صراع متجدد يشهده العراق بين سائقي الأجرة التقليديين، وأولئك الطارئين على المهنة من الموظفين الذي يحاولون توفير رزقهم باللجوء إليها، بعد توقف رواتبهم بسبب الضائقة الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط الذي خلفته جائحة كورونا.
تعتبر مهنة “سائق التاكسي” الملاذ الأقرب للموظفين في العراق، كلما تأخرت الحكومة في صرف رواتبهم ومستحقاتهم المالية، وقد تكررت هذه الحالة في أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، لكنّ هذا الأمر لا يطيب لأبناء المهنة الأصليين ممن يعتاشون عليها، ويسعون دائماً إلى المطالبة بتشريعها، أو حصرها كما في دول العالم بشريحة واحدة وفق تطبيق أو نظام مروري واضح.
لم يقتصر لجوء الموظفين المدنيين إلى هذه المهنة فقط، بل التحق بها عسكريون تابعون للوزارات والهيئات الأمنية، سواء من الشرطة أو الجيش، ممن باتوا يجوبون شوارع المحافظات العراقية في سبيل تأمين لقمة العيش بعد انتهاء خدمتهم الأسبوعية أو نصف الشهرية، كونهم باتوا يعتبرون أنفسهم عاطلين من العمل بسبب تأخر رواتبهم، أو توزيعها بشكل غير منتظم. ولأنّ العراق لا يملك قانوناً يحكم العمل بسيارات الأجرة، تحول الجميع إلى سائقين.
يقول محمد فاضل، وهو موظف في دائرة تتبع وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة في بغداد، إنّه يسكن في شقة صغيرة بحي الدورة، بإيجار 450 ألف دينار عراقي (380 دولاراً أميركياً)، مع أنّ راتبه الشهري 600 ألف دينار (500 دولار)، وهو ضئيل ولا يكفي للمعيشة في الأوقات الجيدة الذي توزع فيه الرواتب بشكلٍ منتظم، فما بالك حين تتوقف الرواتب؟ يقول لـ”العربي الجديد” إنّ “اللجوء إلى مهنة التاكسي هو الخيار الاكثر توفراً، مع العلم أنّها مهنة متعبة ويتعرض فيها السائق لكثيرٍ من المشاكل، كما أنّ المركبات تتعرض إلى أعطال كبيرة، بسبب سوء وضع الطرقات، ناهيك عن المخالفات المرورية التي تلحق بالسائقين سواءً كانوا على خطأ أم بسبب الازدحامات التي تجبرهم أحياناً على المخالفة”.
من جهته، يؤكد حمزة فرات، من بغداد، وهو عنصر من الشرطة الاتحادية، مقر عمله الرسمي في محافظة ديالى، أنّه يضطر منذ شهرين للعمل على مركبته سائق تاكسي، وأنّه لا يرفض أيّ مبلغ يُقدم إليه، كونه مسؤولاً عن أسرة مؤلفة من 8 أفراد، وأنّه يلتحق بدوامه أسبوعاً كاملاً، ويستغل أسبوع نزوله إلى بيته للعمل من أجل تأمين احتياجات أبنائه ووالدته المريضة. يقول لـ”العربي الجديد” إنّه لا يملك أيّ خيار آخر، بالرغم من أنّه يتشاجر مع أصحاب المهنة الأصليين ممن يعتبرونه منافساً لهم في رزقهم: “لكنّ الحاجة هي التي تدفع بنا إلى هذه المهنة” موضحاً أنّ “الحكومة العراقية مقصرة كثيراً تجاه الموظفين، وتجبر الناس على تجاوز القانون أحياناً، وبالتالي لا بدّ من معالجات فورية لأزمة الرواتب”.
لم تُرسَل أيّ أوامر بمحاسبة المركبات الم دنية التي تعمل كتاكسي
أما أبو محمد، وهو سائق تاكسي، منذ 15 عاماً، فيشكو لـ”العربي الجديد” ما يصفه بـ”مزاحمة الموظفين لي في عملي”. ويعتبر أنّ مهنته تعاني أصلاً من ضعف في الرزق، لا سيما بعدما باتت في كلّ بيت مركبة، مبيناً أنّ “مديريات المرور في العراق، تمنع عمل أيّ سيارة كتاكسي، عدا عن المركبة الصفراء، لكنّها لا تطبق هذا القانون فعلياً على الأرض”. ويشير إلى أنّ “كلّ أشكال وأنواع الموظفين لدى الحكومة العراقية باتوا سائقي تاكسي، وهو ما أثر على مصدر رزقنا الوحيد، ولم يعد الأمر يقتصر على الموظفين الجدد أو ذوي الرواتب المنخفضة، بل إنّ معلمين وعناصر من الجيش والشرطة، التحقوا بهذه المهنة. ومع أنّ الرزق بيد الله، فإنّ كثرة سيارات الموظفين التي تحولت إلى تاكسي، أثرت كثيراً في مهنتنا”.
بدوره، يعترف النقيب في مديرية مرور بغداد علي اللامي أنّ “تأخر رواتب الموظفين أدى إلى زيادة أعداد سيارات الأجرة، من المركبات الصفراء وبقية الألوان، فيما الضائقة المالية التي يعاني منها العراقيون بسبب تأخر الرواتب دفعت بالموظفين إلى اللجوء لمهنة التاكسي، وربما تكون وزارة النقل ومديريات المرور على علم بهذا، ولذلك لم ترسل أيّ أوامر بمحاسبة المركبات المدنية التي تعمل تاكسي”. يوضح لـ”العربي الجديد” أنّ “الازدحامات المرورية خلال الأسابيع الماضية، بلغت الذورة، فيما واحد من أسبابها نزول الموظفين بسياراتهم إلى الشوارع”.
أسعد الطالبي، عضو غرفة النقل، وهو تجمع نقابي في بغداد مهتم بتحصيل حقوق العاملين في مجال النقل العام والخاص، يقول إنّ مهنة سائق التاكسي لطالما كانت الملاذ الوحيد للموظفين وغير الموظفين في العراق. يضيف لـ”العربي الجديد” أنّ عشرات الآلاف من الموظفين وغيرهم ممن تتأخر رواتبهم يخرجون بسياراتهم، ساعتين أو ثلاثاً، يومياً لتحصيل ما يقتاتون به يوماً أو اثنين. وباستثناء شرط اللون الأصفر لسيارة التاكسي، يلفت إلى أنّ العراق لا يضع أيّ ضوابط على مهنة التاكسي، وهو ما تغير في إقليم كردستان وحده، الذي يمنع الموظف والطالب وغيرهما من العمل في هذه المهنة ويفرض غرامات على المخالفين.