يجب إزالة الحدود المصطنعة التي قسمت أمماً وشعوباً عديدة كي تعود كما كانت قبل تقطيع أوصالها ظلماً
محمد مندلاوي
لقد بات جلياً حتى للطفل الذي لم يبلغ الحلم، أن حدود الدول والكيانات الكثيرة التي خطت على أرض كوكبنا الأزرق، لقد خطها حراب الدول المنتصرة في الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو في حروب عبثية أخرى وقعت قبلهما أو بعدهما، وفي مقدمة هذه الدول اللعينة التي كانت لها اليد الطولى في تنفيذ هذه الجريمة النكراء ضد شعوب عريقة كانت متحدة وموحدة أرضاً ولغة وتاريخاً في أوطانها هما دولتان أوروبيتان لعينتان فرنسا وبريطانيا اللتان كانتا قوتان عظيمتان في تلك الحقبة السوداء، وذلك من أجل أن تتناسب تلك الحدود الظالمة التي قسمت الأمة الواحدة إلى أشلاء متفرقة مع أطماعهما الاقتصادية الدنيئة، وسياسياً، لكي تنسجم هذه الحدود المصطنعة على الأرض مع مواقعهما الجيوبوليتيكة (الجغرافية السياسية) وأهميتها الجيواستراتيجية (الجغرافية الإستراتيجية). للعلم، هناك عشرات الجزر في البحار والمحيطات التي تبعد عن فرنسا آلاف الكيلومترات إلا أنها لا زالت محتلة وتخضع لفرنسا ولا تريد أن تعيدها إلى الدول التي تشكل جزءاً من أرضها الوطنية، كجزيرة “جوان دي نوفا” التابعة لدولة مدغشقر، وهناك ثلاث جزر أخرى تابعة لمدغشقر لا زالت محتلة من قبل فرنسا… . وهناك جزر وأراضي أخرى في أمريكا الجنوبية وغيرها هي الأخرى لا زالت تخضع للحكم الفرنسي، مع إنها كما قلنا تبعد عنها آلاف الكيلومترات؟؟!!. وهكذا الأمر بالنسبة لبريطانيا التي تحتل جزر “فوكلاند” والتي تطالب صاحبتها أرجنتين، التي تبعد عن ساحلها أقل من 500 كيلومتر، بينما تبعد عن بريطانيا آلاف الكيلومترات، تصور عزيزي القارئ؛ أين تقع بريطانيا وأين تقع فوكلاند؟؟!!. بل حتى في قارة أوروبا، هناك جبل طارق الذي هو جزء من أرض إسبانيا وملاصق بها، وعلى مر الأعوام تطالب إسبانيا من بريطانيا إعادتها لها، إلا إنها ترفض طلبها، إنه إلى يومنا هذا تتبع إدارياً للتاج البريطاني!! إن الحل له يكمن باستفتاء أهله إما أن يقبلوا أن يبقوا تابعين للتاج البريطاني، أو يريدوا العودة إلى إسبانيا، أو الاستقلال التام عن كلاهما. وهناك غيره كثر على كوكبنا، لكن لا أحد يسمع أنين المظلومين على يد الظالمين. واليوم نرى القوة العظمى الوحيدة في العالم، التي حلت بعد حرب العالمية الثانية محل فرنسا وبريطانيا، لكنها ليست أفضل منهما أن لم تكن أسوأ منهما في تعاملها… مع الشعوب المظلومة، وفي مقدمة هذه الشعوب الشعب الكوردي الجريح، لقد غدرت القوة العظمى عام 1975 بهذا الشعب الجريح في جنوب كوردستان، وكررت نفس الغدر بالشعب الكوردي مرة أخرى حين سمحت لذاك التركي الطوراني الأرعن باحتلال أجزاءً واسعة من غرب كوردستان، كمدينة آفرين (عفرين) عام 2018 وتل أبيد (تل أبيض) عام 2019 والآن تريد ذلك الطوراني قضم عين عيسى أيضاً، لكن أمريكا كالعادة ساكتة ولم تحرك ساكنا إلى الآن ضد هذا الطوراني الدموي، الذي لا يعرف غير لغة القوة!!.
