“ولاية بطيخ”
محمد عبد الرحمن
قرأت باهتمام اصل المثل الشعبي العراقي “ولاية بطيخ” ونصه الآخر “ولاية بطيخ .. خو مو ولاية طبيخ!”. ومع ان الكثيرين من العراقيين يعرفون بالتأكيد معناه ومغزاه، رأيت هنا ان انقل باختصار قصته، كما ذكرها احمد بن يحيى التلمساني الذي قال:
قال ابن المبارك: كان فرعون عطارا في اصبهان، فأفلس وركبه الدين، فخرج منها هاربا من الدين، فأتى الشام فلم تستقم حاله، فجاء الى مصر فرأى على باب المدينة حمل بطيخ، فسأل عن سعره، فقيل له: هذا بدرهم، فقال من ها هنا أقضي ديني. فأشترى حملا بدرهم، واتى باب المدينة، فنهبه البوابون، فما بقي منه الا واحدا فباعه بدرهم ..
فقال ما هذا ؟ أما ها هنا من أحد ينظر في مصالح الناس؟
فقالوا له: ملكنا مشغول بلذاته، وفوّض الأمور الى الوزير، وهو لا ينظر في شيء. فخرج فرعون الى المقابر فجعل لا يمكّن أحدا من الدفن الا بخمسة دراهم. فأقام على ذلك مدة لا يعترض له أحد، فماتت بنت الملك ..
فقال: هاتوا خمسة دراهم !
فقالوا: ويحك هذه بنت الملك ..
فقال: هاتوا عشرة دراهم ..
فلم يزل يضعفها الى مائة درهم، فاخبروا الملك بحديثه .
فقال من هذا ؟
فقالوا: عامل الأموات ..
فارسل الملك الى الوزير سائلا عنه فانكر حاله، فارسل اليه الملك وقال له من انا ؟ فاخبره بخبر البطيخ .
وقال: ما عملت عامل الأموات الا ليصل اليك خبري وتحضرني، فأنصحك لتستيقظ لنفسك، ولتحفظ ملكك والا ذهب منك، فاستوزره وقتل الوزير . وبعد موت الملك صار ملكا.
وتروى قصة المثل بوجه آخر أشار اليه كتاب الامثال البغدادية للشيخ جلال الحنفي، حيث كان في أواخر العهد العثماني شيخ عشيرة يسمى “بطيخ” وقد اخذ يفرض الاتاوات على من يجتاز منطقته ولا احد يحاسبه. فقيل هذا المثل الشائع في بلدنا العراق.
واليوم يتداول الناس العبارة او المثل “ولاية بطيخ” للإشارة الى واقع معين تحكمه الفوضى والفلتان وغياب القانون “والدنيا صايره هيته”.
يقال ان الامثال تضرب ولا تقاس، لكن كم ينطبق هذا المثل الشعبي القديم على حال بلدنا اليوم ؟
لا نريد لبلدنا ان يكون “ولاية بطيخ” فدعونا نأخذ من المثل جانبه الآخر، بما يفيد المراجعة والتمعن والسعي لإصلاح الحال قبل فوات الأوان، والأوْلى ان يفعل ذلك المواطنون لاسيما الحريصون على وطنهم ومستقبله!