الورقة البيضاء – الأقتصاد و البيئة و التنمية المستدامة الخضراء في العراق”
الأستاذة الدكتورة جيهان بابان
BSc, MSc, PhD (UCL), PGCE, CSci, CChem, MRSC, AMEI.
رئيسة و مؤسسة جمعية البيئة و الصحة العراقية في المملكة المتحدة *
Email:[email protected]
Email: [email protected]
Website: www.iraqienvironmenthealthsociety.org
Facebook: @IEHC2015UK.
أستجابةً للوضع المالي الخطير الذي يعاني منه العراق بسبب انخفاض اسعار النفط و انعدام دور القطاعات غير النفطية في الدخل الوطني العراقي و الترهل غير المعقول في مؤسسات الدولة، يضاف لها اعداد كبيرة من المتقاعدين ومن المشمولين بالرعاية الاجتماعية و أخيرًا و ليس اخراً التأثيرات الأقتصادية و الأجتماعية لجائحة كورونا التي قلصت مداخيل الآلاف من الكسبة و العاملين بالأجر اليومي . و لمواجهة هذه التحديات قدمت الحكومة العراقية ورقة بيضاء في تشرين الاول 2020 و التي تضمنت مقترحات اقتصادية و مالية اشبه بخارطة طريق للثلاث سنوات القادمة بعضها و اضحة المعالم كتلك المتعلقة بتعظيم الواردات و الخطط التنموية الأقتصادية خاصةً في تحفيز القطاع الخاص العراقي كي يأخذ دوره كشريك حقيقي و الذي سيساهم في تقليص البطالة التي قدرتها وزارة التخطيط ما يقارب المليونين بين الشباب و الخريجين و أيضا في تطوير قطاع النفط و الغاز و الصحة و أخرى غير محددة تتعلق بالبيئة العراقية عدا ما جاء في الورقة البيضاء من اشارات هنا و هناك. و ما هو معيق للتنمية الأقتصادية و تاثيرات سلبية على صحة المواطن العراقي هو التدهور البيئي الذي يشهده العراق في جميع المحافظات وخصوصا في المناطق الجنوبية و البصرة على الأخص,الذي يواجه تحديات صعبة بالغة الخطورة والتي منها مايلي :
1. زيادة تواجد الغازات السامة ( تلوث الهواء) و الدقائق الصغيرة و الجسيمات العالقة من الغبار و الدخان و الملوثات و التي اذا استمرت بدون معالجات ستؤدي الى ازدياد في معدلات الامراض النفسية و القلبية و يشكل ضغطا إضافيًا على النظام الصحي العراقي الذي يعاني من ازمة حقيقية و بشكل خاص بعد تفشي الجائحة. ( تشريع و تفعيل قانون خاص لتلوث الهواء في العراق).
2. تلوث نهري دجلة و الفرات و انهار العراق و المسطحات المائية و بأشكالها المختلفة من بايولوجي و كيمياوية و مشعة و المخلفات العضوية التي تستنفذ الأوكسجين و غير العضوية السامة على الاحياء و البيئة المائية. و من اهم مصادر هذا التلوث هو نتيجة الأفراط في استخدام الأسمدة الكيمياوية و المبيدات و ايضاً النفايات التي تأتي من المصادر الصناعية وتنتهي في الانهر و المسطحات . و التلوث بالنفايات الحضرية من نفايات صلبة و مياه المجاري الصحية و النفايات الطبية. و قد و صل هذا التلوث الى الحد الذي يهدد بموت الأحياء و النباتات كما حدث في حادثة نفوق الأسماك في بحيرة الرزازة غرب كربلاء, مؤخرا. (تعديل قانون البيئة لعام 2009 بخصوص النفايات)
3. تلوث التربة العراقية بالملوثات الهيدروكربونية و الأفراط بأستخدام الأسمدة الكيمياوية و مبيدات الحشرات, و الذي يجد طريقه الى المياه الجوفية . 4. التغير المناخي و تأثيراته السلبية على البيئة العراقية . هذا التحدي العالمي ادى الى ارتفاع غير مسبوق بدرجات الحرارة و التبخر و العواصف الترابية و الجفاف و التصحر و بشكل خاص في العراق.
السؤال الأول هو, ما هي الفلسفة المعتمدة في الورقة البيضاء؟ و مدى توافقها مع رؤية تعكس توجهات العقل الجمعي الدولي للتنمية المستدامة في القرن الحادي و العشرين و التي توازن بين التنمية الأقتصادية و احترام حقوق الأنسان و البيئة عبر اعتماد التنمية الأقتصادية المستدامة الخضراء التي تستجيب لحاجات الأنسان و البيئة معاً. فقد اكدت الدراسات و البحوث العلمية الى ان عدم الحفاظ على البيئة و التنوع الأحيائي سيؤدي الى كوارث صحية و مجتمعية, و أحد نتائجها انتشار فيروسات من نوع كوفد مثل سارس و متلازم الشرق الأوسط و كوفد-19 الذي انتشر من الصين الى كافة انحاء العالم و ادى الى وفاة مايزيد على المليون شخص في العالم. و بسبب التدهور الخطير في البيئة العراقية فالعراق مرشح لظهور انواع جديدة من كوفد كطفرة و انتقال مباشر من الحيوانات.
