الحضارة الغربية بين التشبث والهبوط

366

الحضارة الغربية بين التشبث والهبوط

أن الحضارة الغربية تعتقد انها تمتلك زمام القوة والسلطة المادية على مستوى العالم أجمع وقد قضى الغربيون علي الثقافات المحلية و الأسس الاجتماعية في كل مكان حلوا فيه إلي درجة استطاعوا معها تغيير تاريخ الشعوب و لغاتهم و خطوطهم لهجوميتهم ،والحضارة الغربية هي مصطلح يستخدم على نطاق واسع من أجل الإشارة إلى تراث من المعايير الاجتماعية، والقيم الأخلاقية، والعادات، والتقاليد، ونظم المعتقدات، والنظم السياسية، والتحف والتكنولوجيات المحددة التي جاءت في الأصل من منها، وقد أصبح المصطلح ينطبق على الدول التي يتميز تاريخها بكثرة الهجرة.. و تعريف الاكثر انتشاراً وتداولاً للثقافة بشكل عام وهو طريقة فرد أو جماعة أو شعب للتعامل مع الحياة. لكي يسهل اختراق الفضاء الثقافي في الوقت الحاضر للدول. عبر قنوات الشبكات الفضائية والانترنت والوسائط الأخرى لنقل المعلومات المختلف ألانواع بالصور والأفكار والقيم والتوجهات الأيديولوجية المنبثقة عن المرجعيات والخلفيات والأجواء الثقافية والقيمية الغربية التي تتسم بسمات منها الغلو في النزعة المادية الاستهلاكية ورغم ذلك، لا يزال العصب الرئيسي للتواصل العالمي موجودًا في الولايات المتحدة و لا تزال تربطه علاقات مع حكومة الولايات المتحدة الفيدرالية.

“ان الثقافة الغربية اخذت من الإغريق القدماء، و اليونانيون أول من بنى ما أصبح اليوم الحضارة الغربية، فقد طوروا الديمقراطية، وأحرزوا تقدماً في العلوم والفلسفة والهندسة المعمارية، وعند النظر في بنية عاصمة الولايات المتحدة، واشنطن، من الممكن رؤية الأعمدة والأقواس والقباب التي تستند على الهندسة المعمارية اليونانية والرومانية، فقد أسس الإغريق والرومان الثقافة الغربية ونقلوها إلى أوروبا، ومن هناك نُقلت إلى نصف الكرة الغربي”.

لقد كانت ثقافة الاسلام وحضارته علامة مضيئة في تاريخ الحضارات رغم فقدانها البوصلة اللازمة في الوقت الحالي اثناء التطبيق ولكن لن تنطفئ شعلتها الوهاجة لتنير طريق البشرية نحو الاصلاح والصلاح بمدهم بالعلوم الطبيعية، وعلم النفس، والهندسة، وعلم الفلك، والحساب والموسيقى….الخ من العلوم والثقافات وقال تعالى: في كتابه الكريم ” قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” (المائدة: 15 ـ 16)،وقد افردت لها المجلدات الكبيرة والكثيرة، ولعل الآلاف من المصطلحات والمفردات العربية والاسلامية والقرآنية استقرت في بحوث وثقافات العرب دون اي ريب او شك، و للثقافة الاسلامية التي كانت اللغة العربية واعتلاء حضارتها بصورة منيرة لا كما نشاهدها الان من افول.ولم يكن هذا سرا بل حقيقة واضحة كما ينقل عن العديد من العلماء الغربيون انفسهم حيث يقول المستشرق الفرنسي لويس سيديو ان ((ظاهرة مدرسة بغداد في بدء امرها هي الروح العلمية التي كانت سائدة لاعمالها فكانت مبادئ اساتذتها تقوم علي الانتقال من المعلوم الي المجهول وعلي ملاحظة الحوادث ملاحظة وثيقة لمجاوزة المعلومات الي العلل وعلي عدم التسليم بما لا يستند الي التجربة.وكان العرب في القرن التاسع الميلادي اصحابا لهذا المنهج الخصيب فاضحي بعد زمن طويل اداة بيد علماء الزمن الحديث للوصول الي اجمل اكتشافاتهم)) والعالم اليوم ينتظر الإنبعاث الجديد على يد أولئك الذين يحافظون على مكوِّنات حضارتهم خلال فترة السُّبات العميق في العالم. أما تلك الفئات والطبقات والاحزاب والمنظمات التي إنساقت مع الشرق والغرب، واستُعبدت عبودية ثقافية من قبل الأجانب، فإنها لا تزيدنا إلاّ تيها وابتعادا عن ذاتيتنا وعن أصالتنا وحضارتنا.

