الفاشيّة الدينية المشوّهة .. العراق مثالا

380

الفاشيّة الدينية المشوّهة .. العراق مثالا

لقد برزت الفاشية في اوربا نتيجة عوامل عدّة، منها الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي كانت تمرّ بها البلدان الرأسمالية في القارة، ومنها ضعف قوى اليسار والحركات الثورية وإنقساماتها فيها. ولم تنتهي الفاشية بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، كونها تستطيع إعادة إنتاج وبناء وتطوير نفسها تحت ظروف معينة، فالأنظمة الفاشية والأنظمة الدكتاتورية الفاشية تظهران وفق شروط تاريخية وإقتصادية وإجتماعية ترتبط بالخصائص المحلية لكل دولة. لذا نرى الفاشية الالمانية برزت في المانيا بطابع عنصري يمجّد العرق الالماني، ولو أخذنا الفاشية الإسلامية القومية بالعراق اليوم نراها تعتمد على تمجيد الطائفة والقومية والتي هي شكل من اشكال العنصرية. وإذا كانت الاولى أي الفاشية عنصرية الهوية ترفض الحياة الديموقراطية والتعددية السياسية والتي كان البعث يسير على نهجها بالأمس، فأنّ الثانية أي النموذج العراقي “الديموقراطي” اليوم وهو يكرر العملية الانتخابية بنفس الآليات التي تجعل منه في قمّة الهرم دائما، يكون له نفس خصائص الفاشية العنصرية بمزيج من الطائفية والعنصرية.

عادة ما يشير البعض الى بروز الفاشية في البلدان ذات الإقتصاديات الرأسمالية، فأنه يشير الى تلك التي برزت في كل من اليابان والمانيا وإيطاليا قبل الحرب العالمية الثانية، الا أنّ الفاشية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية برزت في بلدان نامية لا تعرف معنى الإقتصاد الرأسمالي، لكنّ بروزها جاء نتيجة عوامل سياسية بحتة الا انها غير بعيدة عن صراع الدول الرأسمالية الكبرى في تأسيس وإنشاء أنظمة دكتاتورية تعمل على تلبية مصالحها. فالإنقلابات العسكرية والأحداث السياسية في إيران والعراق واندونيسيا وتشيلي سنوات 1953 – 1958 – 1965 – 1973 على سبيل المثال والتي نفّذتها أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية، ساهمت في إنشاء أنظمة دكتاتورية فاشية جديدة معادية للديموقراطية وتطلعات شعوبها في البلدان الأربعة، علاوة على تأسيس أنظمة دكتاتورية فاشية في بلدان عديدة في العالم ومنها جمهوريات الموز في امريكا اللاتينية. فالفاشية “والفاشية الجديدة والتابعة تبرز في العديد من البلدان النامية، حيث لا يوجد اساس إقتصادي رأسمالي شبيه بما كان الوضع عليه في المانيا وإيطاليا واليابان، وهي تبرز في هذه الحالة كنتاج مباشر للعامل السياسي اولا حيث تستخدم من قبل الإمبريالية ركائزها المحلية كثورة مضادة للثورة الشعبية التي تهدد سيطرتها” (*) وهذا ما نعيشه اليوم في بلادنا.

أنّ تجربة البلدان الأربعة التي أشرنا إليها قبل قليل تعتبر من التجارب التي علينا تناولها كأمثلة على إستغلال أنظمة دكتاتورية فاشية الطابع ثروات بلدانها الطبيعية، لتحديث البنى التحتية فيها وإستغلال هذا التحديث في بلورة علاقات إقتصادية إجتماعية جديدة تخدم قمّة الهرم السياسي في السلطة ومن يمثّلها. ككبار العسكريين وملّاك الأراضي والشيوخ والأمراء ورجال الدين والقبائل والأقطاع ورجال الإقتصاد والمال، وهؤلاء في الحقيقة هم القاعدة الإجتماعية التي تعتمد عليها الأنظمة الدكتاتورية الفاشية في مواجهة الجماهير.

لقد نجحت الولايات المتحدة في شباط 1963 بإنشاء نظام دكتاتوري فاشي قمعي معاد لمصالح شعبنا ووطننا وقواه الوطنية، وكرّس النظام الجديد والأنظمة التي تعاقبت على السلطة بعده نفس النهج الكارثي والذي إنتهى بإحتلال البلاد من قبل الولايات المتحدة بعد أربعة عقود من ذلك الإنقلاب. لكنّ الأنظمة الدكتاتورية فاشية الطابع والنهج والممارسة التي تعاقبت على السلطة، إستغلّت ثروات البلاد وإن بشكل غير كامل ولا عقلاني في إستمرارها ببناء البنى التحتية للبلاد وتطوير قطاعات عديدة أهمّها التعليم والصحّة وعدد من المشاريع الصناعية التي كانت تسدّ جزء من حاجات البلاد، والتي بدأت تتلاشى منذ مغامرة النظام البعثي الفاشي في حروبه الخارجية والداخلية واثر الحصار الإقتصادي، حتى إنتهى الأمر في أن يكون العراق بقايا اطلال حين حزم البعثيون حقائبهم.

مثلما قامت الولايات المتحدة الامريكية بإنشاء نظام دكتاتوري فاشي في العام 1963 ، فأنها قامت بعد إحتلالها للبلاد سنة 2003 بإنشاء نظام محاصصة طائفي قومي، يحمل – على الرغم من تسويقه كنظام ديموقراطي لا يعرف من الديموقراطية الا صناديق الإقتراع والتي بدورها تدور حولها شبهات الفساد والتزوير – سمات فاشية واضحة المعالم. ومن هذه السمات سلب وعي الجماهير وإعادة صياغته بشكل ديني طائفي – قومي، للإستفادة منه في تأجيج المشاعر الطائفية والقومية، والتي بدورها تعتبر الضامن الاساسي لإستمرار القوى الفاشية على رأس السلطة.