دعني عزيزي القارئ الكريم، أن أضع أمامك أسماء عدداً من الشعوب الجريحة المغلوبة على أمرها، التي قطعت أوصالها سكين الجزار الفرنسي والبريطاني الملطخة بدماء الأمم البريئة. من هذه الأمم التي وقعت تحت هذه السكين وقطعت وطنها إلى عدة أجزاء بين كيانات مصطنعة استحدثتها دولتي فرنسا وبريطانيا هي الأمة الكوردية، التي مزقت الضباع البشرية وطنها كوردستان إلى عدة أجزاء بين كيانات مهترئة وهي: العراق، إيران، سوريا، تركيا، واتحاد السوفيتي السابق، الذي أصبحت روسيا وريثته الشرعية، نتمنى لهذه الأخيرة ورئيسها الأرعن المدعو “بوتين” أن تلحق بذاك الاتحاد إلى عالم اللا عودة. عزيزي المتابع، منذ ذلك اليوم الأسود، الذي جرى فيه تقطيع أوصال الشعب الكوردي بين تلك الكيانات الهزيلة، باستثناء الاتحاد السوفيتي الذي صار في ذمة التاريخ وإلى يومنا هذا أن الشعب الكوردي الأبي في ثورة دائمة ضد تلك الجريمة النكراء التي نفذت ضده من قبل الذين يدعون اليوم زوراً وبهتاناً أنهم يستصرخون الحق، ويدافعون عن حقوق الإنسان إلى آخره من هذا الكلام المعسول، الذي يضحكون به على بعض الشعوب الساذجة، التي لن تستفيق بعد من سباتها، بلا شك أن الشعب الكوردي العريق ليس من هذه الشعوب النائمة، لأنها إلى يومنا هذا رافع السلاح المقاومة وفي ثورة عارمة ضد الكيانات التي استحدثتها فرنسا وبريطانيا ووكلائهما وهم الاحتلال الإيراني، والسوري، والعراقي، والتركي الطوراني القادم من آسيا الوسطى.
الشعب الآخر الذي تعرض إلى تقطيع أرض وطنه عنوة بين ثلاث كيانات لا تعرف الرحمة هي كل من: إيران، باكستان، وأفغانستان هو الشعب البلوشي المسالم، ووطنه الذي مثل كوردستان اسمه مقترن باسم شعبه إلا وهو بلوشستان المطل على بحر العرب.
هناك وطن آخر جرى تقسيمه منذ أمد بعيد بين صربيا واليونان وبلغاريا إلا وهو أرض مقدونيا التي أعلنت بعد أفول نجم يوغسلافيا جمهورية في شمالها باسم جمهورية مقدونيا الشمالية، لكن لا زالت أجزاء من أرضها تخضع ليونان وصربيا وبلغاريا.
وفي غرب إفريقيا، هناك وطن صحراوي مترامي الأطراف معروف في العالم باسم “الصحراء” كان محتلاً من قبل دولة إسبانيا حتى أواخر قرن العشرين، إلا أنها انسحبت منه، وسرعان ما احتله كل من المغرب وجزائر وموريتانيا لكن هذا الأخير احترم نفسه وانسحب منه وترك مصيره لشعبه الصحراوي، الذي أسس عام 1976 جمهورية على أرضه باسم “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” إلا أن مملكة المغرب لا زالت تعاند وتصر زوراً وبهتاناً على أن الصحراء جزء من أرضها، لكن شعب الصحراء لم ولن يقبل بسيادة المغرب عليها، لقد رفع السلاح وقاوم الاحتلال المغربي لها، وحصل على مر الأعوام على اعتراف دولاً كثيرة بها أعضاءً في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. لكن الكاوبوي الأمريكي “ترامب” قام هذه الأيام بمقايضة المغرب عليها، مقابل أن تعترف المغرب بدولة إسرائيل وتبني معها علاقات سياسية، وفي المقابل اعترفت أمريكا بسيادة المغرب على الصحراء. لكن، إرادة الشعوب هي التي ستنتصر في النهاية رغماً عن أنف تجار السياسة.
