كان يمكن تلافي عملية تعويم الدينار إزاء الدولار

598

كان يمكن تلافي عملية تعويم الدينار إزاء الدولار

بقلم مهدي قاسم

عادة توجد خيارات عديدة في السياسات الاقتصادية وطرق تتبعها دون الإضرار بالمصلحة العامة أو التأثير السلبي على المستوى المعيشي للشرائح والفئات الاجتماعية الفقيرة ، ولكن قبل أي شيء الآخر هو ، أخذ بنظر الاعتبار الجانب الإصلاحي للوضع الاقتصادي أثناء القيام بإجراءات معينة هادفة لوقف التدهور المالي للبلد ..

وقد بادر العديد من الاقتصاديين المختصين وكذلك بعض الكتّاب إلى إلفات نظر حكومة مصطفى الكاظمي إلى بعض الحلول التي رأوا أنها قد تكون بمثابة خطوات إصلاحية تمهيدية للإصلاح ، مثل ترشيد وترشيق النفقات العامة تخفيض الرواتب الكبيرة والضخمة وفرز المتقاعدين الفضائيين والسعي الحثيث والجديد لاسترجاع مئات المليارات المنهوبة من المال العام ، رفع الضرائب على السلع و البضائع والمنتجات الزراعية القادمة من وراء الحدود ، تشديد الرقابة على المنافذ الحدودية لحماية وضمانة الجبايات المالية لكي تضخ إلى خزينة الدولة مباشرة ، دمج سفارات ببعضها بعض في بلدان متجاورة واقتصارها على سفارة واحدة تمثل العراق في بلدين في آن واحد ، عدم شراء أسلحة بمليارات الدولارات والخ ( إذ يمكن محاربة داعش الآن حتى ببندقية كلاشنكوف فقط ) ، فضلا عن إجراءات اقتصادية أخرى التي من شأنها أن تجلب شيئا من المال إلى خزينة الدولة ..

غير أنه بدلا من ذلك قررت الحكومة اختيار أسهل وأخطر الحلول الاقتصادية إلا وهي عملية تعويم الدينار مقابل الدولار في ضربة قوية لقيمة العملة المحلية ..

وبالمناسبة أن تعويم العملة المحلية إزاء الدولار ليست بجديدة ، إذ لجأت إليها حكومات أخرى إلى مثل هذه الوسيلة والحل المؤقت، ولكنها فعلت ذلك من أجل تنشيط الاقتصاد بالدرجة الأولى ، وذلك على أمل بيع كثير من بضائع ومنتجات محلية من خلال تصديرها إلى أسواق خارجية ، ولكن في حالة العراق ماذا يمكن بيعه من بضائع وسلع غير النفط الذي يُباع اصلا بسعر الدولار ؟!..

مع العلم أن عملية تعويم قيمة الدينار مقابل الدولار سُتثير حساسية السوق بشدة ، كما أنها تؤثر تلقائيا على جميع الأسعار وترفعها بشكل محسوس في جيوب ذوي الدخل المحدود والفقراء وغيرهم من فئات محرومة أخرى ، وتحد جدا من قوتهم الشرائية بشكل ملحوظ ..

هذا دون أن نضيف إلى أنه قد حَدَث ما تنبأنا به وحذرنا منه طيلة السنوات الماضية وعبر مقالات عديدة..

مثلما فعل ذلك غيرنا أيضا

ولكن ليس من عادة عصابات اللصوص الاستماع أو الاستجابة لحلول ومقترحات تحد من عمليات لصوصيتنهم الممنهجة والجشعة..

هامش ذات صلة :

(

رسمياً .. المركزي العراقي يحدد سعر صرف الدولار

بعد تذبذب شهده خلال الايام القليلة الماضية ، أعلن البنك المركزي العراقي في بيان مطول ، مساء اليوم السبت، تحديد سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي.

وذكر البنك في بيان أنه “خلال الأشهر الأخيرة من هذا العام، جرت مداولات مكثفة مع رئيس الوزراء ووزير المالية والسلطة التشريعية، بشأن الوضع الاقتصادي عموماً والأزمة المالية التي تمر بها المالية العامة بسبب انخفاض أسعار النفط وإنتاجه والتحديات الاقتصادية والصحية، كما عقد مجلس إدارة البنك المركزي عدداً من الاجتماعات استضاف في بعضها وزير المالية لذات الغرض”.

مضيفاً، “أن التشوهات الهيكلية في الاقتصاد العراقي هي التي أفقرت المالية العامة وقيدّت قدرة الإصلاح التي تسعى إليها الحكومة ووزارة المالية، فليس مصادفة أن يكون الوضع المالي بهذا السوء، ولا هو وليد السنة الحالية أو التي قبلها، ولكنه تأصل للأسف منذ أكثر من عقد ونصف بسبب قيادة السياسة للاقتصاد وتغليب التفكير السياسي وأولويات السياسيين على الفكر الاقتصادي وأولويات التنمية وقواعد العلاقة بين السياسة الاقتصادية من جهة والسياستين المالية والنقدية من جهة أخرى.. فتخلفت السياسة المالية عن أداء أدوارها، وانشغلت السياسة النقدية بترميم مخرجات السياسة المالية المرتبكة”.

