مرحلة ما بعد الثورات

134

بقلم: وريا قره داغي
*موظف اممي سابق

في شتاء عام 1998 كنت في زيارة استطلاعيه الى مدينة *بانيالوكا الصربيه* مع سفير الاتحاد الاوروبي لدى *جمهورية البوسنه والهرسك* وفي الطريق سرد لي السفير النتائج الايجابيه للثورة الشعبيه في يوغسلافيا ونجاتهم من الحكم الدكتاتوري الاشتراكي والاطاحة بحكم *الدكتاتور ميلوسوفيچ* .

التزمت الصمت ليس بسبب قبولي او رفضي لموقفه وانما في الحفاظ على جو الود والاحترام في السفر خاصة بان جولتنا كانت مخططه لمدة يومين وكان علي الحفاظ على التزامات الپروتوکول الدبلوماسي.

السفير انتهز الفرصه وطرح نفس السؤال على سائقنا الهادئ الطبع *والروسي الاصل* *فلاديمير چیرکو* الذي كان متزوجا من *امينه البوسنية المسلمه من سراييفو* . والد فلاديمير كان ضابطا في الجيش السوفياتي المرابط في يوغسلافيا ابان الحرب العالميه الثانيه وبعد التحرير استقر في *سراييفو* عاصمة البوسنه والهرسك.

السفير سال *فلاديمير* : هل تتصور بان اسلوب حياتكم تغير بفضل القضاء على *الحكم الدكتاتوري* ؟؟؟ فرد فلاديمير بهدوء: انا مهندس كهربائي و زوجتي امينة معلمه ابتدائية وكانت لدينا وظيفة وحياة *طبيعيه* وطفلينا كانوا يدرسون في المدارس الحكومية المجانيه، شقتنا كانت منحه من الحكومة بايجار رمزي، بطاقة الضمان الصحي كانت مجانيه، فاتورة الكهرباء والماء كانت على حساب الحكومة، جواز سفرنا كان مضمون وكنا نسافر اينما نريد وراتبنا كان يكيفينا وكنا *مقتنعين* باسلوب المعيشه ولكننا كنا نخشى بان *نشتم ونسب* رئيس الدولة *جوزيف تیتو* .

وسرد *فلاديمير* قائلا: سعادة السفير بعد السقوط *فقدت* وظيفتي كمهندس واصبحت سائقا لدى الامم المتحدة، أدفع ايجار الشقه شهريا، ادفع فاتورة الضمان الصحي ، زوجتي امينه *فقدت* وظيفتها لان المدرسة تحولت إلى مدرسة اهليه حيث قلصوا عدد الكوادر الدراسية، أدفع فاتورة الكهرباء والماء الخ.. *ولكنني بفعل الثورة استطيع الان بكل حرية ارسال مئات الشتائم والمسبات لرئيس الدولة علي عزت بيگوفیچ* .

يا *سعادة السفير* ایهما افضل لي الحكم الاشتراكي السابق الذي وفر لي كل مستلزمات و وسائل الراحه *ولكن لم يسمح* لي بان *اشتم* الدولة وحكامها؟؟ أم الحكم الراسمالي الحالي الذي *ضيعت فيه كل الامتيازات* ولكنني اصبحت *مهنيا في قذف المسبات والشتائم* ؟

هنا صمت *السفير* برهه وقال: الاجيال القادمة سوف تندمج مع طراز الحياة الجديده وسوف يحملون مستقبل البلاد نحو الافضل *واتمنى بان لا ينسون معاناتكم وينغمسون في الملذات والفساد الاداري لان هذا يعني بداية الفساد الاداري وحكم المافيا ومعاناة الشعب* .

هنا تدخلت وقلت للسفير: انتم ككتله *غربيه* / *امريكيه* شاركتم في اسقاط وانهيار الحكم ومؤسساته في يوغسلافيا السابقة *عليكم تحمل قسطا كبيرا من مسؤولية مستقبل البلاد لحين تستقر الامور* لان يوما ما اذا لم تسير الامور بصورة جيدة فسوف يحن الشعب للنظام الدكتاتوري السابق وسوف *يرمون اللعنات واللوم والمسبات* عليكم انتم بالذات.

السفير هز راسة قائلا: *نحن لسنا اصحاب الدار ولا لدينا مفاتيحها وعليهم الاعتماد على انفسهم في بناء مستقبلهم. نحن نعطيهم الوسيلة فقط ونترك الغاية لهم* .

المصدر