من الأراضي التي قطعت أوصلها ظلماً، هي أرض آذربايجان، التي كانت تاريخياً جزءاً من أرض كوردستان، وكانت قبل الميلاد جزءاً من دولة ميديا الكوردية، واسمها القديم “آتروپاتگان” وكانت فيها واحدة من سبعة مواقد النيران الزرادشتية المقدسة في عموم إيران، وكانت إيران في ذلك التاريخ أرض الآريين. للعلم، أن آذربايجان كانت منطقة واحدة موحدة حتى الحرب الإيرانية الروسية، واستقطع جزءاً منها بعد الحرب المذكورة في معاهدة “گلستان- جلستان” لروسيا القيصرية، والجزء الآخر منها بقيت في إيران، وقامت إيران إلى شقها من الوسط إلى محافظتين آذربايجان الشرقية ومركزها “تبريز” وفيها اليوم أغلبية من المستوطنين الأتراك الذين قدموا من آسيا الوسطى. وآذربايجاني الغربية ومركزها “أورمية” ولا زالت شامخة وتقاوم الأوباش كمدينة كوردية عريقة، وسكانها من الكورد الأصلاء. لكن بفضل الأطماع الفارسية والروسية الدنيئة قسمت أرض آذربايجان إلى ثلاثة أقسام، واستتركت غالبيتها عنوة من قبل الأتراك الأشرار أحفاد هولاكو وجنكيزخان، الذين كما أسلفت قدموا من آسيا الوسطى وغزوها كأسراب الجراد التي تحتاج إلى مبيدات كيميائية لإبادتها وتطهير الأرض منها. فيما يتعلق باسم “آذربايجان” تقول لنا كتب التاريخ إنها سميت بهذا الاسم نسبة لموقد النار الزرادشتي الذي كان مشتعلاً فيها وظلت موقدة ولم تنطفئ لعدة قرون حتى جاءت الأعراب باسم الإسلام وخمدوه. إن اسم آذربايجان مكون من مقطعين “آذر” اسم من أسماء النار، و”بايگان” بمعنى حافظ، أي: حافظ النار. وهناك من يقول سميت بهذا الاسم نسبة لقائد من قادة “اسكندر المقدوني” واسمه “آترپاتوس” لكن الاسم الأول أقرب إلى الواقع والحقيقة.
الأرض الأخرى التي قسمت دون وجه حق بين سوريا ولبان وإسرائيل هي أرض الدروز،هي الأخرى يقال عن مواطنيها الدروز بأنهم من الكورد، بدليل أن رئيسهم (وليد جنلاط) ووالده (كمال جنبلاط) لم ينكران انتمائهما الكوردي، ليس هذا فقط، بل حتى الكتب العربية وغيرها تقول هذا، هذا هو المنجد العربي المطبوع عام 1973 بدار المشرق في لبنان يقول في مادة النون: جنبلاط: من أسر لبنان الدرزية، تنتسب إلى جان بولاد الكردي. ويضيف المنجد: استقلت بحكم كلس قرب حلب في بداية القرن 17 ثم هاجرت إلى لبنان عام 1630 بدعوة من الأمير فخر الدين الثاني المعني فأصبح مشايخها من زعماء الإقطاع في لبنان. اشتهر منهم جان بولاد… . واسم جان بولاد الذي حرف إلى جنبلاط يعني بلغة الكورد: ذات الروح الفولاذي.
وهناك أيضاً بلاد النوبة، التي تتقاسمها كل من مصر والسودان، والنوبة ليسوا عربا، شعب قائم بذاته وله لغته القومية الخاصة به وتسمى اللغة النوبية، و وطنه يسمى بلاد النوبة، وشعب النوبة من الشعوب العريقة وتاريخه يمتد إلى آلاف السنين قبل الميلاد، إلا أنه من الشعوب المغضوب على أمرها من قبل العرب المستعربة في كل من مصر والسودان الذين يغتصبان وطنه عنوة.
