مياهٌ قاتلة في أطراف بغداد

461

إيناس حليم

يصبُ نهرٌ قاتل مكون من مياهٍ آسنة، في نهرِ دجلة الكبير جنوب شرقي العاصمة العراقية بغداد. هو نهر ديالى الذي تحول من مصدرٍ للشرب والزراعة وصيد الأسماك وتربية المواشي الى مكبٍ للنفايات، ومصدر لتلوثٍ بيئي خطير يُهدد حياة ما يقرب 200 ألف إنسان.

وليس السكان من يقومون برمي المخلفات والنفايات في النهر، بل المؤسسات الحكومية هي التي تقوم بذلك. وتقوم آلياتٌ تابعة لمديرية العاصمة بغداد بنقل ورمي مخلفات الصرف الصحي في نهر ديالى من دون حسيب أو رقيب، وذلك بسبب خروج العديد من محطات معالجة المياه الثقيلة ومياه الصرف الصحي عن الخدمة وتهالكها، وعدم توفر محطات معالجة حديثة كافية لتغطية الزخم المتزايد. يذكر أن (16) من أصل (20) بلدة موزعة بين القضاء والناحية والتابعة لمحافظة بغداد تعاني من انعدام خدمات الصرف الصحي، وذلك بحسب وثيقة حكومية تعود لشهر أيلول (سبتمبر) 2020.

تقول أم محمد سيدة عراقية ، “كانت هذه المنطقة أشبه بالجنة، كنا نذهب الى المزرعة ونقوم بجني الثمار ونسقي الحيوانات ونقوم بصيد الأسماك، وكل ذلك قبل عام 2003، لم نحتج الذهاب الى المدينة لشراء الخضراوات والأسماك قط، كنا نملك كل ذلك بفضل هذا النهر”. إنما تحول النهر اليوم الى مصدر للتلوث، لا تعيش فيه الأسماك ولم تعد الحيونات تشرب منه. ويحصل السكان على مياه الشرب من الآبار أو سحبها من مناطق مجاورة بأساليب شاقة، الأمر الذي يزيد الصعوبات أمام السكان المحليين ويضعهم أمام صعوبات ، تتحمل أم محمد الجزء الأكبر منها. “اذهب صباح كل يوم الى المرافق الصحية خارج المنزل لأضع فيها المياه الصالحة للغسل قبل استيقاظ العائلة من النوم ” .

كان أغلب السكان يعيشون على الزراعة قبل 2003 بحسب مختار المنطقة عبد الله كاظم، لكنهم تركوا هذه المهنة اليوم بسبب تلوث النهر، فيما لا تكفي مياه الإسالة ربع السكان، ما يُجبرهم على شراء المياه على نفقاتهم الشخصية والعائلية. ومما يزيد الطين بلة، ليس الإنعدام الحكومي في دعم المزارعين فقط، بل برمي دوائر خدمات البلدية للمياه الآسنة في النهر. ويتحدث أبو عبد الله، أحد ساكني المنطقة، عن دور مديرية مجاري بغداد في تحويل النهر الى بؤرة ملوثة وحافاته الى محرقة للنفايات والروائح الكريهة التي لا تطاق .

يشير العضو في جمعية حماة دجلة سلمان خير الله الى أن ما يعانيه أهالي منطقة جسر ديالى هي المعاناة ذاتها التي يعانيها ساكنو أذناب الأنهر، إذ ترمي كل محافظة مخلفاتها في الأنهر. “إن المخلفات سواء كانت صلبة أو سائلة سوف تتحلل في الأنهار بعد سنوات وتولد مخاطر جسيمة وتُعرّض الصحة العامة لأخطارٍ جمة”. ويضيف خير الله “إن منطقة جسر ديالى موبوءة بسبب مياه المجاري الآتية من الرستمية ومدينة الطب بالعاصمة بالإضافة الى المخلفات التي تأتي من شمال النهر وتصل الى بغداد وخصوصاً الى نهر ديالى لأنه يقع على مجرى نهر دجلة”.

سُبل المعالجة

لا يقتصر رمي المخلفات والمياه الثقيلة على نهر ديالى، بل يشمل كل الأنهار الداخلة الى العراق أو النابعة منه. في مدينة كبيرة مثل بغداد، أكثر من 8 ملايين نسمة، تُرمى المخلفات ومياه الصرف الصحي في نهر دجلة دون معالجة. وهناك منشآت صناعية كبيرة مثل مصفى الدورة الذي يرمي كل مخلفاته في النهر، ناهيك عن العديد من المصانع والمستشفيات التي ترمي المخلفات في النهر ذاته. وتتعرض المياه السطحية والجوفية جراء ذلك الى تلوث كبير بحسب النائبة السابقة شروق العبايجي حيث مشاريع معالجة المياه كانت موجودة في عقود سابقة مثل مشروع مجاري الكرخ وغيرها ولكنها تعطلت بسبب الإهمال وعدم الصيانة وعدم استيعابها الكميات المتزايدة من المخلفات الملوثة التي ترمى في الأنهار يومياً. وتقول العبايجي في هذا السياق، “هناك دول عديدة في العالم اليوم، تكنولوجيا متطورة لمعالجة المياه المستخدمة وطريق تدويرها لأغراض زراعية وصناعية”. ولكن ما يحصل في العراق بحسب قولها هو نوع من أنواع انتهاك حقوق الإنسان وفقاً للمواثيق الدولية إذ يحصل بموجبها الإنسان على الماء الصالح للشرب بطريقة صحية ولا تسبب له الأمراض ولا تسبب أيضا خسارات في الزراعة.

كان للعراق مشاريع كبيرة في عملية الحماية من تلوث الأنهار حتى ما قبل 1970، وكان مشروع المصب العام الذي كان يُسمى النهر الثالث وهو أساسا لتجميع مياه المبازل من المشاريع الإروائية للبزل في المصب العام لكي لا تذهب لمياه دجلة والفرات حتى لا تلوثها بالمخلفات الناتجة عن الأسمدة وغيرها، ونلاحظ اليوم كيف أصبحت نوعية مياه البزل أفضل من مياه نهري دجلة والفرات.

وتقترح العبايجي البدء بتنفيذ القوانين النافذة أولاً، لأن لدينا مجموعة من القوانين التي تمنع التلوث وتُجبر المنشآت الصناعية على معالجة مخلفاتها، وكذلك تُحرّم على المستشفيات رمي نفاياتها في الأنهار. ومن الضرورة أن تُدرك مدينة الطب وغيرها في العاصمة أن مخلفاتها في مياه دجلة تشكل خطراً بيئياً وصحياً على الصحة العامة والأحياء والزراعة.

بالتزامن مع تفعيل القوانين وسبل تنفيذها، على الحكومة العراقية مواكبة التطورات التكنولوجية وتطور أساليب مختلفة لمنع التلوث، منها معالجة المخلفات وإعادة التدوير وتحديداً إعادة تدوير المياه، وذلك بسبب محدوديتها قياساً الى الاحتياجات السكانية. تشير العبايجي في نهاية كلامها الى ضرورة أخذ الإزدياد السكاني في الحسبان وترك الأساليب القديمة في استخدام المياه.

المصدر