وأشار البنك إلى أن “تبعية السياسة الاقتصادية والمالية لطموحات السياسيين ومشاغلهم، أودت بآخر النماذج المقبولة للإدارة المالية في العراق، وحصرت دور تلك الإدارة بتوزيع الموارد النفطية على متطلبات إدامة الحياة كالرواتب والمتطلبات التشغيلية، ولم تتصدَ وزارة المالية لأدوارها وموقعها الريادي في الشأن الاقتصادي. فضلا عن كونها افتقرت إلى العديد من المعلومات الاقتصادية والمالية التي يمكن أن تسّهل عليها وعلى متخذ القرار في الدولة توجيه الأهداف قصيرة ومتوسطة الأمد. الأمر الذي يستدعي التوجه الفاعل لبناء قواعد بيانات اقتصادية ومالية تسهل اتخاذ القرارات وتخدم التنبؤات”.

وتابع “بسبب هذهِ الأحوال مجتمعة، لم يكن أمام البنك المركزي إلا التدخل في أكثر من مناسبة، لدعم المالية العامة وإنقاذ متطلبات الانفاق العام الحرجة.. غير أن ذلك لا يعني أن هذهِ التدخلات تبقى مفتوحة بلا ضوابط ولا نهايات”.

واوضح البيان، “يتفهم البنك المركزي المصاعب التي تواجه نوايا الإصلاح التي تتجه الحكومة للقيام بها، ولكن ذلك لا يمنع من رهن أية خطوات يمكن أن تقوم بها السلطة النقدية بخطوات فاعلة لإجراء الإصلاحات التي تمس حتماً مؤسسات السلطة المالية، وخصوصاً مؤسسات الجباية الفاعلة، الكمارك والضرائب، ومؤسسات الجباية العامة الأخرى، وأن يجري ترشيق الانفاق وترشيده، وكل ذلك يعتمد على الإرادة السياسية لمؤسسات الدولة العليا التي تدعم توجهات السلطة المالية لتحقيق ذلك، ويتطلب الأمر توجه الحكومة لدعم الفئات الهشة التي ستتأثر حتماً بشكل مباشر خصوصاً بأي إجراء لتغيير سعر الصرف”.

مبيناً، “سيكون للسلطة التشريعية دور مهم في دعم توجه البنك المركزي لتعديل سعر صرف العملة الأجنبية، إذ أن عدم اتخاذ مثل هذا القرار قد يجعلنا مضطرين لاتخاذ قرارات صعبة قد تضع العراق في حالة مشابهة لما تعرضت إليه دول مجاورة”.

مشيرا إلى أنه “يتوجب التأكيد هنا بأن هذا التغيير (التخفيض) في قيمة الدينار العراقي سيكون لمرة واحدة فقط ولن يتكرر، وسيدافع البنك المركزي عن هذا السعر واستقراره بدعم من احتياطاته الأجنبية التي لم تزل بمستويات رصينة تمكنه من ذلك”.

لافتاً إلى أن “الأزمة المالية التي تعرض لها العراق بسبب جائحة كورونا وما أسفرت عنه من تدهور أسعار النفط وتراجع الإيرادات النفطية، أدى ذلك إلى حدوث عجز كبير في الموازنة العامة واضطرار وزارة المالية إلى الاقتراض من المصارف وإعادة خصمها لدى البنك المركزي وبمبالغ كبيرة، لغرض دفع الرواتب وتلبية الاحتياجات الإنفاقية الأخرى المتعلقة بالخدمات المقدمة للمواطنين، كما أن الاستمرار بسعر الصرف الحالي، الذي لا يتناسب بجميع الأحوال مع معدلات أسعار الصرف لدى الدول الأخرى أصبح يشكل عائق كبير لإجراء التنمية الحقيقية وتعزيز التنافسية للإنتاج المحلي الأمر الذي دفع البنك المركزي إلى التفكير الجدّي بالاستجابة لمتطلبات تمويل الموازنة بسعر الصرف الذي يتيح توفير الموارد الكافية لتغطية هذه الاحتياجات وضمان انسيابية دفع الرواتب والمتطلبات الحرجة للإنفاق الحكومي، وحرصاً من البنك على تفادي استنزاف احتياطياته الأجنبية، والتي تمثل الرافعة المالية الأساسية للاستقرار النقدي في العراق، وحرصه على اسناد المالية العامة، باعتباره مستشار الحكومة والمسؤول عن مسك حساباتها”.

مردفاً، بأنه “تأسيسا على ما تقدم، فقد قرر البنك المركزي العراقي تعديل سعر صرف العملة الأجنبية وكما يلي:

– 1450 دينار لكل دولار سعر شراء العملة الأجنبية من وزارة المالية

– 1460 دينار لكل دولار سعر بيع العملة الأجنبية للمصارف

– 1470 دينار لكل دولار سعر بيع العملة الأجنبية للجمهور “.ــ نقلا عن صحيفة صوت العراق ) .

المصدر