نازحون في شتاء ممطر

472

علاء هادي الحطاب

لم يستطع احد ان يصف حال النازح خارج منزله ومدينته وظروف العيش القاسية الا الذي عاش تلك المآسي والآلام، لأنه ببساطة مهما امتلك خيالا خصبا في توصيف المشهد فأنه حتما سيغفل تفاصيل حياة بسيطة لا يدركها الا المحتاج لها، فالنازح لا يستطيع حتى ان يفكر بشكل صحيح في ادارة حياته، لانه يعيش دائما حياة انتقالية غير مؤَمنة ومستقرة بابسط مصاديقها، فكيف به وهو يعيش في "كرفان" وسط قطعة ارض لا مجاري ولا طرق معبدة ولا ابسط مستلزمات الحياة، فضلا عن الصحة والتعليم التي لا يعدها النازح من مستلزمات حياته الضرورية وسط ما يعانيه، ما يشغله كيف يوصل الماء لبيته، وكيف يعد الطعام لاطفاله، الاستحمام عنده ازمة كبيرة، وعندما تمطر السماء يصبح الخروج من كرفانه معجزة كبيرة، فكيف يفكر بمدارس لتعليم اطفاله او مستشفى يصل اليه او موجود عنده يعالج نفسه؟ النازح في كل مفردات حياته يوطن نفسه على "اللا موجود واللا متوفر" ويتأقلم مع حياة الانسان البدائي الذي لم يدرك بعد كل ممكنات عيشه بطريقة اسهل، وحتما هنا لا اتحدث عن رفاهية العيش اطلاقا. ما نسمعه هذه الايام من خطوات لاغلاق مجمعات النازحين بعد تجاوز مشكلات عودتهم الى ديارهم يعد أمرا مفرحا جدا، وهذه "المشكلات" ليست مفردة في عمود صحفي بل هي ازمات اجتماعية كبيرة إن لم تُعالج ستولد ازمات اجتماعية كبرى،ـ لذا فأن معالجتها في الوقت الحاضر يعد منجزا مهما اكبر من منجز عودة النازحين الى ديارهم لانها تُنهي اصل المشكلة الاجتماعية بين خصوم يعتقد احدهم انه ضحية لمنتهك حقوقه في مرحلة سيطرة تنظيم داعش الارهابي على مناطق واسعة في البلاد. قبل ايام اعلنت وزارة الهجرة "خلو محافظة ديالى من مخيمات النزوح بعد اغلاق مخيم الوند الكرفاني في قضاء خانقين وعودة اخر (93) أسرة نازحة بواقع (586) شخصاً الى مناطق سكناهم الاصلية في اقضية ونواحي المحافظة، وان "المخيم كانت تقطنه (1,900) اسرة نازحة بواقع (11,400) فرد، مبينةً انه "بعد اتمام التدقيق الامني لهذه الاسر وبالتعاون مع القوات الامنية تم ايصالها الى مناطق سكناها الاصلية". هذا الخبر ربما لم يثر اهتماما كثيرا من قرائه، لكنه بالحقيقة مهم اجتماعيا لاننا ببساطة انقذنا مدنا كاملة من حالة الثأرية وتصفية الحسابات، فضلا عن توفير مأوى افضل لهذه الأسر بكل المقاييس من مأواهم الكرفاني. يبقى على الجهات ذات العلاقة ان تركز جهودها خلال هذه الايام لتأمين ما يعين تلك الاسر لتجاوز شتاء ممطر بارد لحين اتمام عودتها الى ديارها بعد حل اشكاليات تلك العودة .المصدر