الاميون يستقيمون بالقسوة المفرطة

649

د. رابعة العبيدي

البروتكول قبل الاخير.. المرقم 23 في سلسلة “بروتكولات حكماء صهيون” الأربعة والعشرين التي كتبها ماثيو جولوفنسكي، سنة 1901 يلتقي مع البروتكول الاول.. رقم (1) من حيث إتفاقهما على أن “الاميين لا يستقيمون إلا بالقسوة المفرطة، وفي حال دالت البلاد لنا، نغريهم بالمال والنساء؛ فهم ضعفاء أمام هذين المعطيين”.

فقد ورد في معرض البروتكول الاول: “الحق يكمن في القوة” وهو طرح يتكامل مع الفقرة الخامسة من البروتكول (23) في نصها: “الاميون يخضعون للقوة الجبارة، المستقلة عنهم”.

وبتطبيق هذا الفعل ميدانيا نجد إستقراء هذين البروتكولين، نابع من تأمل واقعي في أوربا القرون الوسطى، والعرب منذ حل الإسلام يهدد حياتهم في الدنيا بالسيف وفي الآخرة بعذاب جهنم.

لذلك فعلا دالت الجزيرة العربية للرسول محمد بقوة السلاح، وغزا العرب.. من بعده.. الأمم بالجيوش الجرارة يخيرونهم، بين التخلي عن معتقداتهم داخلين الاسلام عنوة، او دفع الجزيرة او الهجرة نزوحا عن ديارهم، او القتل.. اربعة خيارات أحلاها مر!

لم يكن للقرآن الكريم، كبير تأثير في دخول العرب الى حظيرة الإسلام، إنما القوة والإنسياق مع المجموع، التي كانت لها محطة كبيرة، هي مبايعة قبيلتين يثربيتين، ضيفتا محمدا وأتباعه كمهاجرين لاجئين، فكانت الهجرة تأسيسا ثاني للاسلام بعد التأسيس الاول بنزول الوحي جبرائيل مبعوثا من الله اليه في غار حراء.. بل صارت الهجرة هي التاريخ الاسلامي.

يثرب، التي أسماها المدينة المنورة، صارت منطلقا لتنظيم الغزوات وقطع طرق القوافل مدمرا سلام التجارة مقلقا حياة قريش المستتبة والتي يتبعها استقرار القرى والقبائل والحواضر التي تمر من الجزيرة.

لم يفهم العرب معاني القرآن، بل إستجابوا لقوة السيوف بأيدي مقاتلين شرسين، عند تأسيس الاسلام، وظلوا مقيمين على هذه السجية حتى إنهارت الدولة وتمزت الدول العربية أيدي سبأ.

أما القصص المشكوك بصحتها عن أفراد، سمعوا القرآن فهاموا بلغته، فهي تمثل أفرادا رومانسيين إستثناءً لا يقاس عليه؛ ؟لنكه ليس ظاهرة عن مجاميع هائلة تسمع القرآن وتجري الى مبايعة محمد رسولا!

إذن هي القسوة في بلاد العرب التي مكنت النخبة القائدة من تأسيس دولة وتقويم مجتمع، لم يعمل بالقرآن، إنما تفاعل مع يوميات الحكم، وإشتراطات ديمومة السلطة، التي تمر بالسيف والقسوة المفرطة، فلماذا لا يقتديه ماثيو في تأليف بروتكولات تأسيسية لإسرائيل الحديثة.

لذلك يرى مؤلف بروتكولات حكماء صهيون، ماثيو جولو فنسكي، إذا شاءت إسرائيل، الهيمنة على العرب، وشاءت فعلا.. فصار عليها ان تنتهج سبيلا ناجعا.. سبق ان أثبت نجاحه، هو القسوة المفرطة المهينة المذلة التي تمحو آخر نبض للإغتزاز بالذات.

وبما أن البروتكولات كتبت داخل اوربا، موجهة الى الناس اجمعين و… رحمة للموسويين على حساب الاميين، فإن المجتمع الاوربي حاضر فيها؛ فهو الآخر مجتمع يسلس قياده للقوة، قائم على شذوذ ريتشارد قلب الاسد، فائق الفظاعة.. المثلي الاول في التاريخ، والجذر التكعيبي لغرام الرجال بالرجال.

فيما تفتقر الدولة العثمانية لمنهج واضح في إدارة الدولة، لجأت الى تمرير تخلفها الى السلطة، بالقوة أربعة قرون من حكم الدول العربية، بوسائل تعذيب، وتفنن في انتقاء طرائق الإعدام، والتي لم يسلم أحدا منها، سواء أبناء الشعوب المغلوبة التي كتب عليها الخضوع للأتراك، أو حتى كبار رجال الدولة العثمانية، وأفراد السلالة الحاكمة نفسها.

بهذه السياقات الميدانية، إستمرت الدولة العثمانية اربعة قرون في حكم واحدة من أشرس مناطق الكرة الارضية، ما يسوغ إشارة ماثيو الى توظيف القسوة المفرطة في إدارة اوربا والمنطقة العربية، ضمن بروتكولاته التي كتبها وبعض العقوبات العثمانية الواردة في أعلاه ما زالت متبعة عام 1901 اذ توقف آخر نبض للسلطة العثمانية في عروق الدولة العربية العام 1917 بدخول الجيش التركي بغداد.

فيما تفننت حكومات اوربا خلال العصور الوسطى في ابتكار الآلات والادوات التي تجعل المتهمين يتمنون الموت الف مرة للخلاص من العذاب القاسي الذي انزل بهم، مستكينين لقضاء قدر عليهم هذه السلطة التي يجب ان يقتنعوا بها.

التعذيب وسيلة أمسكت بزمام الدول الاوربية.. رصدها ماثيو كاتبا بروتكولاه.. الاول والثالث والعشرين، من وحيها.

“إذ مهما بلغ الإنسان من مدنية وتحضّر فإن همجيته لا تزول بل تبقى كامنة تنتظر الفرصة ليُطلق لها العنان…تماماً كالجزء المظلم من القمر، إننا لا نراه ولكن ذلك لا يعني أنه غير موجود” وهذا ما أدركه ماثيو في صياغة البروتكولات، وجعل منه منهاج عمل في بيئة عربية ما زالت رهين همجيتها.. حاضرا ومستقبلا.

وتخصيصا عراق 2003 خضع لمنظومة رعب، تواطأت معها الحكومات المتعاقبة التي نصبتها أمريكا بمشورة تضامنية بين إسرائيل.. صاحبة البروتكولات، وايران…

لكن.. إسرائيل نفسها، دولة حديثة، توطدت دعائمها الدستورية بعد 1948 اي عقب توقف الحرب العالمية الثانية، التي أعادت توزيع العالم حضاريا، من خلال إنتدابات مدروسة للدول المتخلفة التي تنوء بأعباء الاسلام العثماني، ولو لا نشوئها في مرحلة حضارية فائقة السلام والاريحية، لا ندري اية وسائل تعذيب كانت ستوظفها في احتواء الخارجين عن ناموس العهد.

المصدر