علاء هادي الحطاب
لا نحتاج الى عناء كبير لتعريف مفهوم التوحش والغوص في معانيه، فهو في ابسط صوره تحول الانسان الى وحش يفتك بمن تطوله يده في سبيل اشباع غريزته من دون تفكر، لذلك بالنسبة للانسان فإن اقسى معاني القسوة التي يصل اليها هي التوحش، وهذه اخطر مرحلة يصل اليها الانسان في حياته، ويكون القتل بالنسبة اليه ليس امرا عاديا لا يترك أثرا، بل يتلذذ بالقتل وايذاء الآخرين.
برزت في مجتمعنا ظواهر عديدة تدل على توحش الافراد وايغالهم بالقتل لاسباب جنائية او خلافات او عقد سابقة شكلت "التوحش" في تعاملهم مع الاخرين، واخذت هذه الظاهرة بالانتشار والتوسع دون رصدها فضلا عن معالجتها، وما قضية قتل اب يتعاطى المخدرات لابنه الرضيع ذبحا بالسكين قبل ايام في اطراف بغداد الا مصداق لتحول بعض الافراد غير المؤدلجين بايديولوجيا غير متطرفة او ارهابية الى وحوش كاسرة تظهر فجأة الى العلن، والا كيف يمكن تفسير ذبح رضيع على يد والده وهو لم يكمل سنة من حياته؟ ربما قائل يقول ان عسر الحياة وضائقة المعيشة يمكن ان تؤديا الى هذه الافعال، وهذا امر غير مقبول عقلا ومنطقا فالطفل في شهوره الاولى يكون معشوقا من قبل ابويه تحديدا مهما قست عليهم الظروف ولا تصل حالة التخلص منه في زمن العوز الى الذبح فضلا عن القتل بطريقة ارحم.
نعم لتعاطي المخدرات دور في ذهاب العقل وتصرف الافراد بما لا يدركون، لكن الاقدام على الذبح يعطي مؤشرا واضحا في توحش الفرد وقدرته على ممارسته إن سنحت له الظروف وان لم يكن متعاطيا للمخدرات.
سمعت الكثير من القصص لصديق يعمل في الشرطة المجتمعية ومن ثم زيارة السجناء ومتابعة ملفاتهم وكانت هذه القصص صادمة لحالات توحش اغفلها المجتمع والدولة معا، حالات غريبة جدا عن مجتمعنا وتقاليده واعرافه، فضلا عن معتقداته ودينه، حالات في بعض الاحيان لا يمكن للفرد السوي ان يستوعب كيف يقدم عليها انسان سليم العقل غير مجنون، انسان لم ينتم الى مجموعات ارهابية، انسان كان يعيش وسط مجتمعه بشكل لا يثير الانتباه ان لم يكن طبيعيا في حده الادنى، واليوم بعضهم في السجون يعيشون كأفراد طبيعيين لا تظهر عليهم علامات الجنون او فقدان الادراك باعمالهم.
نعم انشغلنا بكل شيء سوى متابعة او دراسة هذه الحالات التي تشكل خطرا لا يقل عن خطر " داعش" الارهابي، فضلا عن معالجتها، مؤسساتنا الاجتماعية المرتبطة بالتنشئة شبه غائبة وادوات الوعظ والتربية والاخلاق غير فاعلة، لذلك نسمع يوميا عن حالات توحش تنتشر في مجتمعاتنا من دون ان نلتفت لذلك حتى باتت وكأنها حالة طبيعية من دون ان تترك اثرا في داخلنا، والا فأن حادثة ذبح اب لابنه بالسكين كيف لها ان تمر مرور الكرام من دون ان تعج المؤسسات المعنية بالرفض والبحث والتقصي لهذه الجريمة الكبيرة؟، والقاتل يأكل ويشرب في سجنه بشكل طبيعي بل ويمارس حياته كسجين مع بقية الافراد.
في البلدان التي تعمل من اجل حياة كريمة لمجتمعاتها والمجتمعات التي تنشد حياة كريمة لها، يتم عزل هؤلاء ودراسة ملفاتهم وجرائمهم قبل القصاص منهم، ووضع دراسات وحلول لمعالجة هذه الحالات مستقبلا تجنبا لعدم تكرارها او توسعها.
نعم سنبقى نكتب ونذّكر بتلك الآفات والمشكلات الاجتماعية ونحمل المسؤولية لذوي العلاقة في متابعة هذه المشكلات الاجتماعية التي تفتك ببلدنا ومجتمعنا وهذا اقل الايمان الذي نعمل به.
فلا يمكن للفرد سواء كان متعلما او غير متعلم، كهلا كبيرا او شابا يافعا، نخبويا او غير نخبوي، شيخ عشيرة مسؤولا عن افراد عشيرته او وجيها، مثقفا، كاتبا، صحفيا، رجل دين، معلما او استاذا جامعيا، كلنا مسؤولون عن مجتمعنا كلٌ بقدره وبمساحة اشتغاله، لا يمكن ان نغفر لانفسنا إن صمتنا جميعا ونندب حظنا العاثر في ما يعاني منه مجتمعنا اليوم.
المسؤولية تضامنية علينا جميعا ان نشخص افات مجتمعنا ونضع حلولا ومعالجات لها، والا فأننا الخاسر الاكبر دون سوانا.
العراقالمصدر