5 أعوام على وفاة “المتنبي الأخير”.. عبد الرزاق عبد الواحد شاعر العراق والعرب

607

يعد الشاعر العراقي الراحل عبد الرزاق عبد الواحد من أبرز شعراء الوطن العربي في العصر الحديث، وقد صدر له أكثر من 40 مجموعة شعرية، كما شغل مناصب في مؤسسات العراق وفي منظمات واتحادات عربية ثقافية وفنية عدة، ونال جوائز عدة داخل العراق وخارجه.

وبعد حياة شعرية حافلة اختتمها في المنفى توفي عبد الواحد في مثل هذا اليوم (الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني) عام 2015، في أحد مستشفيات باريس عن عمر ناهز 85 عاما.

أطلق البعض على الشاعر الراحل لقب “المتنبي الأخير”، وكذلك ألقابا أخرى أبرزها: شاعر القرنين، وشاعر أم المعارك، وشاعر القادسية.

حياته

وعن بدايات حياته، يقول الشاعر الإعلامي محمد نصيف، ولد الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد في بغداد عام 1930، وانتقلت عائلته بعد ولادته إلى محافظة ميسان جنوب العراق حيث عاش طفولته هناك.

ويتابع نصيف حديثه للجزيرة نت “انتقل عبد الواحد إلى بغداد من جديد للدراسة في دار المعلمين العالية (كلية التربية حاليا) وتخرج فيها عام 1952م، وفي تلك الفترة تزوج من الطبيبة سلوى عبد الله مسلم”.

بعدها عمل مدرسا للغة العربية في المدارس الثانوية ومعاونا للعميد بمعهد الفنون الجميلة في بغداد، وفي عام 1970 نقلت خدماته من وزارة التربية والتعليم إلى وزارة الثقافة والإعلام، فعمل فيها سكرتيرا لتحرير مجلة الأقلام، وبعدها رئيسا للتحرير في المجلة.

ويضيف نصيف أن الشاعر الراحل شغل منصب مدير المركز الفولكلوري العراقي، ثم منصب مدير معهد الدراسات النغمية، فعميدا لمعهد الوثائقيين العرب، ثم مدير عام المكتبة الوطنية العراقية، ثم صار المدير العام لدار ثقافة الأطفال، ثم مستشارا لوزير الثقافة والإعلام حتى الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

مسيرته الشعرية

“الشعر حالة تعاش في اللحظة التي تفرق بين الإلهام ولحظة تسجيلها على الورق”، هذه رؤية الراحل عبد الرزاق عبد الواحد عن الشعر، بحسب نصيف الذي ينقل عنه قوله يوما، “كتبتُ بعض قصائدي على وسادتي بسبب نقصان الورق في فترة من الفترات”.

وعن أبلغ قصائده، يرى نصيف أنها كثيرة لكن أبرزها، (يا صبر أيوب) و(سفر التكوين) و(لست أرثيك) و(سلاما أيها الوطن الجريح) و(لا تطرق الباب).

ويشير الشاعر الدكتور صلاح الكبيسي إلى أن لعبد الرزاق عبد الواحد 59 ديوانا شعريا منشورا، وقد نشر أول قصيدة له عام 1945، ونشر أول دواوينه عام 1950، لافتا إلى أن آخر دواوينه حمل عنوان (يا عراق).

ويضيف الكبيسي -المقرب من الشاعر الراحل- أن للأخير 10 مسرحيات شعرية، و22 رواية شعرية للأطفال والعديد من الأناشيد الوطنية، وترجمت قصائده إلى لغات عدة منها الإنجليزية والفنلندية والروسية والألمانية والرومانية واليوغسلافية.

من جانبه، يعتقد الكاتب العراقي أحمد الملاح أن “صبر أيوب” من أعظم قصائد عبد الرزاق عبد الواحد، وهي من أكثرها قوة وجزالة في التصوير، إضافة إلى قصيدة “سفر التكوين” التي يتحدث فيها عن العراق.

واستدرك الملاح في حديثه للجزيرة نت بالقول “كل قصائد عبد الرزاق عبد الواحد هي من القصائد السابقة في الشعر العربي وممتازة ورصينة، ولا يمكن درج سياق عبد الواحد إلا ضمن عمالقة الشعر العربي”.

ويلفت الشاعر رياض شلال إلى أن الراحل عبد الواحد امتلك ناصية البيان والقريض والإبداع منذ نعومة أظفاره أيام دراسته ومرافقته الكبار من الأدباء وعمالقة الشعر العربي.

الشاعر صلاح الكبيسي رفض تسمية عبد الرزاق بشاعر السلطان

مواقفه الشعرية

عبد الرزاق عبد الواحد شاعر حر طامح للحرية وحالم بغد عربي مشرق، لذا كرس نتاجه الشعري للدفاع عن قيم الأمة العربية السامية، كما يقول نصيف.

ويؤكد الملاح، أن عبد الواحد ليس شاعر نظام، لكن يمكن أن يكون له رأي سياسي فيما يحدث أو حدث سابقا في الفترات المتعاقبة من تاريخ العراق.

الكاتب العراقي أحمد الملاح يلاحظ أن معظم قصائد عبد الواحد تتغنى بالعراق وكل ما هو عراقي

ويضيف الكاتب أن معظم قصائد عبد الواحد تتغنى بالعراق وكل ما هو عراقي، وكل ما هو ينتمي للعراق من تاريخ ومن ثقافة ومن وجدان، معتبرا أن عبد الواحد “شاعر وطن”.

