سهام داود تغني وتعشق بالحبر الأبيض

622

بقلم: شاكر فريد حسن

سهام خلف داود شاعرة وكاتبة ومترجمة وناشطة ثقافية برزت بقوة على ساحة الأدب في السبعينات من القرن الماضي وحققت حضورًا لافتًا، ونجحت أن تحفر اسمها على صخرة الإبداع.

سهام من مدينة النبي صالح، الرملة، عانقت ضوء الحياة العام 1952، تعلمت في بلدها، وفي يافا، وحصلت على الشهادة الثانوية. بعدها عملت فترة من الزمن في دار النشر العربي، ثم انتقلت إلى عروس البحر والكرمل حيفا، لتعيش وتعمل، وما زالت مقيمة فيها حتى الآن. أشغلت سكرتيرة التحرير في صحيفة “الاتحاد” أبان فترة رئيس التحرير المرحوم إميل حبيبي، ثم المحررة المسؤولة في مجلة ” مشارف ” الثقافية الرصينة المحتجبة عن الصدور، وجمعتها صداقات وعلاقات مع الكثير من الشعراء والأدباء والمثقفين العرب والفلسطينيين واليهود.

شغفت سهام داود بالكلمة منذ نعومة اظفارها، فقرأت وتثقفت واكتسبت المعارف، وتمتعت بموهبة شعرية وأدبية، فكتبت الشعر وهي في الصغر، ونشرت قصائدها في صحيفة ” الانباء” ومجلة ” الشرق” ثم في الصحافة الشيوعية ” الغد” و” الاتحاد” و” الجديد”. بالإضافة إلى ذلك عملت على ترجمة الكثير من القصائد والنصوص الشعرية والنثرية والمقالات الأدبية المتنوعة لكبار الشعراء والمبدعين اليهود والغربيين.

في العام 1979 صدر ديوانها الشعري الأول ” هكذا أغني” عن الاعلام الفلسطيني الموحد في بيروت، وأعادت دار صلاح الدين في القدس طباعته في العام 1980. وكنت تناولت هذا الديوان بمقالة نقدية نشرت في حينه بمجلة ” الفجر الأدبي” التي كان يشرف على تحريرها الأديب الراحل علي الخليلي، في عددها الصادر في كانون الثاني سنة 1983، ومما قلته أن تجربة سهام داود في ديوانها هي تجربة إنسانية سخرت فكرها وقلمها، منذ ولوجها هيكل الأدب الواقعي لخدمة قضايا شعبها ووطنها. فهي شاعرة مقاتلة وسلاحها الكلمة الحرة الواعية.

وكان الشاعر والناقد الراحل بروفيسور فاروق مواسي كتب أيضًا مداخلة عن هذا الديوان غداة صدوره تحت عنوان ” هكذا تغني سهام داود “، نشر في مجلة ” الجديد” الثقافية- الفكرية في عددها الصادر في كانون الأول 1980.

وأذكر أن الشاعر الفلسطيني الراحل عبد اللطيف عقل قد تناول قصيدتها ” حبيبي أضاع ضفيرتي في الخريطة ” في إطار قراءاته النقدية ضمن زاوية ” قرأت العدد الماضي من الشرق” سنة 1972.

وفي العام 1984 صدر لسهام ديوانها الثاني بالعبرية، وقام المرحوم بروفيسور ساسون سوميخ بتعريب قصائده من العربية للعبرية.

انقطعت سهام داود عن الكتابة والنشر فترة طويلة، لكنها عادت إلى ربة الشعر قبل حوالي السنتين ونشرت عددًا من نصوصها في صفحتها على الفيسبوك، فضلًا عن ترجماتها وتراجمها.

ومقارنة بين التجارب الشعرية السابقة لسهام داود نجد بونًا شاسعًا من ناحية الشكل الفني والتعابير والمعاني والصور الشعرية والاستعارات وحتى في المضامين.

وبدون شك أن سهام داود تمتلك ثقافة عميقة واطلاع واسع، ومقتدرة بامتلاك ناصية اللغة والصياغة الشعرية الفنية التعبيرية.

