موتوا بغيضكم يا حكام العراق.. لا ولن تُجهض الانتفاضة التشرينية

397

كاظم حبيب
موتوا بغيضكم يا حكام العراق.. لا ولن تُجهض الانتفاضة التشرينية

تحمل الشعب العراقي، لاسيما شبيبته الباسلة، من الكوارث والمآسي والاستباحات خلال الأعوام المنصرمة ما لم يتحمله أيوب بصبره المعروف. تَحمَلَ وانتظرَ تنفيذ الوعود والعهود وما أقسم عليه حكام العراق واحداً بعد الآخر! في مقابل ذلك لم يتلق منهم جميعاً خلال الأعوام الـ 17 المنصرمة غير الجدب والعجف والجراد الأصفر، غير الجوع والحرمان والفقر المدقع والإملاق والحرمان والتهميش، غير الإرهاب والاختطاف والتغييب والقتل، غير الاجتياح والاستباحة والسبي والاغتصاب، غير النهب والسلب للمال العام. أغرق هؤلاء الحكام ارض الرافدين بسيول من دماء ودموع نساء ورجال العراق الأبرياء، تراكمت تلال من جماجم الشبيبة والعظام المهشمة. حكام سفلة يعيشون الحياة الدنيا في نعيم وسعادة وفرفشة، وينصحون الشعب الكادح والجائع والمشحون بالآلام والمعاناة الخانقة بانتظار نعيم الآخرة! إنهم كذاك الذي ينصح بشرب الماء ويحتسي الخمرة! أو مثل ابن الراوندي “يعلم على الصلاة وما يصلي!”.
نحن أمام حفنة من الحكام الذين افتروا باسم الدين على الله والناس. إلههم المعبود هو المال والسحت الحرام. فصح عليهم القول “باسم الدين باگونه الحرامية”. فقدوا الذمة والضمير ولم يعد هناك من وازع أو رادع يمنعهم من مواصلة غيّهم ونهبهم. ركبوا رؤوسهم ونهبوا خزينة الدولة وابتلعوا أموال النفط الخام المُهَّرب. سرقوا لقمة العيش من أفواه اليتامى والأرامل والجياع والمشردين. بنوا بها القصور وكدسوا الأموال وضخّموا حساباتهم في البنوك الأجنبية، ملئوا بطونهم المريضة التي لا تشبع، تماما كما كان يردد معاوية بن أبي سفيان أمام وجبة الطعام: “تعبت ولم أشبع!”. انتفخت كروشهم وأوداجهم، وتدهورت عقولهم الخاوية. لم يبقوا من المال ما يدفعون به رواتب المتقاعدين والموظفين الذين تجاوز عددهم ملايين عدة، رغم معرفتهم بأنهم، كقادة لأحزاب سياسية حاكمة، يملكون، على وفق تصريحات دونالد ترامب يوم الثلاثاء في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، مبلغاً قدره 585 مليار دولار أمريكي في البنوك الأمريكية، وهي أموال مسروقة من أموال الشعب العراقي يجب استردادها لدفع رواتب الموظفين وإعادة إعمار العراق. تتسع يوماً بعد آخر مظاهرات الموظفين المطالبين برواتبهم، والمعدمين بالحصة التموينية!
نحن أمام فئة حاكمة لا تستحي، فهي قطرة وليست سطلة. آلت على نفسها أن تمارس كل المحرمات والموبقات لكي تبقى على رأس السلطة لتواصل ما مارسته خلال السنوات المنصرمة. الانتفاضة التشرينية أقلقت بالها وراحتها، هزّت الأرض تحت أقدامها، جن جنونها، فاستخدمت خراطيم المياه والرصاص المطاط ثم الرصاص الحي، فكان القتل واسعاً والمصابون بالآلاف، ولكنهم عجزوا عن بث الرعب في نفوس شبيبة العراق الواعية والمدركة لما يراد لها.