ما يميّز فاشيي اليوم عن فاشيي الأمس، هو أن فاشيي اليوم لم يستغلوا ثروات البلاد لإعادة بناء البنى التحتية كما الذين سبقوهم في العراق وفي البلدان الأخرى، بل عملوا وبجد لنهب كل دينار يدخل خزينة البلاد دون أن يلتفتوا لا لحاجات الناس اليومية ولا لمستقبل البلاد. وإن كانت الحكومات الدكتاتورية الفاشية تعتمد في مواجهتها للجماهير والقوى الثورية على فصيل مسلّح كسند للجيش النظامي في قمعها لهم، فأن الفاشيون الجدد يمتلكون عشرات الفصائل المسلّحة التي لا تعير الجيش أي إهتمام وهي تواجه الجماهير العزلاء، لضعف الجيش من جهة ولإختراق قياداته العليا ومراكز اتخاذ القرار فيه من جهة ثانية. والمشكلة هي أن لهذه الميليشيات الفاشية غطاء قانوني وهي تدخل العملية السياسية من خلال اوسع ابوابها اي البرلمان، كما وانها تتمتع بغطاء ديني منحها صفة القدسية على الرغم من جرائمها الكبيرة!! لكنّ الكارثة الكبرى هي أنّها تعلن وبوضوح من أنّها تنفّذ السياسة الإيرانية بالعراق، وتعلن جهوزيتها للتدخل في اي بلد تتعرض فيه المصالح الإيرانية للخطر، بل وتهدّد بتحويل شوارع الوطن الى ساحات قتال دفاعا عن إيران وسياساتها ومصالحها!!

انّ مصادرة الحريات وقمع الحركات الإحتجاجية والمطلبية والعداء لكل ما هو إنساني في حقول الثقافة والفن والادب، وممارسة إرهاب الدولة وعصاباتها هي من صلب ممارسات الأنظمة الفاشية. وكل هذه الممارسات نجدها اليوم في العراق حيث حكم الأحزاب الدينية والقومية فاشية الطابع والمحتوى.

لقد وقفت الولايات المتحدة ومعها البلدان الغربية جميعها ضد النظام الحاكم في بيلوروسيا وهو يقمع الجماهير التي تظاهرت لتشكيكها بنتائج الإنتخابات، وقد هدّدت السلطات بإتخاذ إجراءات عقابية ضدها من خلال عقوبات على السلطة والمؤسسات والأشخاص الموالين لها، لأنّ السلطة هناك إستخدمت العنف ضد المتظاهرين ما تسبّب بمقتل ثلاثة منهم! لكنّها ومعها كل الغرب لم يفرضوا أية عقوبات لا على السلطة ولا على أية مؤسسة عراقية أو سياسي عراقي ساهم بقتل المئات من المتظاهرين وجرح الآلاف وإختطاف العشرات منهم، لأنّ السلطة التي فرضوها على شعبنا نتيجة إحتلالهم لبلدنا هي سلطة دينية فاشية مشوهّة تخدم مصالحهم على المدى البعيد. والمفارقة هي أن الفاشيّة الدينية بالعراق ونتيجة لعمالة أحزابها للأجنبي، هي ليست كما الفاشية القومية الإيرانية عهد الشاه ولا الفاشية الشيعية كما في عهد الخميني، ففي العهدين الفاشيين بإيران لا تزال الدولة تعمل على جعل إيران رقما صعبا بالمنطقة، بل فاشيّة تابعة جعلت العراق رقما مهملا من جميع النواحي.

لقد ربطت الفاشية الدينية الإيرانية مصير إيران بتاريخها العريق وحضارتها بالتشيّع حتى بات إسم إيران والتشيّع متلازمين، وهذا ما يعمل عليه الفاشيون الشيعة وهم يعملون على ربط جنوب العراق بالتشيّع كمرحلة أولى وبإيران كمرحلة قادمة مستقبلا، وهم يعملون مع باقي أطراف المحاصصة على تهيئة الاجواء لتقسيم البلاد على المدى البعيد، خصوصا وأنّ بايدن وهو الاب الشرعي لتقسيم العراق وبناء شرق اوسط جديد خدمة لمصالح بلاده وإسرائيل مرّشح لقيادة امريكا بعد الإنتخابات الامريكية القادمة.

تعتبر الديموقراطية الحقيقية هي القاعدة المتينة لمحاربة الفاشية الدينية القومية بالعراق اليوم، وهذه الديموقراطية لا تاتي كهبة من السماء أو مكرمة من الاحزاب المهيمنة على المشهد السياسي، بل بنضال طويل ومرير بدأته الجماهير دون ظهير سياسي او نقابات عمالية واتحادات مهنية، لذا نراها تخطأ وهي لا زالت في الامتار الاولى من ماراثون نضالها لانقاذ بلدها من الفساد والمفسدين والميليشياويين والتقسيم ، وهي تطالب بإنتخابات على اساس الدوائر المتعددة والتي هي مطلب القوى الفاشية وطريقها للبقاء في السلطة!!

(*) الفاشية الفكرة والممارسة لزهير الجزائري ص 6

زكي رضا
الدنمارك
9/9/2020

المصدر