المركز والإقليم

461

علاء هادي الحطاب

نص الدستور العراقي الدائم في بابه الاول ضمن المبادئ الاساسية – المادة الاولى على ان “ جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي . وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق” وهنا بين الدستور بما لا لبس فيه ان العراق دولة اتحادية، والدولة الاتحادية في ابسط تعريفاتها “ هي طريقة مركبة أو مختلطة من الحكومة، بحيث تجمع بين حكومة عامة (المركزية أو الفيدرالية) مع حكومات إقليمية حكومات الولايات، أو المقاطعات، أو الكانتونات، أو الأقاليم وغيرها من الوحدات الفرعيّة في نظام سياسي متكامل واحد” اي ان دستورنا ثبت ان الدولة العراقية هي دولة اتحادية ما يسمح بإقامة اقاليم، لكن الممارسة العملية لهذه الصيغة لم تكن ناجحة حتى اللحظة وهنا لا نريد الخوض في اسباب عدم نجاحها كما اننا لا نعرف اي نوع من الادارة للحكم نريد، فهل نسعى الى “ قلب قوي واطراف ضعيفة ام الى اطراف قوية وقلب قوي ام نسعى الى قلب قوي واطراف قوية، لكنها اقل قوة من المركز”، في واقعنا اليوم بوجود اقليم واحد فقط وهو اقليم كردستان هل نسعى لان تكون بقية المحافظات ذات “ لا مركزية ادارية فقط ام نذهب ابعد من ذلك بمنحها لا مركزية سياسية” ما تزال هذه الاشكاليات تُرحل من حكومة الى اخرى ولم تُوضع على مشرط التشريح واجراء العملية الجراحية المعقدة لها لشفاء المريض، لذا تزداد ازماته ومشكلاته كلما تقدم به العمر ويرافق هذه الامراض ظهور اعراض لأمراض جديدة تستحكم عقدها مع تقادم الزمن. الاشكالية الاهم هنا بين المركز والاقليم ليست وليدة النظام السياسي المتشكل بعد 2003 بل هي موجودة قبل ذلك بكثير حتى قبل تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وبعدها ابان الحكم الملكي والجمهوري منذ عام 1958 ولغاية اليوم وما حدوث المعارك والاشتباكات والخلافات المتكررة الا تمظهرا لهذه الاشكالية، فلا تنفع معها القوة واستخدام الالة العسكرية مشرطا لعمليتها الجراحية، وقد جربنا ذلك كثيرا،لا سيما عامي 1974-1975 والمعارك التي دارت شمال العراق في حينها – قبل ان يصبح اقليما- والتي عدها النظام السابق تطهيرا للتمرد وعدها الكرد ثورة كبيرة والنتيجة خسرنا فيها دماء شعبنا وابناء بلدنا من العرب والكرد ولم يخرج رابح في تلك المعركة اطلاقا بل الخاسر الاكبر كان فيها بكاء الامهات وعويل الارامل ويُتم الاطفال، وزيادة التعقيد والشحن الخلافي بين ابناء البلد الواحد، وهذا خير دليل على ان القوة لا يمكنها حل الاشتباك بل تزيده تعقيدا. لذا ما نحتاجه اليوم هو تطبيق الدستور وانفاذ القانون لفرض صيغة العلاقة التي رسمها الدستور من جهة المركز واقليم كردستان، ومقررات الهيئة التنسيقية لشؤون بقية المحافظات – من جهة المحافظات- وتوضيحها بشكل لا لبس فيه اما باتجاه منحها “ لا مركزية ادارية او لا مركزية سياسية” وتكون مسطرة القياس مستقيمة في التطبيق بعيدا عن ضجيج التهديد والوعيد الذي يزيد الشرخ المجتمعي ويولد ازمات شعبية فضلا عن ازمات السياسة وادارة الحكم، فكلما زاد الخلاف زاد معه عدم الاستقرار السياسي وحتى المجتمعي والعكس صحيح بذلك، سواء مع الاقليم ام مع المحافظات. نحتاج الى توضيح فلسفة النظام السياسي الحالي نزولا الى آليات تطبيق فلسفته بشكل واضح وشفاف وهذا لن يتوفر ما لم تتوفر الارادة السياسية قبل كل شيء .المصدر