حين فشل الجزار الخبيث عادل عبد المهدي بنحر الانتفاضة، أدركت الطغمة الحاكمة أن أسلوب العنف وحده لا يكفي، كان عليها اختيار أسلوب آخر مرافق للعنف، لم تفكر بإيجاد حلول عملية للمشكلات الفعلية التي يطالب بها المتظاهرون بحلها، بل اختاروا شخصاً يتسم بالانتهازية والاستعداد للعب على حبال الانتفاضة وحبال أعداء الانتفاضة لخنق الانتفاضة عبر تقديم الوعود المعسولة والعهود الكاذبة بتنفيذ ما تطالب به قوى الانتفاضة الشعبية، ثم اللجوء إلى معالجة بعض القضايا الثانوية التي لا ترقى إلى الاستجابة للمطالب الأساسية لقوى الانتفاضة. ولكن الطغمة الحاكمة لم ولن تتخلى عن أسلوب العنف المفرط في قتل المتظاهرين أو إصابتهم بجروح أو اختطافهم وتغييبهم، كما حصل للعزيز الغالي الصحفي المميز والصديق توفيق التميمي وكذلك مازن لطيف وغيرهما. اختاروا الشخصية التي كانت تحتل موقع رئيس جهاز المخابرات العراقية، إنه الرجل الذي يعرف كل شاردة وواردة حصلت في العراق، يعرف الجهات التي أمرت والعناصر التي نفذت عمليات القتل والاختطاف والتغييب، كما يعرف بالدقة من سرق أموال العراق ومن ساهم بتهريب النفط الخام والعملة الصعبة ومن مارس غسيل الأموال. إنها تقارير كثيرة تملأ أدراج جهاز المخابرات، وهي موجودة في رأس مصطفى الكاظمي. ولكنه لا يشعر بالخجل حين يشكل لجان للتحقيق في الجهات الموجهة والقتلة الذين يعرفهم تمام المعرفة، كما لا يستحي حين لا ينفذ الوعود التي قطعها على نفسه والقسم الذي أداه!!! لهذا بالضبط صرخ المتظاهرون بحرقة وصدق في بابل: “كذاب.. يالكاظمي..” و”دنعل أبو إيران لابو أمريكا..”. ثم سمعنا ولأول مرة بعد ما يزيد عن سبعة عقود من يردد في مظاهرات بابل والبصرة وغيرهما: “المالكي قندره والعامري قيطانه”، وهو نفس الأهزوجة التي رددها الشارع العراقي في وثبة عام 1948: “نوري السعيد قندره وصالح جبر قيطانه”. وهو تعبير صارخ عن معرفة دقيقة بما يجري بالعراق وما يراد للانتفاضة ومن هم الفاعلون!
ولكن هل سيَسَمح بإجهاض الانتفاضة الباسلة من تحمل كل تلك الكوارث والمآسي وصبر أكثر من صبر أيوب، أم سيواصل انتفاضته الباسلة؟ كل الدلائل تشير إلى استمرار وجود وفعل كل العوامل التي تسببت في نهوض الشبيبة وانطلاق الانتفاضة، بل تفاقم كثير منها، مما يستوجب استمرار الانتفاضة، ولهذا خرج متظاهرو البصرة ثانية وسعوا للوصول إلى ساحة البحرية. فعاد التوحش من جديد في نفوس أجهزة الأمن فلعلع الرصاص الحي وسقط جرحى ثم سقط شهيد جديد، سقط عمر فاضل، يتيم الأبوين، يعيش في خربة مع خالته وأبن خالته وغير مملوكة لهما، استشهد ولم يكن في جيبه سوى 21 ألف دينار عراقي، أي أقل من 15 دولار أمريكي، إنها كل ثروته! ورغم ذلك، ورغم أنهم يعرفون جيداً أحوال قوى الانتفاضة، يدّعي هؤلاء الحكام الجبناء زيفاً وبهتاناً، أن المنتفضين عملاء الاستعمار، عملاء إسرائيل، ويتسلمون أموالاً منهما!! تباً لكم أيها المفترون!! ولكن المثل الشعبي ينطبق على هذه الإمعات الإيرانية ” اللي جوه أبطه عنز يبغج”!
نحن أمام إصرار قوى الانتفاضة في بغداد والبصرة وبابل وذي قار والقادسية والمثنى وواسط وغيرها على عدم السكوت لما يجري في العراق من محاولات إضعاف زخم النضال الشبابي والشعبي وإجهاض الانتفاضة ووأده!!! تظاهروا يوم أول أمس وأمس وسيتظاهرون في اليام والأسابيع الأخرى (أنظر: طريق الشعب ليوم 07/11/2020، تقارير عن المظاهرات، ص 4)، إلى أن يتحقق ما يسعون إليه. لقد نسى حكام العراق أو تناسوا أنهم بذلك يصبون الزيت على النيران المشتعلة في قلوب الناس. لن تسكت الشبيبة الواعية حتى تتحقق مطالب الشعب العادلة والمشروعة في الخلاص من النظام السياسي الطائفي المحاصصي الفاسد، وسحب السلاح المنفلت، وتقديم القتلة للمحاكمة وكذا كبار الفاسدين، وتأمين الخدمات للشعب والرواتب للموظفين والحصة التموينية للمحتاجين، وتوفير بقية مستلزمات إجراء الانتخابات العامة بأجواء نظيفة ونزيهة وقانون عادل ومفوضية انتخابات غير ملوثة.

المصدر