فالحب والوطن والإنسان وأسرار الكون والحياة والهموم الإنسانية الكونية الكبرى والعامة، هي موضوعات وعناوين مركزية وأساسية في نصوص سهام داود، نلمسها ونستشفها بشكل جلي وواضح، في كتاباتها السابقة والحالية. فهي ترصد خلجات نفسها المشحونة والمعبأة بالألم والحنين والحزن لما آل إليه الوضع والمصير العربي والفلسطيني في زمن الهزائم والنكبات المتلاحقة والمتتالية.

وتنهض الصياغة اللغوية عندها على دوالّ شعرية، تشكل بؤرة تتحلق حولها الدلالات، وتؤسس لرؤيا، تكشف عن حضور لافت للوطن وأشيائه ومكوناته الجغرافية.

ويغلب الطابع الرمزي والغموض على الكثير من قصائدها، وتتسم لغتها بالدقة والإيحاء والألفة والشدة في مواضعها من البلاغة والفصاحة، أما أسلوبها فيطغى عليه القوة والمتانة والجزالة ووحدة النسج والرؤية الاستشرافية، وأما معانيها فيسمها الصدق والواقعية المعبرة عن عالمها النفسي والإنساني. وتشكل الكلمات أو التراكيب الشعرية هالة من الدلالات الكائنة والمحتملة في باطن خطابها الشعري الإبداعي، وتكشف عن حقيقة الحياة التي تريد التعبير عنها، وتكون علاقة المتلقي بالنص الشعري علاقة تفاعل منتج، مما يجعل نصها ممتزجًا بدم الإنسان وبناء الحياة.

ومهما يكن من أمر، فإن الحلم الإبداعي لسهام داود، بوصفه تصورًا للعالم، وارتقاءً بالقصيدة من تشخصها الذاتي إلى إنسانيتها الأشمل، جعلها تحمل على عاتقها تشكيل تاريخ وواقع شعب ومصير قضية، ولكن في إطار رومانسي جماعي، وهي تجربة تزخر بالحزن وتفيض لوعة وحسرة على حاضر مؤلم.

ومن قصائد سهام داود القديمة نقرأ هذه المقطع الشعري:

وكان موتي مثل سنبلة في الوادي

مثل صيحة مصلوبة على الجدران

بكل ما فيك من حدائق

أواصل الطريق

أمواتك لم يموتوا قط

هم في صرخات الحرية

هم في عيني كل طفل يولد

أما من نصوصها الجديدة فاخترت هذا النموذج:

أعترف أني لم أنتبه بل لم أفهم معنى قولك / وعدك :

سأعود حتى وإن غبتُ – لوقت قصير أو طويل –

ولكني سأعود دائمًا..

وما عليكِ إلاّ الانتظار ..

وأنا كنت اعتقدتُ أنه ذلك الجانب «الرجولي» في شخصك الذي تتباهى بـه فقط أمامي.

لكني مضطرة أن أعترف أيضًا

اني اشتقت، أكثر مما يمكن لك أن تتخيّل، أنت شديد التخيُّل،

إلى تلك اللمسة الخفيّة على خاصرتي من الخلف،

والانحناءة بذقنك على كتفي الأيسر،

حيث يدك منشغلة في فرك ما بقي من السيجارة المزمنة، في يدك اليمنى، قرب خدّك في العادة

هل هذا يعني أنك تمسك القلم بيدك اليُسرى؟

لقد لخبطتني بهذا لأسباب نعرفها،

والوشوشة، تلك الوشوشة في مؤخّرة أُذني، أن أُنهي غسل الصحون المتّسخة من يوم أمس.

وَشوشـة تساوي كل شعر العالم – بكل لغاته.

سهام داود شاعرة حداثية إنسانية متميزة ومجددة، وموهبة فنية قادرة على التجنيس والتجلي، حضر اسمها كشاعرة في المشهد الثقافي الفلسطيني، رغم التقطع والانقطاع، فعملت على تطوير نفسها، وانخرطت في الهم الثقافي والأدبي، وها هي تواصل المسيرة بكل ثقة وإعجاب.

فألف تحية ووردة للصديقة الشاعرة سهام داود، وننتظر منها إبداعات وإصدارات أخرى.

Image preview

المصدر