علي حسن الفواز
قد تبدو ليلة اقتحام بناية الكابيتول "الكونغرس الأميركي" ليلة استثنائية في مسار الديمقراطية الاميركية، فالمهاجمون الشعبويون أرادوا التعبير عن رفضٍ عنفي لنتائج الانتخابات، وفوز الديمقراطي جو بايدن بها، مثلما أنهم عكسوا منظور الرئيس المنتهية ولايته الجمهوري دونالد ترامب في رؤيته للرفض، ولدعوة مناصريه للاحتجاج. وبقطع النظر عما اتسم بهذا الاقتحام من شغب وعنف فإنه شكّل صدمة للديمقراطية التي طالما تتباهى بها الولايات المتحدة، حدّ أن بعض السياسيين قال ساخرا: إن ماحدث في الكونغرس شبيه بما كان يحدث في جمهوريات الموز! وهي كناية عن دول العالم الثالث في افريقيا .. الطابع العنفي لما جرى، ولهوية "الجمهور" الذي اقتحم البناية واعتدى على رجال الأمن يكشف عن معطيات قد لا تدخل في السياسة مباشرة، لكنها تدخل في أزمة ممارسة الديمقراطية، وتخوين الجهات المشرفة على الانتخابات، وصولا الى الاتهام بالسرقة والاحتيال، وهي مفردات ظل يكررها الرئيس ترامب لأكثر من مرة، في التصريح وفي التغريدة وفي اللقاءات مع مناصريه، وهذا ماعكس واقعا خلافيا، وشكوكا بشأن اي انتخابات ستجرى في المستقبل، لأنها قد تصطدم بالرفض، وبممارسة العنف، وربما الدعوة الى استخدام بعض "نصوص الدستور الاميركي" للطعن بالنتائج، وبالتالي وضع الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة أمام العاصفة. لقد تركت احداث الكابيتول أثرا من الصعب تجاوزه، على مستوى فضح تجربة الرئيس ترامب الشعبوية، وطبيعة قراراته ومواقفه وسياساته التي اتسمت بالتهور والحدة والغرور، وكذلك على مستوى الكشف عن جماعات لها خطاب عنفي، وتوجهات ثقافية يختلط فيها العنصري بالفاشستي، والتي يمكن أن تكون مصدرا مفتوحا يُهدد الاجتماع الاميركي، المزحوم بهويات وأصول عرقية وجماعوية وعنصرية، وهذا ما بات يثير حوله أسئلة تخص طبيعة العقل الرأسمالي، ومدى استجابة تطبيقاته الحقوقية والثقافية للاجيال الجديدة، تلك التي قد تضم مهمشين، وجنودا سابقين، أو ضحايا لحروب اميركا الكثيرة، والتي ستضع خطوطا حمرا أمام مسار الديمقراطية، فضلا عما يمكن أن تثيره من اسباب لها علاقة بنشوء حركات مضادة قد يكون اليسار الشعبوي هو الأقرب لتوصيفها، وحتى لتوظيفها في لعبة "المشاطرة" السياسية بين الفرقاء المتنازعين، وبالاتجاه الذي يكشف عن وقائع فيها كثير من المسكوت عنه، لا سيما بعد التداعيات الصحية لفيروس كورونا، ولأزمات العنف في الشارع الاميركي بعد حادثة مقتل فلويد ذي الاصول الافريقية من قبل الشرطة. العراقالمصدر
تسجيل الدخول
تسجيل الدخول
استعادة كلمة المرور الخاصة بك.
كلمة المرور سترسل إليك بالبريد الإلكتروني.
السابق بوست