أولويات العراقيين تغادر الكمامة: 31.7% من السكان فقراء

147

بغداد/ أ ف ب

حرص العراقيون بغالبيتهم على وضع الكمامة واستخدام وسائل الوقاية من فايروس كورونا خلال الأشهر الأولى لتفشي المرض رغم ندرتها وارتفاع أسعارها، لكن التزامهم تراجع في الأشهر الأخيرة على وقع أزمة اقتصادية خانقة غيّرت أولويات الكثير منهم.

وعند التجول في شوارع بغداد، يلاحظ عدد الأشخاص القليل الذين يضعون كمامات، رغم توافرها بكميات كبيرة في الصيدليات وحتى لدى الباعة المتجولين.

وفي صيدلية بمنطقة زيونة ببغداد، يقول أحد الزبائن، وهو عسكري متقاعد رفض ذكر اسمه “عندما أتجول مع زوجتي واضعين كمامة في الطريق، ينظر لنا كثيرون كأننا نقوم بأمر خاطئ”.

من جهته يقول أحد المشرفين على الصيدلية نافع فراس (23 عاما) “نبيع الكمامات بسعر التكلفة تقريبا، بسعر 3 آلاف دينار”. ويضيف “نحرص على توفير نماذج للأطفال وأخرى بألوان زاهية لترغيب الناس في وضعها”.

مع ذلك، تراجع الإقبال على شراء الكمامات وسوائل التعقيم في الفترة الأخيرة ما جعلها تتكدس في زاوية واسعة من المحل بانتظار من يشتريها.

تغيّر في الأولويات

يفسر فراس الأمر بوجود “إحساس عام بتراجع حدة الوباء أدى إلى إهمال”، رغم أن الفايروس ما زال يودي بحياة عشرات العراقيين يوميا (تراوحت الوفيات اليومية بين 69 و24 خلال تشرين الثاني).

ولا يلتزم غالب زبائن هذه الصيدلية بوسائل الوقاية رغم وجود لافتات تشدد على وضع الكمامة ووسائل تعقيم لليدين عند الباب.

ويعتبر الصيدلي أن اتخاذ قرار يلزم بوضع الكمامة في كل الأماكن العامة قد يكبح تفشي الفايروس، لكن “لا يمكن للدولة أن تفرضه لا سيما في المناطق الشعبية”.

بدوره يرى صاحب محل المواد الغذائية محسن حيدر (44 عاما) أن استعمال وسائل الوقاية “يتطلب امكانيات لا يقدر عليها الفقراء”، خصوصا من يعيلون عائلات كبيرة.

ويؤكد حيدر أن المسألة تعود إلى “تغيّر في الأولويات” لدى شريحة واسعة من الناس صار اهتمامهم منصبا أكثر على توفير لقمة العيش.

ويسجل بشكل واضح التزام أكبر بوضع الكمامة في مناطق الطبقتين الوسطى والثرية مقارنة بالأحياء الشعبية في بغداد.

وأفاد مسؤول كبير في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر وكالة (فرانس برس) أن شحنة من 200 ألف كمامة وقفاز لا تزال عالقة في الكمارك العراقية ويواجهون عراقيل إدارية للحصول عليها.

وأوضح المسؤول أن الشحنة موجهة للمقيمين في مناطق يصعب الحصول فيها على هذه المواد والأطقم. وبسبب تداعيات الأزمة الصحية، بات 4.,5 ملايين عراقي تحت خط الفقر (11.7 بالمئة من السكان)، وفق دراسة حديثة مشتركة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في العراق والبنك الدولي ومبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية ووزارة التخطيط العراقية.

فارتفعت نسبة الفقراء في البلاد من 20 بالمئة العام 2018 إلى 31.7 بالمئة حاليا، كما صار 42 بالمئة من السكان ضمن الفئات الهشّة التي تعاني حرمانا متعدد الأبعاد (التعليم والتوظيف والصحة والأمن المالي).

ولا تشكل الجائحة السبب الوحيد في الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العراقيون، إذ أدى انهيار أسعار النفط المورد شبه الوحيد للدولة في تأخر صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين وخفض الإنفاق العام.

وكان العراق قد فرض في أيار غرامة قدرها 50 ألف دينار على سائقي وسائل النقل العام والخاص وركابها في حال لم يلتزموا بوضع الكمامة، لكن الإجراء لم يطبق بصرامة.

ويستبعد المسؤولون اتخاذ تدابير جديدة، وتكتفي الدولة ببذل جهود توعية وحثّ المواطنين والمؤسسات التجارية على احترام التوصيات الصحيّة.

المدارس استثناء إيجابي

وبلغ تفشي الوباء ذروته في العراق في نهاية أيلول بتسجيل أكثر من 5 آلاف إصابة خلال يوم واحد. ثم تراجع عدد الإصابات اليومية تدريجا ليستقر تحت نصف ذلك العدد على امتداد تشرين الثاني.

وأحصى العراق حتى 6 كانون الأول 564200 إصابة بكوفيد-19 بينها 12432 وفاة، في أعلى حصيلة بالمنطقة العربية.

وشهدت البلاد نقصا في توفر الكمامات خلال الأشهر الأولى لتفشي الفايروس أرجعه الصيدلي فراس إلى تأخر وصول الشحنات من الصين وغياب مصادر تزود أخرى.

ووفقا له ثمة سبب آخر مهم، وهو إقبال المتظاهرين ضد الحكومة بداية العام على الكمامات.

ويقول إنه على غرار آخرين، “كنت أحمل مئات الكمامات وأوزعها” في ساحة التحرير ببغداد لتخفيف أثر قنابل الغاز المسيل للدموع التي استعملتها قوات الأمن بكثافة.

من جهته أشار زميله الصيدلي محمد ماجد (23 عاما) الى أن كثيرا من التجار استغلوا حينها ارتفاع الطلب على حساب العرض وزادوا أسعار وسائل الوقاية لتصل أضعاف أثمانها الحالية.

لكن توفرت كميات كافية من الكمامات والمطهرات مع بدء دول أخرى في تصنيعها وتصديرها، خصوصا تركيا المجاورة، علاوة على انتاج كميات منها محليا.

وسجلت الصيدلية ارتفاعا نسبيا في مبيعات وسائل الوقاية إثر استئناف التعليم، مع “حرص أولياء الأمور على سلامة أبنائهم”.

وأحيطت عودة نحو 10 ملايين تلميذ للمدارس في نهاية تشرين الثاني، بتدابير وقائية صارمة. ويبدو تطبيق الاجراءات الوقائية في المؤسسات التعليمية استثناءً إيجابيا.

فقد وضع كل التلاميذ والطاقم التعليمي كمامات في أول أيام الدراسة، مع التزام التباعد. ويتم التدريس حضوريا يوما واحدا بالأسبوع وعبر الانترنت في بقية الأيام.

مع ذلك، توجد تساؤلات حول إمكانية الحفاظ على مستوى وقاية عال مع تقدم العام الدراسي وزيادة حضور التلاميذ في المؤسسات التربوية.

في الأثناء، قالت السلطات العراقية إنها تعمل على ضمان حصة من اللقاحات المضادة لكوفيد-19 وتوزيعها مجانا على المواطنين، لكنها لن تقدم على شراء أي منها حتى تعتمده إحدى المنظمات الصحية الدولية.

المصدر