الألواح الشمسية في الصحراء. المصدر: مصدر مسؤول، فليكر
ماذا لو ظل الطلب على النفط منخفضاً؟ عواقب على العلاقة بين الماء والطاقة والغذاء في منطقة الخليج. إعداد وترجمة: محمد توفيق علي
نشر مركز الشرق الأوسط في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن على صفحات موقعه الالكتروني بتاريخ 27 آب (أغسطس) العام 2020 مقالا بالعنوان المذكور أعلاه. وهو عَرض لبحث من تأليف الأكاديميين كريستيان سيديريوس، الذي كان سابقاً من معهد غرانثام لبحوث تغير المناخ في كلية الاقتصاد، وهو الآن مستشار مستقل في أبحاث المياه المجهولة في سيدني، أستراليا، وديكلان كونواي وهو زميل أبحاث أستاذية في معهد غرانثام للأبحاث حول تغير المناخ والبيئة في ذات الكلية. أدناه ترجمتي للمقال:
مع بعض الانتعاش في الأسعار، لا تزال أسعار النفط أقل بكثير مما كانت عليه في بداية العام 2020. إن انخفاض الطلب بسبب تأثير اجراءات الحجر الصحي والإغلاق نتيجة تفشي جائحة “كوفيد – 19″، على الاقتصاد العالمي، وعدم اليقين بشأن مستقبل النفط، هما السببان الرئيسيان. وقد انخفضت أسعار الأسهم في شركات الوقود الأحفوري التقليدية وفقا لذلك. إن الدول التي تعتمد على صادرات النفط، مثل دول الخليج، تستعد للتأثير. وفي المرة الأخيرة التي كانت فيها أسعار النفط الخام بهذا الانخفاض، حوالي العام 2016، أدى ذلك إلى عجز ملحوظ في الميزانية. وفي دول الخليج، تدعم الإيجارات من استخراج النفط العديد من الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها الناس، مثل القدرة على تحلية ماء البحر للحصول على الماء الصالح للشرب. وفي دراسة حديثة نُشرت مؤخراً، استكشفنا قوة هذا الاعتماد والمقايضات مع قطاعات أخرى وثيقة الصلة، ولا سيما الماء والغذاء – فيما يطلق عليه في كثير من الأحيان العلاقة بين “الماء – الطاقة – الغذاء”. وهذا الإطار يقرّ بترابطات استخدام الطاقة في الحصول على الماء (مثل ضخ المياه الجوفية وتحلية الماء)، واستخدام الماء في الغذاء (الري كثيف في استخدام الماء بشكل كبير) وهلم جرا.
وباستخدام بيانات من قواعد البيانات العالمية ومصادر البلدان، قمنا بتحديد هذه الصلة في ثلاثة بلدان من دول مجلس التعاون الخليجي، الكويت وقطر والمملكة العربية السعودية، عبر نطاقات مكانية مختلفة وعلى مر الزمن، اعتبارا من العام 2000 فصاعدا. وقد وجدنا في داخل البلدان، أن هذه المبادلات محدودة نسبيا في الواقع؛ تتطلب تحلية الماء كميات كبيرة من الطاقة، ولكن الاحتياجات الإجمالية لإنتاج الماء والغذاء متواضعة مقارنةً بأوجه الاستخدام الأخرى مثل النقل أو تبريد المباني في هذه البلدان. وفي حين أن هناك قضايا شحة الماء، استهلاك استخراج النفط للمياه الجوفية، فإن هذا في حد ذاته لا يقيد الزراعة ولا ينافس بشكل مباشر ماء الشرب الذي يتطلب جودة أعلى.
تسمح عائدات صادرات النفط في دول مجلس التعاون الخليجي للمنطقة بالتعويض عن انخفاض إنتاج الغذاء وندرة المياه المتاحة. وتتزايد هذه التبعية مع مرور الوقت عندما تكون أسعار النفط منخفضة وأسعار الأغذية مرتفعة. ونبين كيف يمكن أن يؤدي الحد من المبادلات الداخلية إلى زيادة التعرض على الصعيد الدولي، بارتفاع كميات استيراد الأرز الناشئة في مناطق مثل جنوب آسيا حيث تستنزف المياه الجوفية بوتيرة تنذر بالخطر. ومع ذلك، فإن زيادة استيراد المملكة العربية السعودية من القمح، بعد أن غيّرت سياستها للاكتفاء الذاتي الغذائي في العام 2006، مدركة أنها ستنفد من المياه الجوفية في غضون عقود من الزمن، كان لها آثار محدودة على استنفاد المياه الجوفية في أماكن أخرى. يمكن أن ينمو القمح المستورد في ظروف الزراعة البعلية في البلدان المصدرة مثل كندا أو ألمانيا. وفي هذه الحالة، بانخفاض العوامل الخارجية السلبية في مناطق المصدر، ساعدت عولمة شبكات الإمداد الغذائي على الحد من المبادلات الداخلية.