و يشمل مفهوم التنمية المستدامة الخضراء عدة جوانب تضمنتها الورقة البيضاء فمثلا تطوير الصناعات الوطنية بالشراكة مع القطاع الخاص وهو هدف رئيسي لتقليل البطالة و زيادة الدخل الوطني غير النفطي و لتحقيق تنمية اقتصادية فعلية بدون تبعات بيئية و صحية يجب ان يكون لكل مشروع تقييم لتأثيراته البيئية و متطلبات التقليل منها, و أحد هذه التأثيرات مثلاً هو تراكم النفايات السائلة و الصلبة و الطبية و الكيمياوية و المشعة و التي ان لم تخضع الى معالجات سلمية متخصصة حسب نوعها و كميتها و بأعتماد اساليب التكنولوجيا الحديثة و الأقتصاد الدائري ستجد طريقها الى الأنهار و تتكوم في المدن العراقية, و ظهور مكبات للنفايات غير مرخصة كما حدث في معسكر الرشيد سابقاً. و على صعيد الزراعة حيث يمكن تحقيق نهضة زراعية حقيقية و بتكاليف اقل و اسرع. لأن الزراعة اساساً هي قطاع خاص تحتاج الى ادخال تقنيات الري الحديثة صديقة للبيئة تقلل من الهدر المائي و ترشد استخدام المبيدات و الأسمدة الكيمياوية و الأستفادة من المحاصيل عبر التسويق و خلق صناعات موازية و اجراءات و حماية المنتوج الوطني العراقي. اما على صعيد الطاقة هو الأسراع في التحويل الى استخدام الغاز كمصدر للطاقة في العراق و الذي يوفر كميات اكبر من النفط الخام للتصدير او استخدامه في المشاريع و الصناعات التحويلية و البتروكيمياوية و الذي يتطلب ايقاف هدر الغاز المصاحب الذي يتم حرقه يومياً و ايضاً تشجيع الأعتماد على مصادر الطاقة البديلة وبشكل خاص الطاقة الشمسية في جنوب و وسط العراق و مشاريع لتدوير النفايات و تحويلها الى طاقة كهربائية و حرارية و بذلك تتحول النفايات من مصدر خطورة للبيئة الى عامل يساهم في التنمية الأقتصادية المستدامة. و ايضاً استخدام الهيدروجين الأخضر كطاقة بديلة نضيفة, و استخدام الطاقة الكهرومائية حيث توجد السدود. و استعمال التكنولوجيا الحديثة لتخزين الطاقة.
و يمثل تحديات اعمار المناطق المحررة و انهاء ظاهرة السكن العشوائي في المدن العراقية عائقاً كبيراً امام التنمية المجتمعية المستدامة و لكن التوجه لمعالجتها سيوفر ميئات الألاف من فرص العمل و تأثيرات مجتمعية هامة و لكن في نفس الوقت يجب اتباع الطرق الخضراء لأن مخلفات الأبنية و الأنشاء احد ملوثات البيئة الخطيرة و ايضاً ايجاد طرق سليمة لازالة الألغام و مخلفات الحرب. و هنا اود ان اؤكد ان الطرق الصحيحة نحو تحقيق خارطة الطريق التي هي جوهر الورقة البيضاء وان تطبق على اسس ثابتة و سليمة و بمنظور علمي حديث. خلاف ذلك سنشاهد ذات المشهد التقليدي الذي غلب على خطط التنمية الأقتصادية لأكثر من عقد من السنين حيث توفرت الأمكانيات المالية بشكل غير مسبوق و لكن ادت الى تلوث كافة عناصر البيئة في العراق, الأمر الذي يعني ان خارطة الطريق هذه تحتاج الى ادارة رشيدة و متابعة دقيقة للبرنامج الحكومي العراقي تعتمد الحوكمة على شكل خطط علمية بأولويات و بأهداف واضحة و مستلزمات احدهما في تقديري توفير خدمة و دعم من الحكومة التنفيذية لتقديم خبرات تدعم المشاريع الصناعية و الزراعية و الأعمار عبر توفير خبرات لتقييم التبعات البيئية و الصحية للمشاريع الجديدة و سبل تخفيف الأضرار البيئية و معالجتها. كما اؤكد على ما جاء في الورقة البيضاء حول خلق بيئة قانونية داعمة يتم تفعيلها مع محاسبة صارمة لمن تثبت ادانتهم حسب السياقات القضائية, فبدون تمكين قانوني لا يمكن ان يتوفر تمكين اقتصادي او مالي.
*جمعية البيئة و الصحة العراقية في المملكة المتحدة هي منظمة مجتمع مدني مهنية أكاديمية و علمية, مستقلة و ليس لها ارتباط بأي جهة او حزب سياسي, مسجلة في المملكة المتحدة و تهتم بقضايا البيئة و الصحة في العراق حفاظاً على الشعب العراقي.