ومن الأراضي الشاسعة التي قسمت بين عدة دول هي أرض تركستان التي تتقاسمها كل من الصين وروسيا وأفغانستان، القسم الصيني يسمى “تركستان الشرقية” والقسم الروسي (السوفيتي) يسمى تركستان الغربية، وبعد أفول نجم الاتحاد السوفيتي استقلت تركستان الغربية التي تقبع على أرضها اليوم الجمهوريات التالية: 1- أوزبكستان 2- كازاخستان 3- قيرغيزستان 4- تركمنستان 5- طاجيكستان. أن غير متأكد من هذه الأخيرة هل هي تقع ضمن تركستان أم لا لأنها تتكلم الفارسية، والطاجيك مصطلح أطلقه الأتراك على الشعوب الإيرانية التي تتكلم الفارسية. ونتوءات من أرض تركستان تقع في أفغانستان وتسمى تركستان الجنوبية.
لا ننسى هنا أن نذكر أرض الباسك، التي تتقاسمها كل من فرنسا وإسبانيا، ومساحتها ضعف مساحة جمهورية لبنان. للعلم، أن رئيس الفرنسي السابق (فرانسوا ميتران) كان من الباسكيين؟. وفي الجانب الإسباني، لدى الباسك حكم ذاتي، إلا أنهم يطالبون بالاستقلال التام عن دولة إسبانيا كي يؤسسوا دولتهم الوطنية أسوة بدول العالم، إلا أن إسبانيا لا توافق على طلبهم الشرعي والعادل. لكن، حتماً في النهاية ستخضع إسبانيا للأمر الواقع وتترك شعب الباسك وشأنه حتى يستقل عنها ويعلن دولته الوطنية.
ومن الأمم الكبيرة التي ظلمت زوراً هي الأمة الأمازيغية في شمال إفريقيا،إنها أمة كبيرة وعريقة ولها تاريخ قديم جداً، وكانت أراضي وطنها قبل الاحتلال العربي تمتد على مساحات شاسعة في قارة إفريقيا حيث تبدأ من المغرب إلى مصر، ومن تونس إلى النيجر. بهذا الصدد تقول لنا الموسوعة الحرة أن أراضيها كالتالي: مغرب وجزائر وتونس وليبيا وشمال مالي وشمال النيجر وغرب مصر إلى جزر الكناري. لكن كما أسلفنا، أن هذه الأمة الكبيرة لا زالت ترزح تحت نير هذا الاحتلال البغيض، الذي قسم وطنها إلى أشلاء متناثرة بين كيانات عربية وغير عربية استحدثتها في العصر الحديث دولة فرنسا.
نكتفي بهذا القدر، وإلا هناك أسماء شعوباً كثيرة لا تعد ولا تحصى ظلمها شعوب أخرى استطمعت بثرواتها التي في باطن أرضها وفوقها أو في مواقعها الإستراتيجية، كجامو وكشمير المقسمة بين الهند والصين وباكستان، وإسرائيل التي تحتل العرب جزءاً منها وتسميه فلسطين، ويوروبا المقسمة بين نيجيريا وبنين وتوغو، وكاتلان مقسمة بين إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، والمايا المقسمة بين غواتيمالا والمكسيك وهندوراس وسلفادور وبليز وهذه الأخيرة كانت تسمى سابقاً هندوراس البريطانية الخ الخ الخ. تصور عزيزي القارئ، أن دولة مثل السويد تقع في الشمال الأوروبي بعد الحرب العالمية الأولى وترسيم الحدود على الأرض بين المنتصرين كانت لها مجموعة جزر باسم جزر”أولاند = Åland” كانت محتلة من قبل روسيا القيصرية منذ عام 1809 وبعد الحرب المذكورة وجبت أن تعود هذه الجزر المغتصبة إلى السويد، لكن المنتصرون في الحرب، قالوا لها: إن أراضيك كبيرة وشاسعة وهذه الجزر نمنحها لفنلندا. لكن، رغم مرور كل هذه الأعوام على إلحاق تلك الجزر السويدية بفنلندا إلا أن أهلها لا زالوا يتكلمون اللغة السويدية، وكل شيء فيها باللغة السويدية حتى لافتات المرور.
“قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر … وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر”
شكراً لكِ ولكَ على قراءة المقال
19 12 2020