عقب تفشي جائحة “كوفيد – 19” قد يتعافى الطلب على النفط، ولكن إلى متى؟ كما بحثنا في السياسة المناخية الدولية المستقبلية وانعكاساتها على عائدات النفط والغاز. وان محاولات الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الدفيئة من أجل تحقيق الطموحات في مكافحة تغير المناخ على النحو الوارد في اتفاق باريس، أو لمراعاة التكلفة الاجتماعية للكاربون، قد تؤثر على الطلب على النفط و/أو سعره. وقد يعطينا انخفاض الطلب الحالي وما يقابله من عائدات نفطية لمحة عن مثل هذا المستقبل: مستقبل يتم فيه قمع الطلب من خلال تسعير الكاربون والضرائب تخفض من عائدات النفط. وفي مثل هذا السيناريو، يمكن بسهولة أن تتضاعف تكلفة استيراد السلع الغذائية كنسبة مئوية من التكلفة الإجمالية لإيرادات النفط المصححة للكاربون.
وفي حين أن سرعة الانتقال إلى مجتمع أكثر استدامة ودور حافز الانتعاش الاقتصادي لوباء “كوفيد-19” في هذا التحول لا يزالان غير واضحين، فإن تحليلنا هو بمثابة “اختبار الإجهاد” لاعتماد البلدان الثلاثة على عائدات النفط لدعم متطلبات أخرى للقطاعات المرتبطة. سوف لن يكون التغيير سهلاً. دول مجلس التعاون الخليجي تمارس اقتصادا سياسيا باعتبارها “الدول الأكثر ريعاً”، ودور دعم الموارد في العقد الاجتماعي (الماء والطاقة والغذاء الرخيص) في إضفاء الشرعية على الحكم غير الديمقراطي، وبالتالي يحد كثيراً من الحوافز السياسية ومجال صنع القرار في تخصيص الموارد في القطاعات والمجتمع.
و على الرغم من ذلك هناك علامات واعدة. فسيتم بناء أول مشروع للطاقة الشمسية على نطاق الخدمات في قطر لما يقال إنه أدنى سعر على الإطلاق، وتتوقع المملكة العربية السعودية تكلفة منخفضة برقم قياسي عالميًا للكهرباء من حقول الرياح الساحلية الجديدة. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة، ستكون مصادر الطاقة المتجددة “مصدر الطاقة الوحيد الذي من المرجح أن يشهد نمو الطلب خلال الفترة المتبقية من العام 2020”. إن إمكانات توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح عالية في جميع أنحاء منطقة الخليج، كما أن معظم دول الخليج الأخرى لديها طموحات عالية في مجال الطاقة المتجددة.
والطاقة المتجددة الأرخص سعراً من شأنه أن يؤدي إلى خفض تكاليف تحلية المياه، إلا أنها لن تنهي اعتماد المنطقة على استيراد السلع الغذائية. ولكن لدول الخليج الواقعة بين أوروبا، والاقتصادات القادمة في شرق أفريقيا وجنوب آسيا المكتظة بالسكان، ستظل هناك فرص كبيرة لها لتجارة الطاقة ـ المتجددة هذه المرة ـ مقابل الغذاء. قبل تصدير النفط، كان الخليج لديه عواصف غبارية، وشمس حارقة، وموقع مثالي للتجارة. ويمكن لهذه العوامل، مرة أخرى، أن تشكل مستقبل المنطقة.
ولمزيد من المعلومات بالإنجليزية والصور راجع الرابط المدون أدناه. https://blogs.lse.ac.uk/mec/2020/08/27/what-if-demand-for-oil-remains-low-consequences-for-the-water-energy-food-nexus-in-the-gulf-region/