كوردستان وسياسة التوازن والتضامن

481

ماتشهده منطقة الشرق الأوسط بما فیها إقلیم کوردستان من تطورات متسارعة في حرکتها و إنعکاساتها في ظل ظروف معقدة علی الصعیدین الإقلیمي والدولي والمحلي، مع بروز تداعیاتها علی الساحة العراقية من خلال التوازنات الجديدة المتوقع حصولها في هذه المنطقة الحيوية من العالم و إدعاء القوى الدولية والإقليمية مواصلة سعیها ليکون الشرق الأوسط ومن ضمنه إقلیم كوردستان مستقرًّا و منطقة واعدة، مع إزدیاد تركُّز القواعد العسکرية الأجنبية فیها (قواعد أميركية وبريطانية وفرنسية وروسية وتركية وإيرانية، بل وحتى صينية موجودة في منطقة القرن الإفريقي) للوصول الی مایقارب خمسين قاعدة.

في الوقت الذي ينأی حکومة إقلیم كوردستان بالنفس عن سياسة الأحلاف والمحاور، بعد قرأته الواقع والتفاعلات السياسية المتسارعة في المنطقة، يسعی القيادة السياسية الحکيمة بشكل متواصل الی بناء علاقات متوازنة مع دول الجوار والدول الفاعلة عالمياً بما يحقق المصالح العليا للإقلیم والأخذ بشعب الإقلیم لبر الأمان والإستقرار ویعمل علی مشاریع مرتبطة بالتضامن الحقيقي من الناحیة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية ونشر سياسة التضامن، والتعاون، والتوازن لا في العراق فقط، بل في المنطقة کافة، للتخلص من عقدة التوسعیة علی حساب الآخر والتحلي بفلسفة الإنسجام والتسامح، تكريساً للعدل والمساواة بين شعوب المنطقة والعالم.

ساهم الإقلیم کبوابة الشرق الإقتصادية الآمنة من خلال قدرته على صناعة توازن أمني داخلي وخارجي بشکل فعال في بناء توازن استراتيجي مستقر في هذه المنطقة، حتی أصبح اليوم عنصر رئيسي لقياس مدى استقرار المنطقة، لأن حکومة الإقلیم يعمل کما ذکرنا أعلاه بسياسة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة وينبذ سياسة المحاور والتكتلات والاستقطابات. لقد أصبح الشرق الأوسط في السنوات الماضية منطقة جاذبة للقوة الخشنة والقوة الناعمة والقوة الذكية والقوة القاسية، لکننا نعتقد بأن ممارسة القوة وإتباع النهج المبني علی تحالفات علاقات هجينة وتواطؤ الأضداد غير قابل للإستدامة، والتوازن لايتحقق إلا عن طريق قدرة نظام الأمن في توليد طاقات متعادلة ومتماسكة ضمن جميع الاتجاهات السياسية. القيادة السياسية الحکيمة في كوردستان تعلم بأن للموقع الجغرافي لإقلیم كوردستان، الواقع عند حافات إمبراطوريات تأریخية منتهية صلاحیتها وفي ملتقی طرق الحضارات الإنسانية الرفيعة أثر بلیغ علی مصير سکانه و مستقبلهم السياسي وأن لقیمته الجيوستراتیجي والجيوبولیتیکي المتحکم بقلب الشرق الأوسط و ممراتها ومفاتیح إجتیازها تبعات من النواحي الاقتصادیة والسیاسیة والاجتماعیة والسلوكیة والجیوبولتیكیة، لاننسی أن هناك منطقة ضمن إقلیم كوردستان تحتل مركز الصدارة في ربط أكثر الدول أهمية

ببعضها البعض (إيران – العراق – تركيا) وأن التوازن الإقليمي هو الذي يؤثر على التوازن الدولي، وذلك كونه ينظم علاقة القوى الرئيسة المسيطرة على سياسة العالم.

يعتبر مفهوم الأمن في الشرق الأوسط من المفاهيم المعقدة في السياسة الدولية، کونه مازال يخضع في معظم مناطق الشرق للسياسات الدولية، فهو مرتبط بشكل أساسي بالوضع السياسي واستراتيجية القوة الاقتصادية، لکن القدرة السياسية والعسكرية، المدعومة منذ عام 2014 من قبل قوات التحالف ضد الإرهاب العالمي، والقدرة الاقتصادية والاجتماعية لإقليم كوردستان، جعله ينتصر عسکرياً علی تنظيم داعش ليصنع بُعداً سلوكياً أمنياً.

إن هذا البعد السلوکي الأمني يرتبط إرتباطاً وثيقاً بمصالح العالم، وهذا بدورە يعزز قدرة الإقلیم في التغير الحقيقي لبسط معادلة السلام والأمان ضمن جميع المناطق المحيطة بە ويجعله أكثر مرونة وحركة وفاعلية خاصة ضمن معادلة التوازن الدولي والإقليمي.

إن قدرة قيادة الإقلیم، المدركة لحجمها ودورها، على توظيف هذا الموقع الجيوستراتیجي وفق مصلحته العلیا والمصالح المشتركة مع البيئة العراقية والاقليمية والدولية سوف تحقق المبدأ المهم والاساس وهو عنصر التوازن في التعاطي مع مختلف دول العالم، ولهذه القيادة الرؤية الاستراتيجية لاستثمار كل إمكاناته لبناء إقلیم حديث بمعنى الكلمة يقود منطقتها نحو التطور والنمو الحضاري.

وختاماً: ستبقى إستراتيجية التوازن والتضامن والتكافؤ في التعاطي الإقليمي والدولي هي الانسب لإقلیم كوردستان في سياستها الداخلية والخارجية.

الدکتور سامان سوراني

المصدر