هل أن المسلمين والمسلمات أم الإسلام جزء من المانيا؟

903

كاظم حبيب

منذ عشرة أعوام طرح رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية الجديد حينذاك، كرستيان فولف Christian Wulff(مواليد 1959م)، بمناسبة الذكرى ألـ [20] للوحدة الألمانية في 03/10/2010، خطاباً سياسياً ضمنه رأياً جديداً بشأن العلاقة بين الإسلام وألمانيا أثار في حينها عاصفة من النقاشات الحادة، وهي ما تزال متواصلة حتى يومنا، مفاده “أن الإسلام يشكل جزءاً من المانيا”. وقد جاء هذا الرأي في ضوء ملاحظة كرستيان فولف بروز جو مناهض للأجانب وخاصة ضد أتباع الديانة الإسلامية في ألمانيا وعموم أوروبا. وقد تفاقم هذا العداء حين تأسست منظمة يمينية متطرفة تجمع في صفوفها النازيين الجدد، إضافة إلى أناس يخشون الإسلام والمسلمين في ضوء العمليات الإرهابية التي وقعت في العالم على ايدي تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابيين، أطلق عليها سم پگیدا PEGIDA (Europäer gegen die Islamisierung des Abendlandes وطنيون أوربيون ضد أسلمة الغرب). ثم ظهر حزب يميني متطرف جديد باسم بديل من أجل ألمانيا (ِAlternative für Deuschland [AFD]، الذي حقق نجاحات في البرلمانين الألماني والأوروبي في عام 2019. المنظمة والحزب اليمينيان يتبنيان بوضوح وصراحة فكراً معادياً لوجود الأجانب المسلمين في ألمانيا وضد اللاجئين الجدد عموماً والمسلمين على نحو خاص. إن الدراسة الممعنة لفكر هذين التنظيمين، وتنظيمات مماثلة أخرى يبرز الفكر العنصري والمعادي للسامية في آن واحد.

لقد فتح رأي الرئيس الألماني الأسبق السؤال الآتي على الساحة السياسية الألمانية، وعلى الساحة الأوروبية عموماً: هل أن الإسلام أم أن المسلمين والمسلمات هم جزء من المانيا أم أن الاثنين معاً؟

لقد كان النقاش حاداً وعدائياً في أحيان كثيرة بين القوى اليمينية المتطرفة، المسيحية منها والمسلمة. فالطرف الأول يرفض ويؤكد أن المسيحية هي جزء من المانيا، ولا يمكن أن يكون الإسلام جزءاً من المانيا، في حين بدأ الطرف الثاني تأكيد أن الإسلام جزء من ألمانيا، وكذلك المسلمات والمسلمين. كما أن هناك من هم إلى جانب واقع أن المسلمات والمسلمين يشكلون جزءاً من ألمانيا في حين أن الإسلام لا يعتبر جزءاً من ألمانيا. كان ولا زال هذا الأمر في دائرة النقاش والصراع المستمرين.

لا شك، أن الاختلاف فكري بالأساس وأساسي في آن واحد. فالرؤية الفكرية المتباينة تبدأ في الموقف من تشخيص طبيعة العلاقة بين الدين والدولة، وبين الدين والفرد. فهناك من الناس من يعتقد بأن الدين والدولة متشابكان لا يجوز الفصل بينهما، في حين هناك رأي آخر يرى بأن الدولة والدين شيئان مختلفان ومنفصلان. أي هناك من يدعو إلى “دولة دينية”، وهناك من يدعو إلى “دولة مدنية علمانية”.

نحن أمام خلط في المفاهيم وتشخيص خاطئ لطبيعة ودور الدولة ولطبيعة ودور الدين. وهما مختلفان في الدور والمهمات. منذ خروج الدول الأوروبية من ظلام القرون الوسطى التي تميزت بخضوع الدين والدولة لبعضهما وسيطرة المستبدين باسم الدين على الدولة والمجتمع والحكم في غير صالح الحرية والديمقراطية والإنسان، أرسيت تدريجاً القاعدة القائلة بفصل الدين عن الدولة ، فالدولة شخصية معنوية لا دين ولا مذهب لها. وأن الدين يعبر عن علاقة فردية بينه وبين الفرد في المجتمع. وقد أخذت جميع الدول الأوروبية والغربية بهذه القاعدة، لاسيما النموذج الواضح بهذا الصدد تقدمه فرنسا.

في حين يلاحظ بأن جميع دول الشرق الأوسط دون استثناء وكثير من الدول النامية تربط بين الدين والدولة من خلال تثبيت مادة في دساتيرها تؤكد بأن الإسلام (مثلاً) هو دين الدولة الرسمي، وبالتالي يتجاوزن على حقيقة أن الدولة لا دين لها، بل الإنسان يمكن أن يتبنى هذا الدين أو ذاك.

