق في سرطانها الخبيث . مما يضطر المواطن ان يهرب من داره ليفتش عن مكان أخر آمن لعائلته . وحتى الاعياد المقدسة لم تنجو من حقدهم الطائفي . فهذه كنيسة النجاة كانت مسرحاً لتفجير دموي بمثابة مذبحة بشرية هائلة لاخوتنا المسيحيين . كان في يوم الاحد عيد الميلاد وتجمع عدد كبير من الناس حاملين الورود والزهور, ولكن داهمتهم شاحنتين محملة بالمفجرات وليس شاحنة واحدة , هذا يدل على حجم الحقد الطائفي العنيف والمرعب . ان يتحول العيد الى مأتم كبير . وهذا التفجير الدموي هو جزء من الحوادث الكثيرة في التفجيرات الدموية التي طالت بحقدها الاقليات الدينية . وكذلك ماحدث في سنجار في مذبحة بشرية دموية للطائفة الايزيدية , وتحولت نسائها وفتياتها الى السبي وبيع في سوق النخاسة .
× حكاية عائلة ( ابو سرمد ) في مدينة ديالى التي كانت رمز التعايش السلمي . حيث يعيش فيها بسلام . العربي والكردي والتركماني والسني والشيعي . لكنها تحولت الى بؤرة للارهاب الدموي والتهجير الطائفي , والقتل على الهوية . فكان ( ابو سرمد ) تاجراً ميسور الحال يملك شاحنة وسائق خاص . لكن تعرض لتهديد بالموت اذا لم يترك داره , واضطر الى الهروب الى بغداد . ولكنه وقع في قبضة عصابات الاختطاف . فخطفوا ابنه الصغير عندما خرج من مدرسته الابتدائية , وطالبوا بفدية مالية كبيرة , اضطر ( ابو سرمد ) ان يبيع ما يملك حتى الشاحنة من اجل انقاذ طفله من الموت . ودفع الفدية واستلم طفله بين الحياة والموت .
× الموصل الحدباء : المدينة الحضارية والاشورية العريقة , في معالمها واثارها الحضارية والاسلامية . في معالمها الشاخصة في الاثر الاسلامي في الجامع النوري الكبير , وهو اقدم اثر اسلامي عند الموصليين. وخاصة منارته الحدباء . ضربتها الارهاب الدموي المدمر . وتهدمت مع الجامع وتحولت الى الانقاض , وكانت الموصل مسرحاً للمذابح البشرية , هكذا فعلت غربان السود في حقدهم الانتقامي .
× مدينة كوباني ( عين العرب ) المدينة الكردية كانت مسرحاً للخراب والدمار والمذابح العرقية طالت الجميع من الارهاب الاسود . مما اضطر السكان الى الهرب من ديارهم , وبعضهم خاض غمار مغامرة الهجرة الى تركيا , بهدف الوصول الى البلدان الاوربية , عبر الجزر اليونانية القريبة من السواحل التركية , عبر الابحار في القوارب المطاطية بواسطة تجار البشر من المهربين .
× أسطنبول : تجمعت الآف العوائل العراقية والسورية المشردة من جحيم الموت والطائفية والارهاب . ومنهم عائلة ( عادل كريم / ابو نورس ) ليتخلصوا من العصابات الطائفية , ليقعوا في قبضة تجار البشر من المهربين . في ارسال الضحايا في قوارب الموت المطاطية . وكثير من الحوادث المأساوية بتعرض هذه القوارب الى الغرق في بحر( أيجة ) بحجة العبور ثم طلب اللجوء الى البلدان الاوربية ( كل اللاجئين مساكين , وكل المهربين يتشابهون بالوعود , بعضهم يفي , وبعضهم ينكث , وهكذا فالامر مرهون بالصدفة , وراجع الى كم تدفع ) ص70 . حاول ( أبو نورس ) ان يجرب حظه في قوارب الموت المطاطية . رغم خشية زوجته , لانها تخشى المخاطرة , هكذا يلوح لها الغراب الاسود المشؤوم . الذي يظهر لها مع كل حادثة مأساوية ودموية . ولكن اصرار زوجها على مغامرة الإبحار الى الجزر اليونانية القريبة واتفق مع أحد المهربين . في ليلة الموعودة في الابحار كانت المفاجأة والصدمة في العدد الكبير , الذين يحملهم القارب المطاطي ( – يا ألهي كل هذا العدد ؟ , لكن القارب لا يتسع لكل هذا العدد , اربعة عشر شخصاً والقارب يتسع لثمانية كيف هذا ؟! هذا لا يجوز , انها مجازفة كبيرة ) ص78 . . ولكن اجبروا على الابحار وكان الحدث المتوقع حين انكشفت انوار الصباح , على الفاجعة المأساوية بغرق من كان بالقارب المطاطي ( وفي الصباح وجدت الجثث , وكأنها زهور تزين الشاطئ , وطافت عليها النوارس تصلي وتبتهل , فقد تركت كل شيء هناك , وجاءت لرؤية النوارس البيضاء ) ص82 , وفقدت عائلة ( ابو نورس ) كلها في انقلاب قارب الموت المطاطي عليهم , وصعدت ارواحهم الى الفردوس الاعلى .
× الرواية : النوارس المهاجرة / رحلة الموت
× المؤلف : الكاتبة مريم لطفي الالوسي
× تاريخ الاصدار : نهاية عام 2017
× الناشر : دار عدنان للطباعة والنشر والتوزيع / بغداد
× عدد الصفحات : 160 صفحة
جمعة عبدالله

المصدر