الديمقراطية وفوبيا التوافق

387

علي حسن الفواز
التصويت على قانون الاقتراض يكشف عن واقع يحتاج إلى المراجعات العميقة، في ما يخص الاقتصاد، وكذلك ما يخص السياسة، ورغم أهمية تمرير هذا القانون في ضبط ايقاع الشارع العراقي، ومعالجة أزمة الرواتب التي تأخرت كثيرا، إلّا أن الموضوع يتطلب مقاربة ملفات أخرى ستؤثر مستقبلا في ما يسمى بفرضية الركون الى” التوافق السياسي” الذي لا يختلف كثيرا عن “التحاصص السياسي». انسحاب النواب الكرد من جلسة التصويت كشف عن طبيعة تلك المشكلة، وعن انعكاساتها على الواقع السياسي، والتي تعني في جوهرها تغييبا لتداولية مفهوم الديمقراطية، وضرورة تكريسها في الممارسة السياسية، لتقوية مفاهيم أخرى، لكنها عميقة في الديمقراطية نفسها، مثل “الاكثرية السياسية” و”الاقلية السياسية” و”المعارضة” و”حق الاختلاف” وغيرها، والتي للأسف اخضعها كثير من السياسيين الى “اعراف” وممارسات لا علاقة لها بقيم الدولة ولا حتى بالدستور، وتحت يافطات التوافق والشراكة. تحويل مفهوم “التوافق” الى قاعدة يعني وضع السياسة تحت سلطة المصالح دائما، مقابل التجاهل عن الحق العام للدولة ولنظامها السياسي والسيادي، وعن السعي لبناء مؤسسات ينبغي أن يشارك بها الجميع، لكن على اسس سياسية صحيحة، وليس على رهانات طائفية وقومية، وبالتالي سنجعل البلد محكوما بالعُرف وليس بالدستور، وهو أمر صعب تغييره إن طال أمده، لانه سيكون عقدة كأداء أمام الاجيال الجديدة، إن اشتغلوا بالسياسة، أو اشتغلوا بالوظائف العامة الأخرى، فضلا عن أنه سيكون مجالا لتكريس انماط معقدة للحكم، والهيمنات، ولتعويم مفاهيم العدالة، والشفافية والادارة الرشيدة، والتي تتطلب الحوكمة في ادارة الملفات الوطنية الجامعة، السياسة والاقتصاد والثروة، فضلا عن ادارة المؤسسات السيادية، ومنها ما يتعلق بادارة الثروة والمنافذ الحدودية والقوات المسلحة، والاحتكام الدقيق للدستور، وبما يحفظ للدولة هيبتها وقوتها، وفي أن تكون هي المرجعية الحقيقية التي يحتكم لها الجميع، وأن تكون ادارتها ذات ابعاد سياسية وليس جماعوية، حفاظا على الهوية وعلى المصالح ايضا، لأن قوننة “التوافق السياسي” سيكون أكثر التحديات خطورة للعمل بالدستور، وسيتحول الى فوبيا قد تُعطّل ارادة الكثيرين، مثلما سيكون بؤرا لاستقطاب العمل السياسي على اساس المصالح والمحاصصة.
العراقالمصدر