اليوم الذي يحصل أن الشعوب النامية تتلقى وتقبل جوانب كثيرة من الثقافة الغربية على حساب ثقافات تلك البلدان و العالم الإسلامي هو الخاسر الاكبر من عمليات فرض التجانس والهيمنة،. والضغط الكبير الذي تمارسه ثقافات غربية على ثقافات البلدان النامية يزيد من حجم وأهمية الدور الذي يتعين على الواعين من شعوب تلك البلدان أن يؤدوه لمقاومة هذا الضغط لانه الثقافة الشرقية على سبيل المثال تختلف عن الثقافة الغربية ببعض الجوانب حيث إن الثقافات الشرقية تميل إلى أن تكون أكثر جماعية وذات ترابط أعلى وخلاف أقل بصورة عامة، ومن ناحية أخرى تميل الثقافات الغربية كي تكون أكثر فردية ولها ترابط أقل وخلافات كبيرة.

والتي بدأت مرحلة الهبوط والانحدار لها تظهر ، بسبب إفلاسها في عالم القيم السامية والأخلاق الفاضلة والمبادئ الإنسانية العادلة والقياس هو الواقع الحالي الذي يعيشوه العالم في ظل وباء الكورونا القاتل حيث كشفت حقيقة هذه الثقافة لتركيزها على الامور المادية والقوة الاقتصادية ، و فقدانها الهدف والمنهج القويم الذي ترتكز عليه الحضارات التي تعني مجموعة من تلاقح ثقافات وانتاجات شعوب مختلفة وما احرزه الانسان من تقدم في مختلف العلوم والآداب والثقافات والنشاطات التي مارسها الانسان علي مدي التاريخ والتي تقدمت بشكل اكبر كلما تقدمت الوسائل الحاملة لها، فمن الوسائل البدائية الي التقنيات المتطورة الي ما توصل اليه العقل البشري المعاصر .

ليس هناك من شك من ان سبب انحراف الحضارة الغربية الحالية عن الطريق الصحيح .. لعنصريتها وعدوانيتها التي وصلت إلى حد من البشاعة لم تصل إليه في تاريخ الإنسانية الطويل في ظل محاربة الديانات الالهية كما تجري في فرنسا بسبب فقدانها البوصلة والحسابات الغيرالعقلانية لتعريف الحرية والوباء الحالي فرصة منحها الله للبشر ليعودو إلى خالقهم، ويبتعدوا عن كل السلوكيات الشاذة والأخلاقيات التي تتنافى مع ما خلقنا الله من أجله .. وبعكس ذلك سنصل إلى الانهيار في فترة ليست بعيدة في عمر التاريخ وذلك إذا لم يتدارك الأمر دعاة الإصلاح من المختصين وعلماء الاجتماع والساسة والمسؤولين ورجال الدين ويقوموا بواجبهم في إصلاح و إنقاذ هذه الحضارة الآيلة للسقوط .. حيث يجب على هؤلاء القيام بعملية إصلاح جذرية تشمل كل مجالات الحياة الاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية والروحية وحتى المادية منها .

وقد ذهب التربويون بالاشارة الى العديد من المظاهر والسلوكيات الدخيلة والشاذّة عن مجتمعاتنا وثقافتنا وتقاليدنا العربية الوافدة الينا عبر هذه وسائل الاتصال المنفجرة ودخلت كل البيوت دون استئذان من القيم المجتمعية للنحراف في الاستفادة منها و هبطت بمستوى الذوق العام لدى شبابنا وأطفالنا على حدّ سواء، و لدعوة الشباب إلى التمسك بالأصالة والعادات والتقاليد السليمة والالتزام بالقيم الأساسية، خوفاً من التفكك الأسري صاحب المصلحة الأول في الحفاظ على مستوى أبنائه ولانهم الفئة العمرية المهمة التي تمتاز بالتجديد والإثارة من أجل السيطرة على هذه المظاهروعدم تفشيها بشكل أكبر ، لغياب الأسر الجامعية، وعدم الانتماء والولاء، وعزوف الشباب عن المشاركات المجتمعية والسياسية ، مما انعكس على لباسهم ومظهرهم العام، وحتى كلامهم ومصطلحاتهم التي يستخدمونها في مفرداتهم اليومية. ويتساءل الكثيرون عن سبب وجود هذه الظاهرة وتناميها.

إن الحضارة الغربية بحاجة ماسة إلى عملية اصلاح جذري تصلحها من الجذور من الأسس لأنها حضارة بنيت على أسس اركان فاسدة ستؤدي بها إلى الهبوط والانهيار ولو بعد حين .. لذلك تلح علينا الكثير من الأسئلة ونحن نلاحظ بداية النزول وسرعة الانهيار للحضارة المادية الغربية.

عبد الخالق الفلاح باحث واعلامي

المصدر