ويشبّه الملاح علاقة عبد الرزاق عبد الواحد بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، ضمن سياق علاقة الأديب بالسلطة، أو الشاعر والسلطة، مثل علاقة المتنبي وسيف الدولة، أو جمال عبد الناصر ومحمد حسنين هيكل.

أما الكبيسي فيرفض تسمية عبد الواحد بشاعر السلطان، مستشهدا بقصيدة (أدرك حدود الصبر) التي كتبها عبد الرزاق عام 1993، انتقد فيها أبناء صدام حسين في زمن الحصار الاقتصادي على العراق في تسعينيات القرن الماضي، والتي قال في ختامها:

يا سيدي بعض الحصار حصارُهم .. وحصارُنا بحصارهم يتقنعُ

بعض الخراب خرابُهم وخرابُنا .. عن ضعف ما فعلوه لا يتورعُ

ولقد حميت الدار فاحرس بابها .. من بعض أيدي أهلنا لا تقرعُ

ويؤكد الكبيسي أن قصائد الراحل في الخمسينيات والستينيات ومعارضته الحكام في ذلك الوقت تثبت أنه ليس بشاعر سلطة، وإنما شاعر وطن.

فيما وصفه الشاعر رياض شلال، بأنه شاعر العراق والعرب والإنسانية الذي لا يشق له غبار.

ويضيف شلال في حديثه للجزيرة نت، أن الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد كتب للعراق ورافديه، كما كتب لفلسطين والقدس ولبنان والسودان ومصر وسوريا وغيرها الكثير من مواطن العز العربي، ورموز حضارة الإسلام العريقة.

أرجوزة الحرب

يفتخر الشاعر الراحل بأنه أعاد أرجوزة الحرب إلى الشعر وقلده بعد ذلك الشعراء، كما يقول الملاح، مؤكدا أن “شاعر القادسية” أو “شاعر أم المعارك”، ألقاب أطلقها عليه النظام السابق، ولكن معظم الشعراء آنذاك كتبوا للحرب.

ويتابع الكاتب، لو اطلعنا على دواوين المؤيدين وحتى المعارضين لسلطة صدام سابقا، نجدها لا تخلو مما يتعلق في الشحذ للمعركة، وهذا يفهم منه أن العراق بشكل عام بأقلامه وأدبائه وشعرائه كان جزءا من القوة العراقية المشاركة في الحرب وهي القوة الأدبية.

وبالعودة إلى نصيف، فيرى أن عبد الواحد كان “أحد فرسان الشعر، ولطالما ألهبت قصائده همم العراقيين حتى استحالت رصاصا أدام زخم النصر في الجبهات”.

من جانبه، يرى الدكتور الكبيسي أنه من غير المقبول أن شاعرا بحجم عبد الواحد يرى بلده يمر بحالة حرب فيأخذ غير شعر الحماسة النصيب الأكبر من شعره، لذلك نال العراق والحرب حصة الأسد في شعره، بحسب تعبير الشاعر العراقي.

الشاعر محمد نصيف يعتبر أن عبد الواحد كرّس نتاجه الشعري للدفاع عن قيم الأمة العربية

الوفاة في المنفى

بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 استقر الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد في دمشق عدة سنوات، ثم انتقل للعيش في عمّان حتى أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، بحسب الشاعر نصيف، ثم سافر إلى باريس فتعرض لوعكة صحية توفي على أثرها في أحد مستشفيات باريس صباح يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 عن عمر ناهز 85 عاما.

من جانبه، يلفت شلال إلى أن عبد الواحد رغم تغربه لكنه ظل رائع القريض مبدع الفكرة صادق الهوية كما عهدناه.

ويؤكد شلال أن ذلك هو سر تميُّز الشاعر الراحل عن سائر شعراء عصره ومن سبقوه.

أمّا عن أدائه الشعري بعد منفاه الاختياري عام 2003، يلاحظ الكبيسي، أن بُعده عن العراق أثّر فيه كثيرا وصار الحنين والشوق يصبغان قصائده بلون الحزن، وخفّت لغة الحماسة التي كانت تميز قصائده ونلمس ذلك بوضوح في قصيدة (من لي ببغداد) مثلا والتي ابتدأها والحسرة تملأ قلبه بقوله:

دَمعٌ لِبَغداد .. دَمعٌ بالمَلايين ِ

مَن لي بِبَغداد أبكيها وتَبكيني؟

مَن لي ببغداد؟.. روحي بَعدَها يَبِسَتْ

وَصَوَّحَتْ بَعدَها أبْهى سَناديني

عُدْ بي إلَيها.. فَقيرٌ بَعدَها وَجَعي

فَقيرَة ٌ أحرُفي .. خُرْسٌ دَواويني

ويختتم الدكتور الكبيسي بأبيات شعرية قالها في رثاء الشاعر الراحل:

(مُستفعلن) سقطتْ من حِجرها (فَعِلُ) .. من ذا سيرعى بحورَ الشِّعرِ يا رجلُ

من ذا سيحكي لكل الأرض عن وطني .

إنْ كان صوتُكَ قد أودى به الأجَلُ

يا أيها المُبتلى بالبُعْدِ هل رَحَلتْ

أيامُ عمْركَ أمْ أهل الوفا رحلوا

مذ كنتُ أحبو بحرفي كنتَ تمنحني

نهرا من البوح لا يقضي ولا يَكِلُ

حتى وقفتُ وصار الكونُ يعرفني

يتَّمتَ حرفي وصرتَ الآن ترتحلُ

Original Article