من يلقي نظرة على واقع كثير من الدول سيجد أنها متعددة القوميات والديانات والمذاهب، فيها قومية أو ديانة تشكل أكثرية السكان وفيها قوميات أو ديانات أخرى أقل سكاناً. ولكن لها ذات الحقوق والواجبات انطلاقاً من مبدأ أساس هو المواطنة بغض النظر عن القومية أو الدين أو المذهب أو اللون أو اللغة. في دول أفريقية يجد المتتبع كثرة من القبائل ذات ديانات ولغات أو لهجات مختلفة، لكنهم يشكلون شعباً واحداً. وبالتالي لا يمكن لأتباع قومية معينة أو أتباع دين معين ، باسم الاكثرية، أن يفرضوا رؤيتهم وقوميتهم ودينهم على الآخرين، بل لا بد من سيادة قاعدة “الدين لله أو للفرد والوطن للجميع”، أي الالتزام بقاعدة الفصل بين الدين والدولة.

الدين من صنع الإنسان، هو الخالق للدين، وبالتالي فعلاقته(الإنسان) بالدين علاقة فردية خاصة وليست عامة، سواء كان الإنسان مؤمناً بدين من تلك الأديان التي يطلق عليها بالكتابية، أو “السماوية” أو “التوحيدية”، مثل الديانات الإبراهيمية: اليهودية والمسيحية والإسلام، إضافة إلى المندائية أو المجوسية (الزرداشتية) أو الإيزيدية أو ديانات أخرى، أو الديانات الأخرى مثل المانوية والتاوية والكونفوشيوسية والبوذية والهندوسية ..الخ، والجامع بين هؤلاء الناس ،أتباع هذه الديانات، يجب أن يكون مبدأ المواطنة، ودولة المواطنة، التي لا دين لها، دولة حيادية إزاء الديانات والمذاهب قادرة على الجمع بين هؤلاء المواطنين والمواطنات دون تمييز، من أي نوعٍ كان.

من هنا لا يمكن أن نقول بأن ألمانيا دولة مسيحية أو أن الدين المسيحي جزء من المانيا، الصحيح هو أن المسيحية تشكل القسم الأكبر من البيئة الثقافيّة في ألمانيا. وهو معطىً متحرك، قابل للتفاعل والتلاقح في مَدَيات التطور التأريخي. لأنه ليس مُعطىً جامداً، حصلَ مرة واحدة وإلى الأبد. وهكذا هو شأن الإسلام، فهو ليس جزءاً من المانيا، بل يمكن القول بأن المسيحين والمسيحيات والمسلمين والمسلمات

يشكلون أجزاء من المانيا، فهم مواطنون ومواطنات يعتنقون ديانات عديدة كما في ألمانيا، حيث يعيش فيها أتباع ديانات أخرى كثيرة، ودياناتهم كلها لا تعود لألمانيا بل هم يعودون ويشكلون جزءاً من سكان ألمانيا. التعاليم المسيحية مثلاً تشكل جزءاً من ثقافة الشعب الألماني، ويمكن أن تكون تعاليم الإسلام جزءاً من ثقافة المسلمين والمسلمات في ألمانيا ، شريطة أن لا تتعارض مع الدستور العلماني للدولة الألمانية, وهذا ينطبق على أتباع الديانات الأخرى الموجودين في ألمانيا.

حين نتابع موقف المسلمات والمسلمين الذين يعيشون في ألمانيا، فهم يتوزعون على هذين الموقفين، فمنهم المتدين أو الذي يرى أن الإسلام جزء من ألمانيا، في حين أن جزءاً آخراً لا يرى ذلك، ويعتقد بأن هذا خطأ فادحاً ، لأن الدولة الألمانية دولة علمانية تفصل بين الدين والدولة، ولا يمكن أن يكون الدين، أي دين جزءٌ منها، بل الناس بمختلف دياناتهم هم أجزاءٌ منها، ولكن الديانات تشكل أجزاء من ثقافات السكان في ألمانيا، والتي تتفاعل وتتلاقح فيما بينها.

إن الفصل بين الدين والدولة لا يتعارض مع حق اتباع مختلف الديانات في ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية بحرية تامة ودون معوقات، شريطة أن لا تتعارض مع القواعد والآداب العامة وأن لا تسيء لكرامة الإنسان واحترامه لنفسه أو إنزال الأذى بجسده، وأن لا تسيء لأتباع الديانات والمذاهب الدينية والفلسفية الأخرى. فمن حق الإنسان أن يمد يده حيث يشاء شريطة ألَّا يمس أنف غيره.

العلمانية ليست ديناً ولا مذهباً دينياً، بل هي قواعد عمل أساسية، منها:

1 ) الفصل بين الدين والدولة أو المذهب؛

2 ) احترام جميع الديانات والمذاهب والطقوس والشعائر الخاصة بالديانات والمذاهب؛

3 ) حرية الفرد في اعتناق هذا الدين أو المذهب أو أن لا يعتنق أي دين أو مذهب، أو أن ينتقل من دين أو مذهب إلى آخر، أو أن يكون ملحداً؛

4 ) أن لا ينشأ تعارض مع المبادئ المدنية والحياة الديمقراطية والدستورية للمجتمع،

5 الاعتراف المتبادل بين أتباع الديانات والمذاهب بدياناتهم وأن يسود بينهم الاحترام المتبادل. وهذا لا يتناقض مع حق الجميع في ممارسة النقد المتبادل، أو نقد الدين والفكر الديني.

المصدر