محال الأكلات الشعبية تستعيد عافيتها: روادنا غير مكترثين لكورونا

461

بغداد/ حسين حاتم

بينما كان زميله واقفا بجنب صندوق زجاجي يضع بداخله حبات “الفلافل” قال الكاشير محمد نزار، إن “فايروس كورونا أثر على عملنا كثيراً.. أغلقنا محلنا لمدة ٤٠ يوماً بسبب الجائحة، وهذا التوقف وما رافقه من خوف متزايد من قبل الناس تسبب بأكبر تراجع للطلب منذ افتتاحنا محلنا الصغير”.

ويختص نزار وصديقه ببيع أكلات شعبية أبرزها “الكص”، و”الفلافل” والأخيرة هي من الأكلات التي نقلها المصريون الى العراق عندما سيطروا على الأعمال الحرة في ثمانينيات القرن الماضي.

واضطر البلد الى إعلان الإغلاق التام وفرض حظر للتجوال استمر أشهراً منذ شهر شباط الماضي تحسباً لاجتياح فايروس كورونا في البلد الذي يعاني نظامه الصحي من كوارث كبيرة.

لكن قبل حوالي شهر، تراجعت الحكومة عن قرار حظر التجوال بعد أن وجدته غير نافع مع وصول حالات الإصابة بالفايروس الى 5 آلاف إصابة.

الآن يكافح نزار من أجل إقناع رواده بنظافة محله الذي يحتل ركناً تجارياً في أحد قطاعات مدينة الصدر المكتظة، حيث يرتدي عماله الكفوف والكمامات، فيما علب التعقيم تملأ المكان، ورغم ذلك فإن المحل شبه فارغ بعدما كان من أكثر المحال اختناقاً.

لا يمكن أن يسيطر أصحاب محال الأكلات الشعبية على مستوى عالٍ من التعقيم خصوصاً أن شوايات الدجاج وما يعرف بأكلات “الكص” تتواجد في مداخل المحال بدون أغطية، كذلك يتسابق أصحاب هذا المحال في صناعة أطباق “المقبلات” وهي أكلات بالعادة توضع في أماكن مكشوفة.

ورغم سماح وزارة الصحة للمطاعم الشعبية بالعمل إلا أنها وضعت شروطاً، منها الوقاية وارتداء الكمامات والكفوف.

وقالت وزارة الصحة في بيان نشرته (المدى) قبل شهر، إن المطاعم ومحال الأكلات الشعبية تزيد من خطر انتشار الجائحة، وقالت إن هناك مستويات لهذا الخطر، يبدأ بالبسيط في حال الطلب عبر خدمة التوصيل (الديليفري) وينتقل الى الأخطر هو الشراء المباشر وينتهي بالخطر الكبير وهو الأكل داخل المطاعم.

ويقول الكاشير نزار لـ(المدى) إن “الناس يدخلون هنا ويأكلون. كورونا لم تعد تخيف الناس كثيراً. العديد من المصابين يتماثلون للشفاء. كبار السن هم الضحية فقط، ومو كلهم (وليس جميعهم)”.

وقالت وزارة الصحة في بيان إن “نسب الوفيات في تنازل مستمر حتى وصلت الى أقل من ٢،٥٪ نتيجة التحسن الواضح في الخدمة الصحية المقدمة للمرضى واستيعاب مؤسساتنا الصحية لأعداد الإصابات وتوفر الفحوصات والعلاجات اللازمة”.

وأكدت أن “نسبة التعافي بلغت 81 في المئة”، لكن الوزارة حذّرت في بيانها من “سماع بعض الآراء الشاذة التي تشجع على عدم ارتداء الكمامة وتخالف كل المبادئ العلمية والمهنية والأخلاقية والشرعية”.

وأوضحت “ثبت بما لا يقبل الشك على أن الوسيلة الأكثر نجاحاً في الوقاية من الوباء هي ارتداء الكمامة وخاصة أن أغلب دول العالم قد فرضت غرامات باهظة على مواطنيها عند عدم ارتداء الكمامة”.

ويكمل نزار أن “مسلسل تأخير رواتب الموظفين قد أثّر بشكل كبير على العمل”. ويضيف أن “أغلب رواد المطعم الشعبي في ظل انتشار كورونا هم الكادحون والكسبة والأكثر منهم الشباب مع نسبة بسيطة من الموظفين الذين بدأوا يتعايشون من الفايروس”.

في الجانب الآخر من الشارع الذي تملأه سيارات الأجرة المختلفة وعربات الـ”التك تك” يقول حسين سعدون وهو عامل في أحد المطعم المختصة بالوجبات السريعة: “في منتصف شهر آذار الماضي شدّدت وزارة الصحة والقوات الأمنية على إغلاق المحلات والمطاعم وكان مطعمنا من ضمنها”.

ويقع المطعم الذي يعمل به العامل سعدون على شارع الداخل وهو أحد أبرز شوارع مدينة الصدر الرئيسة الثلاثة، وعادة ما يمتلئ بالمارّة على مدار اليوم، خصوصاً في الليل حيث المقاهي والمطاعم والمحلات الأخرى.

ويتابع: “أغلقنا المطعم قرابة ٤٠ يوماً وبعدها افتتحنا المطعم من جديد رغم خطورة الفايروس لكن الوضع المادي الآن في أسوأ حال، ولا سيما نحن ليس لدينا مصدر آخر ومعي عمال اثنين ولديهم أطفال ونساء (…) إغلاق المطعم جعل الضرر المادي أكثر من ضرر فايروس كورونا نفسه”.

ويكمل سعدون قائلاً: “مع استئناف عملنا كان الإقبال قليل جداً بسبب الخوف وكان مردود البيع أقل من السابق بكثير، لكن مع مرور الأيام بدأت الناس تتأقلم مع الفايروس لاسيما عندما أصبح الحظر جزئياً شيئاً فشيئاً عادت الحياة طبيعية في المدينة وأصبحت كورونا في خبر كان رغم وجودها (…) الآن روادنا من كل الفئات العمرية”.

وما أن يغلق الكاشير نزار والعامل سعدون المطعم، يضع أبو أحمد صاحب الفحم على منقلة أعدّها بيده ليبدأ بالشواء، زبائنه هم عمال المسطر الذين يجلسون على الرصيف منذ ساعات الفجر الأولى.

ويقول أبو أحمد، لـ(المدى) “إنه يبدأ بتقديم الطعام الى العمال من الليل حتى صباح اليوم التالي”. الى جانب العمال كان رجلان جالسين يرتديان الزي العربي وهما يتناولان فطورهما.

ويضيف “مع تسجيل إصابات بفايروس كورونا قرر قسم من عمال المسطر الجلوس في منازلهم وهذا ما أثر كثيراً على عملي. هناك مستطرقون يجلسون لتناول الطعام لكن عددهم قل كثيراً عندما كانت السلطات تفرض حظر التجوال.

ويختم أبو أحمد كلامه قائلاً: “الوقاية بالنسبة لنا يومية. حتى الصحون تحوّلت الى سفري أما بالنسبة للناس فقد التزموا في بداية الأمر، لكن شيئا فشيئاًا لم نرَ تلك الوقاية كما كانت سابقاً”.

المصدر